اخر الاخبار

لماذا تمنح أميركا دول الخليج وصولاً إلى الرقائق المتقدمة؟

عدلت إدارة الرئيس دونالد ترمب سياسة الذكاء الاصطناعي الأميركية تجاه دولتين غنيتين بالنفط في الشرق الأوسط، إذ مهدت الطريق أمام السعودية والإمارات لشراء رقائق من شركتي “انفيديا” (Nvidia Corp) و”أدفانسد مايكرو ديفايسز” (Advanced Micro Devices) تُعد الأحدث في مجال تطوير وتشغيل برمجيات وخدمات الذكاء الاصطناعي.

كانت الولايات المتحدة قد فرضت سابقاً قيوداً على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى المنطقة ضمن ضوابط أوسع، تهدف إلى الحد من انتشار التقنيات الأميركية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وقد فُرضت هذه القيود بدافع مخاوف الأمن الوطني، وبشكل أوسع، بهدف الحيلولة دون وصول هذه القدرات إلى الصين.

ما القيود التي رفعتها إدارة ترمب؟

أعلنت وزارة التجارة في 13 مايو أن الولايات المتحدة ستلغي ما يُعرف بقاعدة “نشر الذكاء الاصطناعي” التي أطلقها سلف ترمب، جو بايدن، والتي قسمت الدول إلى ثلاث فئات رئيسية فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي. وكانت هذه القاعدة لتدخل حيز التنفيذ في 15 مايو، لكن تعمل إدارة ترمب حالياً على صياغة نهج خاص بها، وقد تتجه نحو التفاوض على اتفاقيات فردية مع الدول، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

في الوقت نفسه، أصدرت وزارة التجارة توجيهات تفيد بأن استخدام رقائق الذكاء الاصطناعي من نوع “أسيند”(Ascend) التي تصنعها شركة “هواوي تكنولوجيز” ( (Huawei Technologies) الصينية “في أي مكان في العالم” يُعد انتهاكاً لضوابط التصدير الأميركية. كما حذرت من استخدام “رقائق الذكاء الاصطناعي الأميركية في تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية”.

ماذا يلوح في أفق السعودية والإمارات؟

أطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة “هيوماين” (Humain) لقيادة جهود المملكة لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي. وبموجب اتفاق أُعلن عنه خلال زيارة ترمب إلى الخليج، من المقرر أن تتلقى “هيوماين” “عدة مئات الآلاف” من المعالجات الأكثر تقدماً من “إنفيديا” على مدى السنوات الخمس المقبلة، بدءاً بـ18 ألف وحدة من منتجاتها المتطورة “جي بي 300 غريس بلاكويل” (GB300 Grace Blackwell) وتقنيتها في الشبكات “انفينيباند” (InfiniBand).

لم تعلن إدارة ترمب رسمياً عن منح إذن تصدير هذه التكنولوجيا، غير أن الرئيس كان مشاركاً في الإعلان عن هذه الصفقات.

كذلك تخطط “غلوبال إيه آي” (Global AI)، وهي شركة تكنولوجية أميركية، للتعاون مع “هيوماين” بموجب اتفاق يُتوقع أن تصل قيمته إلى مليارات الدولارات، وفقاً لشخص مطلع. 

كما تستثمر شركة “أمازون” و”هيوماين” 5 مليارات دولار في “منطقة للذكاء الاصطناعي” في السعودية. كما تدخل شركة “سيسكو سيستمز” (Cisco Systems Inc)، ومقرها كاليفورنيا، في شراكة مع “هيوماين” وكذلك مع شركة الذكاء الاصطناعي “G24″، التي تتخذ من أبوظبي، عاصمة الإمارات، مقراً لها.

تدرس إدارة ترمب اتفاقاً يسمح للإمارات باستيراد أكثر من مليون رقاقة متقدمة من “انفيديا”، بحسب ما نقلته “بلومبرغ” عن أشخاص مطلعين. 

قال الأشخاص، إن الإمارات سيُسمح لها باستيراد 500 ألف رقاقة متقدمة جداً سنوياً حتى عام 2027، على أن يُخصص خُمسها لشركة “G24″، ويُمنح الباقي لشركات أميركية تبني مراكز بيانات في الدولة الخليجية.

لماذا تُعد المكونات الأميركية مهمة للسعودية والإمارات؟

ترغب الدولتان، كغيرهما حول العالم، في بناء قدرات وطنية في الذكاء الاصطناعي سريع التطور إذ يُعد هذا المجال مفتاح التنافس المستقبلي في ميادين متعددة تشمل الدفاع الوطني، والتصنيع الحديث، والخدمات الاستهلاكية. ويتزايد القلق من خطر التخلف عن الركب، ما يجعل الدول على استعداد لإنفاق مبالغ ضخمة على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. 

تُعتبر رقائق “انفيديا”، وإلى حدّ ما رقائق “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (AMD) الأفضل حالياً في تحويل كميات هائلة من البيانات إلى برمجيات وخدمات تقترب من مستوى الذكاء البشري أو تتفوق عليه في بعض الحالات.

ما حجة تخفيف القيود؟

قالت وزارة التجارة الأميركية في بيان إن القواعد التنظيمية التي وضعتها إدارة بايدن “كانت ستقوض العلاقات الدبلوماسية الأميركية مع عشرات الدول من خلال تصنيفها ضمن الفئة الثانية”. 

وعبر جهود ضغط مكثفة في واشنطن، جادلت “إنفيديا” وشركات أخرى بأن القيود المفروضة على تصدير رقائقها تأتي بنتائج عكسية. وأشارت إلى أن حصر الوصول إلى منتجات الشركات التكنولوجية الأميركية يفتح الباب أمام منافسيها، مثل “هواوي”، لتقديم بدائلها المحدودة لكن التي تشهد تطوراً مستمراً. وبذلك، لا تقتصر الأضرار على تقليص إيرادات الشركات الأميركية، وبالتالي إضعاف قدرتها على الحفاظ على تفوقها التقني، بل تُتيح أيضاً للدول الأخرى تطوير قدرات خارج النفوذ الأميركي. 

وتقوم الحجة على أنه إذا اعتمدت البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الخارج على منتجات أميركية، فيمكن للولايات المتحدة متابعتها والتأثير فيها.

هل يحظى توسيع وصول السعودية والإمارات إلى التقنيات الأميركية بالإجماع؟

كلا. فقد أعرب نائب بارز في لجنة خاصة بالصين في مجلس النواب عن قلقه، ولطالما حذّر هذا المشرع من علاقات “G24” مع “هواوي” وشركات صينية أخرى، وقال النائب الجمهوري جون مولينار، كبير الجمهوريين في اللجنة: “نحتاج إلى ضمانات قبل المضي قدماً في مزيد من الاتفاقيات”، وذلك في منشور على منصة “إكس”.

ما الذي على المحك بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الأميركية؟

 أصبح توفير البنية التحتية اللازمة لما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي السيادي” الجبهة التالية لشركات التكنولوجيا. وهذا المصطلح يشير إلى جهود مختلف الحكومات لضمان وجود مراكز بيانات داخل حدودها الوطنية قادرة على تنفيذ أعمال الذكاء الاصطناعي المتطورة. وبالنسبة لمصنّعي الرقائق على وجه الخصوص، تُعد هذه فرصة لتقليل الاعتماد على إنفاق عدد محدود من الشركات الأميركية الكبرى. وتُهيمن هذه الفئة من الشركات التي يُطلق عليها “عمالقة الحوسبة السحابية”، مثل “مايكروسوفت”، و”أمازون”، حالياً على استثمارات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. كما أنها تطور داخلياً رقائق قد تحلّ مكان منتجات “إنفيديا” أو”أدفانسد مايكرو ديفايسز”.

لماذا أصبح الشرق الأوسط محور الاهتمام؟

تسعى السعودية والإمارات منذ سنوات إلى تقليل اعتمادهما على تصدير الوقود الأحفوري، وترى كل منهما في الذكاء الاصطناعي وسيلة لتسريع جهود تنويع الاقتصاد. وتتمتعان بقدرة مالية كبيرة واستعداد للاستثمار السريع، وهو عنصر حاسم في ظل التكاليف الباهظة للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي. إذ يمكن أن تصل تكلفة رقائق “إنفيديا” إلى عشرات الآلاف من الدولارات للرقاقة الواحدة، ويتطلب بناء نظام تنافسي ربط عشرات الآلاف من هذه الرقائق مع تقنيات شبكات وتبريد باهظة الثمن. وتستهلك هذه القدرة الحاسوبية الهائلة كميات ضخمة من الكهرباء. وتتمتع الدولتان بإمكانية الوصول إلى طاقة أحفورية منخفضة التكلفة، وتسعيان لتوسيع توليد الطاقة المتجددة.

ماذا تجني أميركا من تخفيف ضوابط الذكاء الاصطناعي؟

أُعلن عن مبادرات الذكاء الاصطناعي ضمن مجموعة من الصفقات الأخرى التي تعود بالفائدة على الشركات الأميركية، وكُشف عنها خلال زيارة ترمب إلى المنطقة. وقد أعلن ترمب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن قيمة هذه الاتفاقيات بلغت تريليون دولار، لكن الرقم الفعلي بدا أقرب إلى 300 مليار دولار، منها مبيعات دفاعية بقيمة 142 مليار دولار. 

شملت الاتفاقيات الأخرى صفقة من شركة “أفيليس” (AviLease) السعودية لتأجير الطائرات لشراء طائرات ركاب بقيمة 4.8 مليار دولار من شركة “بوينغ”. وقال مستشار ترمب إيلون ماسك إن المملكة وافقت على الترخيص لخدمة “ستارلينك” التابعة له في الطيران والملاحة البحرية. وفي سياق متصل، وافقت وزارة الخارجية الأميركية قبيل زيارة ترمب على مبيعات أسلحة إلى الإمارات بقيمة تناهز 1.4 مليار دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *