اخر الاخبار

هل تقترب حقبة الاستثنائية الأميركية من نهايتها؟

وجهت الأسواق المالية حكماً قاسياً على حرب ترمب التجارية الشهر الماضي، وربما أسهمت بذلك في تسريع أفول الهيمنة الاقتصادية الأميركية.

فمنذ ستة أسابيع فقط، أصدرت الأسواق تقييمها بشأن نظام الرسوم الجمركية “المتبادلة” الذي أطلقه دونالد ترمب. فقد انهارت الأسهم والسندات والدولار في وقتٍ واحدٍ إلى مستويات دفعت الرئيس الجمهوري البالغ من العمر 78 عاماً إلى التراجع بعد أيام قليلة فقط. منذ ذلك الحين، استعادت الأسواق بعضاً من خسائرها، بدعم من خطوات تراجع آخر لمكانة أميركا، وهدنة مؤقتة مع الصين منحت بكين تقريباً كل ما كانت تطلبه.

لكن الضرر ربما يكون قد وقع فعلاً. عادةً لا تهوي الأسهم وسندات الخزانة والدولار في آنٍ واحد. وفي أوقات الأزمات، غالباً ما ترتفع سندات الدين الأميركية وقيمة الدولار باعتبارهما ملاذاً آمناً. لكن هذه ليست أوقاتاً طبيعية. فالفوضى التي أحدثتها حرب ترمب التجارية، وسعيه إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وتجاوزه السريع للدستور، كلها عوامل ساهمت في تقويض ما يُعرف بـ”الاستثنائية الأميركية”. يبدو أن الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة تعتمد على هذه الميزة الاقتصادية، القائمة على سمعتها كمرجعية للنمو والسيولة وحكم القانون، وكأنها شارفت على نهايتها.

هل تتراجع ثقة المستثمرين في أميركا؟

الثقة هي ما يدفع المستثمرين في العادة إلى اللجوء إلى “العم سام”. فهم يعلمون أن إيداع أموالهم في أكبر اقتصاد في العالم وأقدم ديمقراطية يُعد رهاناً آمناً. ويساعد في ذلك أن الدولار ظل لفترة طويلة العملة الاحتياطية العالمية بحكم الأمر الواقع، إلى جانب التأثير الأميركي الذي يُمارس في مختلف أنحاء العالم، سواء بقوة ناعمة أو صلبة. تشكل هذه العوامل مجتمعة ما يُعرف بالاستثنائية الأميركية: حالة اقتصادية استفاد منها الأميركيون لعقود، ووفرت نوعاً من الحصانة ضد الصدمات الخارجية.

صحيح أن ترمب سرّع وحده هذا الانحدار من موقع التفوّق، لكنه لم يكن من بدأه. فالعالم عموماً، والصين على وجه الخصوص، يسعيان منذ سنوات إلى تنويع رهاناتهما وتقليص الاعتماد على الولايات المتحدة. فهناك ضيق متزايد من الهيمنة الأميركية، وقلق من الديون الأميركية الضخمة، وتراجع في الثقة بالشعب الأميركي ونظامه الانتخابي.

يُضاف إلى ذلك سوق الأسهم الأميركية التي ارتفعت خلال السنوات الماضية بفضل حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى، فضلاً عن “الضبابية السامة” حيال قرارات ترمب المستقبلية، وهو ما يدفع عدداً متزايداً من المستثمرين العالميين إلى التوجه نحو عملات بديلة، وأسواق ناشئة، بل وحتى إلى الذهب.

لا تزال الولايات المتحدة قوة اقتصادية ضخمة، والدولار ما زال يتغلغل في شرايين الاقتصاد العالمي. لكن العالم بدأ فعلاً بالتخلي عن واشنطن منذ وقت طويل، وعودة ترمب إلى المشهد السياسي لم تفعل سوى تسريع هذا التحول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *