اخر الاخبار

مؤشرات وول ستريت تلتقط أنفاسها بعد موجة انتعاش ضخمة

تشير موجة الانتعاش الملحمية التي شهدتها وول ستريت عقب الانهيار الذي حدث في أبريل إلى علامات تعب، في ظل تكهنات بأن الأسهم اندفعت بوتيرة سريعة للغاية وسط مخاطر ناتجة عن الحرب التجارية، وتباطؤ الاقتصاد، واستمرار الضغوط التضخمية.

بعد قفزة بنسبة 22% من أدنى المستويات المسجلة خلال الجلسات في الشهر الماضي، شهد مؤشر “إس آند بي 500” حالة من التذبذب. وتراجعت معظم المجموعات الكبرى، لكن شركات التكنولوجيا الكبرى واصلت الصعود.

وارتفعت أسهم “بوينغ” بعد فوزها بأكبر صفقة في تاريخها، مع قيام الخطوط الجوية القطرية بطلب شراء طائرات طويلة المدى خلال زيارة لدونالد ترمب إلى الدوحة.

وقلّص الدولار خسائره بعد أن ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن الولايات المتحدة لا تعمل على إدراج تعهدات تتعلق بالسياسة النقدية ضمن اتفاقيات التجارة. وارتفعت عوائد السندات، مع تراجع الرهانات على خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

جاء الانتعاش الحاد في الأصول عالية المخاطر نتيجة التقدم في المحادثات التجارية والمرونة الاقتصادية، بعد شهر خيمت عليه حالة الاستعداد للأسوأ.

هدأت مخاوف المستثمرين بفعل الهدنة الأميركية الصينية، والاتفاق مع المملكة المتحدة، وصفقات بارزة في منطقة الخليج. لكن القلق ما يزال قائماً من أن الأسهم باتت مفرطة التقييم، مما يجعلها عرضة للمفاجآت.

قال مارك هاكيت من “نيشن وايد”: “مع تراجع التوترات التجارية، بدأ المستثمرون في العودة إلى الأساسيات، لكنهم قد لا يحبّون ما يرونه. لقد انتقلت السوق من منطقة مفرطة البيع إلى مفرطة الشراء في وقت قياسي. وهذا يحدّ من إمكانات الارتفاع في المدى القريب ما لم نشهد تسارعاً واضحاً في النمو”.

مستويات تشبع الشراء ومخاوف من تصحيح قريب

بالنسبة لمات مالي من “ميلر تباك”، فإن توقفاً مؤقتاً في هذا الصعود “يُعد طبيعياً وصحياً جداً” بعد أن دخل مؤشر “إس آند بي 500” في منطقة تشبع الشراء على المدى القصير. وقفز مؤشر القوة النسبية لمدة سبعة أيام إلى أعلى مستوياته منذ يوليو. كما اقترب مؤشر الخوف/الطمع الخاص بشبكة “سي إن إن” من مستويات “الطمع الشديد”.

قال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر”: “يعكس تحسّن اتساع السوق وتسارع الزخم الصعودي الخوف من تفويت الفرصة، إذ يجري جذب المستثمرين الذين كانوا على الهامش. قد تبدو الأسهم مفرطة الشراء على المدى القصير، لكننا نرى في أي تراجعات معتدلة تؤكد مستويات الدعم فرصاً للشراء، خاصة في القطاعات ذات القوة النسبية”.

ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.1%. وأضاف مؤشر “ناسداك 100” نسبة 0.6%. بينما خسر مؤشر “داو جونز الصناعي” نسبة 0.2%. وارتفع مؤشر “العظماء السبعة” (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) بنسبة 1.7%.

وصعد عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 7 نقاط أساس إلى 4.53%. وبقي مؤشر الدولار “بلومبرغ” دون تغيير يذكر.

استراتيجية حذرة من “غولدمان ساكس” وترقّب بيانات

يرى محللو “غولدمان ساكس” بقيادة بيتر أوبنهايمر أن الأسهم لا تزال عرضة لمزيد من التراجعات إذا أعادت البيانات الاقتصادية الضعيفة إشعال مخاوف الركود. وكتبوا أن التصحيح الأخير كان سريعاً ويتماشى مع “سوق هابطة مدفوعة بأحداث”.

وكتبوا: “يظل أداء هذه الأسواق الهابطة ثابتاً في أحسن الأحوال لفترة بعد الانخفاض الأولي. وإذا سارت الأمور حسب هذا النمط النموذجي، فإن فرص الصعود في المدى القريب ستكون محدودة”.

لكن ريك غاردنر من “آر جي إيه إنفستمنتس” يرى أن انتعاش السوق يمتلك مقومات الاستمرار. وقال: “كانت المفاوضات التجارية مع الصين تبدو الأصعب على الإطلاق، وحقيقة حدوث هذا القدر من التقدم في وقت قصير يشير إلى أن التوصل إلى حل بات قريباً”.

وأضاف أن الملفت في تعافي السوق منذ القاع المسجل في أبريل هو قيادة قطاع التكنولوجيا، الذي لم يكن في طليعة السوق خلال الأشهر الأولى من 2025، قبل تفاقم التوترات بسبب الرسوم الجمركية.

وقال: “نتوقع أن يواصل قطاع التكنولوجيا قيادة السوق، إذ يستفيد من تراجع التوترات التجارية، ويعود اهتمام المستثمرين من جديد إلى وعود الذكاء الاصطناعي. حتى مع استمرار تباطؤ الاقتصاد، قد تكون السوق قد استوعبت بالفعل هذا السيناريو خلال تراجع أبريل”.

المضاربون يعودون

يقوم اثنان من أكبر مكاتب التداول في وول ستريت بمراهنة جريئة على الأسهم الأميركية مع تراجع التوترات التجارية: الإقبال على أكبر الخاسرين هذا العام من أجل أرباح سريعة قصيرة الأجل.

يرى رؤساء تداول الأسهم في “سيتي غروب” و”جيه بي مورغان تشيس” أن الأسهم الصغيرة، ومعدات التكنولوجيا، وشركات بناء المنازل، وهي قطاعات تراجعت مقارنة بمؤشر “إس آند بي 500” في الموجة الأخيرة من الصعود، تشكل رهانات قوية خلال الأسابيع المقبلة.

وفي هذا السياق، قال ستيوارت كايزر، رئيس قسم استراتيجية تداول الأسهم في الولايات المتحدة لدى “سيتي”، إنه يفضل أيضاً أسهم الشركات ذات الأوضاع المالية الأضعف.

ومع محو المؤشرات العامة للأسهم الأميركية لخسائرها منذ بداية العام، تقول هذه الشركات إن المتداولين والمضاربين الذين فاتتهم الموجة السابقة سيبحثون الآن عن فرص للحاق بها، قبل أن تضرب موجة جديدة من الاضطرابات المتعلقة بالرسوم الجمركية.

قال دانيال سكلي من فريق استراتيجية السوق وإدارة الثروات في “مورغان ستانلي”: “رغم هذا الزخم، لا يزال مدى تأثير الرسوم الجمركية وتراجع الأرباح غير معروف تماماً. قد يرغب المستثمرون في تفضيل الشراء عند التراجعات بدلاً من ملاحقة الارتفاعات، والتركيز على الأسهم الجيدة ذات التوقعات الواقعية للأرباح”.

وأضاف ديفيد ليفكوفيتز من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” أن “وجهة نظرنا المحايدة ليست سلبية. نحن نؤمن بأن السوق الصاعدة لا تزال قائمة، وأن الأسهم ستواصل على الأرجح الارتفاع خلال العام المقبل. لكن الاقتصاد سيضطر إلى التكيف مع الرسوم الجمركية الأعلى، وقد يؤدي ذلك إلى بيانات اقتصادية أضعف، ما يشكّل عائقاً محدوداً للأسهم”.

استبعاد خفض قريب للفائدة

ارتفعت عوائد سندات الخزانة يوم الأربعاء، حيث صعدت عوائد السندات لأجل عامين إلى أعلى مستوياتها منذ مارس. وانضمت “تي دي سيكيوريتيز” إلى عدد من البنوك في وول ستريت في التنبؤ بأن الاحتياطي الفيدرالي سيؤجل خفض الفائدة مقارنةً بما كان متوقعاً. وتوقفت عقود المبادلة عن تسعير تخفيضين بربع نقطة لكل تخفيض بحلول نهاية العام.

وارتفعت أيضاً عوائد السندات طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها خلال عدة أسابيع، مع تركيز المستثمرين على احتمال أن تؤدي التشريعات الضريبية المقترحة في الولايات المتحدة إلى عجز أكبر في الميزانية.

وفي ظل غياب بيانات اقتصادية ذات أهمية، يترقب المتداولون تقارير مجدولة ليوم الخميس، بينما يحللون التصريحات الأخيرة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي.

وقال أوستان غولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، إنه من المهم ألا يتفاعل صانعو السياسات النقدية مع تقلبات الأسواق اليومية أو التصريحات السياسية، مشيراً إلى أن البيانات الاقتصادية ما تزال مستقرة في الوقت الحالي.

أما نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي فيليب جيفرسون، فقال إن الرسوم الجمركية وما يرتبط بها من غموض قد يبطئ النمو ويزيد التضخم هذا العام، لكن السياسة النقدية في وضع جيد بما يسمح لها بالاستجابة إذا لزم الأمر.

وقال كريشنا غوا من “إيفركور”: “كلمة نائب رئيس الفيدرالي جيفرسون تميل إلى الليونة قليلاً، بعد موجة من التصريحات المتشددة من مسؤولي الفيدرالي، وهو ما يشير إلى أن قيادة البنك المركزي تتعامل بحذر مع إعلان زوال المخاطر حتى بعد التهدئة الأميركية الصينية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *