فورة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.. ما حجم الاستثمارات وأبرز الدول

تشهد منطقة الشرق الأوسط تسارعاً غير مسبوق في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع تدفق استثمارات ضخمة نحو مجالات البيانات الضخمة، والتعلم الآلي، والحوسبة السحابية. وبينما تتنافس الحكومات والشركات على بناء بنية تحتية رقمية متطورة، لم يعد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ترفاً أو خياراً إضافياً، بل تحول إلى ضرورة حتمية لضمان البقاء والتنافسية في الاقتصاد العالمي الجديد. في ظل هذه الموجة المتسارعة، يبرز سؤال محوري: من سيقود مستقبل الابتكار في المنطقة، ومن سيتخلف عن الركب؟
ويشير تقرير أصدرته شركة “برايتس وترهاوس كوبرز” (PwC) إلى أن إسهام الذكاء الاصطناعي في اقتصادات الشرق الأوسط سيبلغ 320 مليار دولار بحلول 2030. ما يعني أن على دول المنطقة إدراك الفرصة للاستفادة من الثورة التكنولوجية الجديدة.
ما ضرورة استثمار دول المنطقة في الذكاء الاصطناعي؟
أصبح الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ضرورياً لدول المنطقة لتعزيز منافستها الدولية ودعم جهود التنمية المستدامة وتعزيز الكفاءة، لا سيما في إطار سعي دول -مثل السعودية والإمارات- إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، وجذب الاستثمارات الأجنبية في ظل توفر البنية التحتية المواتية.
من أكبر المستثمرين في الذكاء الاصطناعي في المنطقة؟
السعودية: تعد المملكة صاحبة أكبر استثمارات في التكنولوجيا الناشئة في المنطقة، ومن بينها الإعلان في مارس 2024 عن اعتزامها تأسيس صندوق استثمار بنحو 40 مليار دولار مع “أندريسن هورويتز” (Andreessen Horowitz)، ومشروع جديد لاستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في نوفمبر 2024. كما استقطبت المملكة استثمارات في الذكاء الاصطناعي بنحو 15 مليار دولار خلال مؤتمر “ليب 2025”.
كما تُعد شركة “آلات” السعودية، التي أُطلقت في فبراير 2024، جزءًا من جهود المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030 في مجال الذكاء الاصطناعي. وتتخصص الشركة في تصنيع الإلكترونيات وأشباه الموصلات، وتغطي تسعة قطاعات رئيسية تشمل الأجهزة الذكية، المباني الذكية، الصحة الذكية، الصناعات المتقدمة، والتحول الكهربائي. تهدف “آلات” إلى خلق أكثر من 39 ألف وظيفة، وتوطين التقنيات والتصنيع، مما يسهم في تعزيز البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة.
وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اليوم أيضاً عن إطلاق شركة “هيوماين”، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف تطوير وإدارة حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتسعى الشركة إلى تقديم نماذج لغوية كبيرة باللغة العربية، وتطوير مراكز بيانات حديثة، والبنية التحتية للحوسبة السحابية، مع التركيز على تسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة والرعاية الصحية والصناعة والخدمات المالية. تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية المملكة لتعزيز مكانتها كمركز عالمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من موقعها الجغرافي ومعدلات النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة فئة الشباب المهتمين بالتقنيات الحديثة.
الإمارات: كانت الإمارات أول من عيّن وزيراً للذكاء الاصطناعي في العالم في 2017. كما أطلقت “استراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031″، وتشمل استثماراتها في المجال شركة “جي 42” المدعومة من “مبادلة للاستثمار”، والتي تخطط لضخ عشرات المليارات لتوسيع استثماراتها في الولايات المتحدة. كذلك تخطط “إم جي إكس” (MGX) المملوكة للدولة لاستثمار نحو 7 مليارات دولار في مشروع “ستارغيت” الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترمب.
كذلك خصصت قطر 2.5 مليار دولار لتحقيق برنامج التحول الرقمي، فيما رصد المغرب 1.1 مليار دولار لاستراتيجية “المغرب الرقمي 2030”.
هل تستثمر جميع دول المنطقة بنفس القدر؟
تتباين استثمارات دول المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن دول المنطقة تبذل جهوداً حثيثة للحاق بركب التكنولوجيا الناشئة؛ فعلى سبيل المثال، ، أطلقت مصر “الميثاق الوطني للذكاء الاصطناعي” بالتعاون مع “مايكروسوفت”. فيما أعلنت تونس والجزائر عن استراتيجيات وطنية لمجال الذكاء الاصطناعي.
كيف تستفيد دول المنطقة من الذكاء الاصطناعي؟
بات الذكاء الاصطناعي يُستخدم في مجالات عديدة،فتستعين به “أرامكو السعودية”-على سبيل المثال- في مجال الطاقة في تعزيز كفاءة المصافي وتوقع مواعيد الصيانة وخفض الانبعاثات، وتستفيد به شركة “إم 42” (M42) الإماراتية في قطاع الرعاية الصحية. كما يدخل في قطاعات أخرى مثل الزراعة، والثروة الحيوانية، والتعليم، والقطاع المالي.
هل تواجه دول المنطقة تحديات في هذا المجال؟
بالطبع، وأبرزها انخفاض الاستثمارات مقارنةً بالدول خارج المنطقة، والاعتماد على التقنيات الخارجية، مثل الرقائق، وقلة الكوادر المؤهلة، واحتياجات الطاقة الكبيرة، والحاجة إلى تطوير البنية التحتية الرقمية. كما توجد تحديات متعلقة بالخصوصية.
كذلك تصطدم طموحات المنطقة بقيود أميركية فرضها الرئيس السابق جو بايدن على تصدير الرقائق إلى المنطقة، خشية تسرب التكنولوجيا إلى الصين في ظل السباق التكنولوجي بين الدولتين. لكن إدارة الرئيس دونالد ترمب ألمحت إلى اعتزامها رفع هذه القيود وتعزيز الرقابة على الرقائق في الخارج.
رغم هذه التحديات، نجحت بعض الدول في إصدار نماذج ذكاء اصطناعي، مثل “فالكون” و”جيس” الإماراتيين، و”علاّم” السعودي.