اخر الاخبار

إذا كان الاتفاق بين لندن وواشنطن انتصاراً فماذا تكون الخسارة؟

أعلنت إدارة ترمب عن التوصل لاتفاق تجاري مع المملكة المتحدة، الأمر الذي يُمثل بارقة أمل للمستثمرين والمستهلكين والشركاء التجاريين الذين كانوا يترقبون ظهور أول مؤشر ملموس على تراجع موجة تهديدات الرسوم الجمركية التي أعلنها في أبريل.

لكن ما تم الإعلان عنه يوم الخميس لا يتناسب مع التصريحات المتفائلة والمبالغ فيها التي صدرت من الرئيس أو مسؤولين في البيت الأبيض. رغم الحديث عن اتفاق “استثنائي” و”شامل” -بل إن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر شبّهه بالنصر على النازية- إلا أن ما تم التوصل إليه ليس اتفاقاً للتجارة الحرة بالمعنى الفعلي.

يبدو الأمر أشبه بمجموعة من الاستثناءات مُقارنةً بالوضع الأساسي السابق: ستُخفض الرسوم على السيارات البريطانية إلى 10% بدلاً من 27.5%، وستُلغى الرسوم على الصلب، بينما سيتراجع خطر فرض رسوم مستقبلية على الأدوية.

ويبدو أن الرسوم الجمركية الرئيسية البالغة 10% لا تزال سارية، كما منحت المملكة المتحدة الشركات والمنتجات الأميركية دخول أسواقها بسهولة أكبر أو بشروط ميسّرة مُقارنةً بالسابق، إلى جانب طلبية شراء طائرات من شركة “بوينغ”. قد يكون ذلك كافياً ليعتبر ستارمر أنه حقق انتصاراً سياسياً، لا سيما أنه يبدو متمسكاً بموقفه الصارم حيال معايير السلامة الغذائية وضرائب الخدمات الرقمية.

التأثير الاقتصادي على المملكة المتحدة

لكن التأثير الاقتصادي الإجمالي لهذه الرسوم الجديدة على المملكة المتحدة، التي يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على قطاع الخدمات، يُقدَّر بنحو 0.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتقديرات “بلومبرغ إيكونوميكس”. سيتعين عليك التدقيق كثيراً لترى هذا الاتفاق بمثابة عامل تغيير جذري في التجارة الأميركية أو العالمية. 

في العام الماضي، كان حجم تجارة السلع بين الولايات المتحدة وكل من الصين وألمانيا واليابان أكبر بعدة مرات مقارنة بالتجارة مع المملكة المتحدة، في حين أن الأسهم المدرجة في بورصة المملكة المتحدة تمثل أقل من 5% من مؤشر “إم إس سي آي” العالمي لجميع الدول.

ردود فعل الأسواق على الاتفاق

 لذا جاءت ردود أفعال الأسواق إيجابية لكنها بعيدة عن أجواء الحماس، إذ ارتفعت العقود المستقبلية للنفط الخام إلى مستوياتها المسجلة في وقت سابق من الأسبوع، في حين  ظلت الأسهم الأميركية عند مستويات نهاية مارس. وهذه هي طبيعة النظام التجاري المترابط والمتداخل: طالما لا يوجد وضوح أكبر بشأن ما ينتظر الاتحاد الأوروبي أو الصين، سيكون من الصعب أن يُحدث اتفاق منفرد مع المملكة المتحدة فرقاً جوهرياً.

وبالتالي، فإن القيمة الحقيقية للاتفاق لم تكن في مضمونه الاقتصادي، بل في المسرحية السياسية والإعلامية التي دارت حوله. فقد حرص ترمب ومساعدوه على الترويج لاحتمال عقد المزيد من الاتفاقيات التجارية، إلى جانب التشريعات الضريبية الكبرى التي يُفترض أن تعوّضها الرسوم الجمركية.

وتبدو الأجواء العامة وكأنها تؤكد ما كان يأمله المستثمرون، وهو أن الرسوم المبالغ فيها التي أُعلنت في حديقة الورود بالبيت الأبيض الشهر الماضي لن تعود.

سواء بسبب الاضطرابات الأخيرة في الأسواق، أو لأن مشروعية تلك الرسوم قيد الطعن قانونياً، يبدو أن الرهان على ذلك آمن إلى حد كبير. لكن كل هذا يبدو وكأنه نهاية البداية، وليس بداية النهاية. 

التوقعات المستقبلية والتحديات الأوروبية

لا تزال المملكة المتحدة والولايات المتحدة تتفاوضان على تفاصيل الاتفاق، في حين يحاول الاتحاد الأوروبي موازنة المصالح المتباينة بين أعضائه السبعة والعشرين في ظل تهديد بفرض رسوم انتقامية على سلع أميركية بقيمة 95 مليار يورو (106.6 مليار دولار) إذا لم يقدم ترمب صفقةً مقبولة.

الغموض حول مستقبل الرسوم الجمركية

ولا يزال من غير الواضح من الاتفاق المُعلن مع المملكة المتحدة مدى عزم ترمب على تقليص الحواجز غير الجمركية في أوروبا، وهل سيكون مستعداً للتنازل عن بعض الرسوم الجمركية البالغة 10% أو 20% في حالة حدوث تنازلات من الطرف الآخر.

وعندما شرح الرئيس كيف اتُّخذ هذا القرار، نسب الفضل لنفسه بتهديده بـ”نسف” النظام التجاري. وإذا كان هذا هو شكل النصر، فما شكل الخسارة؟ لا أحد يريد أن يعرف الإجابة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *