اخر الاخبار

المخازن ممتلئة في أميركا.. وماذا بعد؟

فيما يخصّ الرسوم الجمركية، تعاملت الشركات الأميركية مع الرئيس دونالد ترمب بجدية، آخذة تصريحاته حرفياً. فمنذ انتخابه في مطلع نوفمبر على أساس برنامج يهدف إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي عبر فرض رسوم باهظة على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، سجّلت الواردات ارتفاعاً بقيمة 79 مليار دولار. وتشير بيانات وزارة التجارة الأميركية، الصادرة في 6 مايو، إلى أن هذه الزيادة هي الأكبر من حيث النسبة أي خلال فترة خمسة أشهر منذ فبراير 1992.

لكن كلّ المؤشرات اليوم تدلّ على أن طفرة الواردات شارفت على نهايتها، وربما انقضت فعلاً، ما يثير تساؤلات حول الطريقة التي ستتعامل بها الشركات مع مخزوناتها المتضخّمة، وماذا سيحدث حين تنفد هذه المخزونات وتضطر إلى الاستيراد مجدداً؟ لعلّ الجواب يكمن في ظاهرة تُعرف بـ”تأثير السوط”.

اقرأ أيضاً: رسوم ترمب تضرب جيوب المستهلكين الأميركيين وتهدد أرباح الشركات

تراجع الأرباح وتسريح الموظفين

يشير “تأثير السوط” إلى المرحلة التي تأتي بعد أن تفرط الشركات في القيام بطلبيات استباقاً للرسوم الجمركية، لتجد نفسها لاحقاً مثقلة بمخزونات ضخمة. وتواجه عندها خطر الاضطرار لخفض الأسعار، ما يؤدي إلى تآكل هوامش أرباحها، ويقودها إلى تسريح موظفين. وإذا ما استقرّت الرسوم الجمركية عند مستويات مرتفعة، تصبح هذه المخزونات مكسباً مؤقتاً، بحيث تُجنّب الشركات التكاليف الإضافية لفترة وجيزة.

لكن ماذا يحدث عندما تعود الشركات إلى الاستيراد بعد دخول الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ؟ هل تمتصّ كلفة رسوم ترمب، أم تحمّلها للمستهلكين عبر رفع الأسعار؟ في الحالتين، النتيجة السلبية واحدة. فإذا اختارت امتصاص الكلفة، ستتآكل هوامش أرباحها مجدداً، ما قد يقود إلى تسريح موظفين. وإن رفعت الأسعار، قد يُحجم العملاء عن الشراء، فتتراجع المبيعات ما يسبب ضغطاً على هوامش الأرباح ويقود إلى تسريح الموظفين أيضاً.

تناول داريو بيركنز، الخبير الاستراتيجي في الاقتصاد الكلي لدى “تي إس لومبارد” (TS Lombard)، الأثر العقابي للرسوم الجمركية على الشركات والمستهلكين على حد سواء. وكتب “حين تواجه الشركات الأميركية رسوماً جمركية، لن يكون أمامها إلا رفع الأسعار، أو تحمّل الضغط على هوامش الأرباح. وفي الحالتين، ستنخفض الأرباح. وإذا اختارت الشركات الدفاع عن هوامشها، فإن الدخل الحقيقي للمستهلكين سيتراجع، ما يؤدي إلى انخفاض المبيعات”.

اقرأ أيضاً: كيف أثرت رسوم ترمب على الشركات التريليونية؟

تراجع توقعات النموّ

هذا ليس رأي بيركنز وحده، إذ يتوقّع عدد كبير من الاقتصاديين تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي تدريجياً على امتداد العام، من 1.8% في الربع الحالي (على أساس سنوي) إلى 1.2% في الربع الثالث، وصولاً إلى 0.9% في الربع الأخير. وتشير التقديرات أيضاً إلى ارتفاع معدل البطالة من 4.2% حالياً إلى 4.6% مع مطلع عام 2026.
ورغم أن الشركات المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بصدد الإعلان عن نموّ بنسبة 12.3% في الربع الأول مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، فقد خفّضت هذه الشركات توقعاتها للربع الحالي، حيث يُرتقب ألا يتجاوز نمو الأرباح 4%. إلى ذلك، خفض محللو وول ستريت توقعاتهم لنمو الشركات التي يتابعونها، بأسرع وتيرة منذ تفشّي جائحة كوفيد-19، بحسب شركة “بيانكو ريسيرش” (Bianco Research). 

لفت بيركنز من “لومبارد” إلى خطر آخر لا يحظى بالاهتمام الكافي في ملف التجارة، ويتعلّق بالقطاع المصرفي. فرسوم ترمب الجمركية تهدّد بإبطاء حركة التجارة العالمية بشكل حاد، ويذهب بعض المراقبين إلى حدّ القول بوجود حظر فعلي على تدفّق السلع بين الصين والولايات المتحدة، سيبان أثره في البيانات خلال هذا الشهر. والمشكلة أن التجارة العالمية لا يمكن أن تستمر من دون تمويل مصرفي. إذ أفاد آخر تقرير عن الاستقرار المالي صادر عن صندوق النقد الدولي أن البنوك توفّر نحو 10 تريليونات دولار من التمويل اللازم للتجارة العالمية. وإذا تباطأت هذه التجارة، فإن تدفّق التمويل – الذي يُعد الشريان الحيوي لأي اقتصاد – سيتقلّص، ما يقود إلى تشديد الأوضاع المالية. وكتب بيركنز “عدم اليقين، والتوقفات المفاجئة، وتراجع إيرادات الشركات قد تؤدي جميعها إلى تجفيف مصادر الائتمان”.

اقرأ أيضاً: تزايد احتمالات ركود الاقتصاد الأميركي إلى حوالي 50% بسبب الرسوم
 يشير الرئيس ترمب ووزير الخزانة سكوت بيسنت إلى إن البيت الأبيض يقترب من إبرام اتفاقات تجارية مع عدد من الشركاء الرئيسيين. وقال بيسنت خلال جلسة استماع أمام لجنة الاعتمادات في مجلس النواب في 6 مايو “نقيم 18 علاقة تجارية بالغة الأهمية، ونحن نتفاوض حالياً مع 17 من أولئك الشركاء التجاريين، ما عدا الصين”. وأضاف “أتوقع خفضاً ملموساً في الرسوم الجمركية المفروضة علينا، فضلاً عن تراجع في الحواجز غير الجمركية”.

نأمل ذلك، وإلّا فإن ارتداد “السوط” سيكون موجعاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *