العملات الآسيوية تكتسب زخماً بفعل ضعف الدولار

تشهد بعض العملات الآسيوية صعوداً قوياً مدفوعاً بضعف الدولار الأميركي، لتسجل مستويات قياسية نادرة، ويستدعي تدخّلاً مباشراً من البنوك المركزية للحد من المكاسب المفرطة.
باعت “سلطة النقد في هونغ كونغ”، يوم الجمعة، مبلغاً قياسياً من الدولارات المحلية للحؤول دون ارتفاع العملة، ولحماية ربط العملة بالدولار الأميركي الممتد منذ 42 عاماً. كما تدخّل البنك المركزي في تايوان بعد أن شهدت عملته أقوى صعود لها منذ عام 1988. وقفز اليوان الصيني المتداول خارج الصين إلى أقوى مستوياته منذ نوفمبر.
تعكس هذه التقلبات كيف يمكن أن تؤدي عمليات الهروب من العملة الاحتياطية العالمية إلى ارتدادات عميقة في الأسواق المالية، في ظل سياسات الرسوم الجمركية المتقلبة للرئيس دونالد ترمب التي تثير المخاوف من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة. وأصبح المضاربون الأسبوع الماضي أكثر تشاؤماً حيال الدولار من أي وقت منذ سبتمبر، ما يشير إلى تزايد تردد المستثمرين في الاحتفاظ بالأصول الأميركية.
تستفيد عملات آسيوية مثل الين واليوان من مزيج من عمليات إعادة الأموال إلى الوطن، واعتبارها استثمارات بديلة، في ظل موجة بيع الأصول الأميركية.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية لا تزال قائمة، حتى مع ظهور مؤشرات على تليين المواقف بين الطرفين الرئيسيين في الحرب التجارية، حيث قالت بكين إنها تقيّم إمكانية إجراء محادثات مع الولايات المتحدة.
وقال براد بيكتل، رئيس التداول العالمي في العملات الأجنبية لدى “جيفريز” إن “المخرج الطبيعي من هذا التوتر التجاري يكمن في انكماش الدولار”. وأضاف: “لذلك، قد يكون من المنطقي أن نستعد لمزيد من التراجع في الدولار مقابل العملات الآسيوية”.
أسواق الصرف تشهد تقلبات عنيفة
شهدت سوق العملات الأجنبية الآسيوية تقلبات حادة يوم الجمعة، حيث قفز مؤشر “بلومبرغ” لعملات المنطقة بأعلى نسبة منذ عام 2022، في حين أغلق مؤشر العوائد في أسواق العملات الناشئة عند أعلى مستوى على الإطلاق.
وقد تؤدي قوة العملات في الأسواق الناشئة إلى جذب تدفقات أجنبية وجعل الواردات أرخص، لكنها قد تضرّ بالمصدّرين عبر تقليص القدرة التنافسية لسلعهم في الأسواق العالمية.
وتصدرت العملة التايوانية المكاسب في آسيا يوم الجمعة، بارتفاع بلغ 3%، وسط تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سوق الأسهم المحلية، في ظل توقعات باستمرار الطلب الأميركي القوي على أشباه الموصلات المنتجة في الجزيرة.
وتسارعت مكاسب العملة مع قيام المصدّرين المحليين ببيع الدولار بشكل محموم، وسط رهانات على استمرار انخفاضه، بحسب ما أفاد به متداولون طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
دفع هذا الارتفاع السريع البنك المركزي التايواني إلى إصدار بيان قال فيه إنه “تدخل في السوق في الوقت المناسب” لضبط تحركات الأسعار. وفي سوق الخيارات، أصبح المتداولون الأكثر تفاؤلاً تجاه عملة تايوان منذ عام 2008.
تخلي المصدّرين الآسيويين عن الدولار
على غرار نظرائهم في تايوان، لم يعد المصدّرون الصينيون يرون في الدولار أو في سندات الخزانة الأميركية ملاذاً آمناً وسط تصاعد التوترات التجارية. وأظهر استطلاع أجرته “بلومبرغ” أنهم باتوا يفضّلون الاحتفاظ باليوان بدلاً من تكديس الدولارات.
وكتب محللو “غولدمان ساكس”، بقيادة كاماكشيا تريفيدي، في مذكرة: “مع تعرض الدولار لضغوط، وزيادة احتمالات خفض الفائدة في ظل ارتفاع مخاطر الركود في الولايات المتحدة، فإن ميزان المخاطر والعوائد للاحتفاظ بودائع بالدولار أصبح مختلفاً تماماً بالنسبة للمصدرين الآسيويين”. وأضافوا أن عملات مثل اليوان، والدولار التايواني، والرينغيت الماليزي مرشحة لمزيد من الارتفاع.
كما صعدت عملة هونغ كونغ يوم الجمعة إلى أقوى مستوى مسموح به ضمن نطاق تداولها البالغ 7.75 إلى 7.85 مقابل الدولار الأميركي. وأجبر ذلك المصرف المركزي للمدينة على شراء 46.5 مليار دولار هونغ كونغ (6 مليارات دولار أميركي) لإضعاف سعر الصرف، وهو أكبر تدخل مسجّل من نوعه.
في أماكن أخرى من آسيا، قفز كل من الوون الكوري الجنوبي، والرينغيت الماليزي، والبات التايلاندي بنسبة تفوق 1%. وكانت الأسواق الصينية الداخلية مغلقة للعطلات، وستُستأنف التداولات يوم الثلاثاء.
المخاوف من التضخم والركود تحرك الأسواق
كما أن إعادة تخصيص الأموال من الدولار إلى العملات الآسيوية كانت عاملاً دافعاً وراء ارتفاع هذه العملات. فالشهر الماضي، تراجع الدولار بالتوازي مع انخفاض سندات الخزانة طويلة الأجل والأسهم الأميركية، وسط قلق من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب قد تغذي التضخم المحلي، وتضر الاقتصاد، وتمنع الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة.
وتكثفت عمليات شراء العملات الآسيوية يوم الجمعة على خلفية الآمال بأن تشهد العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم تحسناً. ويأتي ذلك بعد أن قالت وزارة التجارة الصينية إنها لاحظت تكرار تعبير مسؤولين أميركيين كبار عن استعدادهم للحوار مع بكين بشأن الرسوم.
التشاؤم حيال الدولار مستمر
رغم صدور بيانات وظائف أميركية أقوى من المتوقع يوم الجمعة، لا تزال “وول ستريت” تتوقع استمرار القلق بشأن الدولار. وقالت مجموعة “غولدمان ساكس” إن تقرير التوظيف “كان انعكاساً لما كان يمكن أن يحدث، وليس مؤشراً على ما سيحدث”.
وكتب استراتيجيون في “مورغان ستانلي” بقيادة ديفيد إس. آدامز في مذكرة: “نتوقع هبوط الدولار مع تصاعد منحنى العائد الأميركي، واستمرار المستثمرين في التحوط للاستثمارات الأميركية”. وتتوقع الشركة ارتفاع اليورو والين.