اخر الاخبار

رغبة ترمب في نفط رخيص تختبر خطط شركات الخام العملاقة

تحظى شركات النفط الكبرى بحليف قوي في البيت الأبيض، غير أن الربع الأول من ولاية دونالد ترمب شكّل اختباراً حقيقياً لخطط الشركات، فيما قد يكون بقية العام أكثر صعوبة.

رغبة الزعيم الأميركي في خفض أسعار الخام والاضطراب الذي تسبب فيه للنظام الاقتصادي العالمي من خلال فرض الرسوم الجمركية، كل ذلك ألقى بظلاله على الأوضاع المالية للصناعة، ما أثار الشكوك بشأن عوائد المساهمين وخطط الحفر.

من بين شركات النفط العالمية الخمس الكبرى التي ستعلن نتائجها الأسبوع المقبل، تأتي “بي بي” (BP Plc) في المقدمة، وهي الأكثر تعرضاً للتقلبات الأخيرة. فحتى قبل اندلاع حرب ترمب التجارية، كانت ديون الشركة البريطانية تتزايد، وكانت قد أخبرت المستثمرين بأنها تتوقع تقليص عمليات إعادة شراء الأسهم الفصلية بما يصل إلى مليار دولار.

ليست الشركة البريطانية المتعثرة حالة فريدة من نوعها. تواجه توزيعات الأرباح لدى “شيفرون” (.Chevron Corp) ضغوطاً، مع توقعات المحللين بأن تخفض الشركة العملاقة برنامج إعادة شراء الأسهم بنسبة 6% بعد تراجع سعر برميل النفط إلى مستويات الستين دولاراً. قد تجد جميع الشركات الكبرى، بما في ذلك “إكسون موبيل” (.Exxon Mobil Corp) و”شل” (Shell Plc) و”توتال إنيرجيز” (TotalEnergies SE)، أنفسها مضطرةً إلى إبطاء الإنفاق على المشروعات الجديدة طالما أن ترمب يواصل إثارة الاضطرابات في الأسواق.

رسوم ترمب وقرارات الاستثمار

قال جايسون غابلمان، المدير العام لأبحاث أسهم الطاقة لدى “تي دي كاوين” (TD Cowen): “بالنسبة لحرب الرسوم التجارية في الوقت الراهن، من المحتمل أن تجعل اتخاذ قرارات الاستثمار أكثر صعوبة بعض الشيء”، مضيفاً: “لن يكون مفاجئاً إذا تم تأجيل بعض قرارات المشاريع”.

كان قلق شركات النفط الكبرى جلياً الأسبوع الماضي في مدينة أوكلاهوما، حين قالت فيكي هولوب، الرئيسة التنفيذية لشركة “أوكسيدنتال بتروليوم” (.Occidental Petroleum Corp)، أمام جمع من مسؤولي الطاقة والتقنية والحكومة، إنه على الرغم من شغف إدارة ترمب بالنفط والغاز، فإنها تفتقر إلى خطة طاقة شاملة.

بدأت الشركات بالفعل بتعديل خططها الاستثمارية لعام 2025 لدعم ميزانياتها العمومية. فمن أجل الحفاظ على برنامج إعادة شراء الأسهم وسط تراجع التدفقات النقدية، قالت شركة “إيني” (Eni SpA) الإيطالية إنها اتخذت خطوات لخفض الإنفاق، في حين أفادت شركة “فار إنرجي” (Var Energi ASA)، ثالث أكبر شركة للنفط والغاز في النرويج، بأنها قد تبطئ من تطوير بعض المشاريع.

يتوقع المحللون أن تعطي الشركات الأخرى الأولوية لبرامج إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح على حساب الإنفاق الرأسمالي.

سخاء شركات النفط يجذب المستثمرين

أصبحت التوزيعات السخية عاملاً حاسماً في جذب المستثمرين إلى شركات النفط الكبرى؛ إذ أدى الارتفاع الحاد في أسعار السلع بعد جائحة “كوفيد-19” وغزو روسيا لأوكرانيا إلى تحقيق أرباح قياسية وعائدات ضخمة، مما أتاح فرصة لاستعادة المستثمرين الذين كانوا قد أداروا ظهورهم عن القطاع. وسجلت أسهم أربع من كبرى شركات النفط الخمس مستويات قياسية بين عامي 2022 و2024.

مع ذلك، واجهت الشركات الكبرى اختباراً واقعياً في نهاية 2024 حين انهارت أسعار النفط، وتراجعت هوامش أرباح إنتاج الوقود والكيماويات. زادت الأمور سوءاً هذا العام عندما تحوّل التفاؤل الأولي حيال شعار ترمب “احفر، احفر، احفر” إلى كآبة، بعدما تسببت حربه التجارية، إلى جانب الزيادات المفاجئة في الإمدادات من منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وحلفائها، في دفع الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات.

من المتوقع أن تسجل الشركات الخمس الكبرى، “إكسون” و”شيفرون” و”شل” و”توتال إنيرجيز” و”بي بي”، أرباحاً مجمعة تبلغ 22.5 مليار دولار في الربع الأول، أي بزيادة 11% عن الأشهر الثلاثة السابقة بفعل ارتفاع طفيف في أسعار النفط، لكنها لا تزال تعادل نحو نصف مستويات عام 2022، بحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”.

توقعات قاتمة لإنفاق شركات النفط

يُتوقع أن تسجل “شل” ربعاً قوياً مقارنةً بمنافسيها، بعد أن أفادت بأن إنتاج النفط سيكون أعلى مما كان مخططاً، بالإضافة إلى أداء جيد في أنشطة تجارة النفط الخام. في المقابل، من المتوقع أن تتجاوز توزيعات أرباح “شيفرون”، وبرنامج إعادة شراء أسهمها تدفقاتها النقدية الحرة بأكثر من 4 مليارات دولار، ما يشير إلى أنها ستحتاج إلى زيادة ديونها أو خفض إنفاقها أو السحب من احتياطياتها النقدية لتمويل هذه التوزيعات.

تقدم توجهات منتجي النفط الصخري الأميركيين مُؤشراً على الاتجاه المستقبلي لشركات النفط الكبرى. فالمشغلون في حوض “بيرميان” الغني بالنفط في الولايات المتحدة، الذي تتمتع فيه كل من “شيفرون” و”إكسون” بمواقع بارزة، يُعرفون بسرعة استجابتهم للمتغيرات في السوق، وبدأوا فعلاً خفض الإنفاق لتعويض تراجع التدفقات النقدية.

قالت شركة “ماتادور ريسورسز” (.Matador Resources Co) إنها ستتخلى عن واحدة من منصات الحفر التابعة لها بسبب تهاوي أسعار النفط، مما سيخفض إنفاقها الرأسمالي السنوي بمقدار 100 مليون دولار. أما شركة “دايموندباك إنرجي” (.Diamondback Energy Inc)، وهي أيضاً لاعب رئيسي في حوض “بيرميان”، فقد بدأت بمراجعة خطط التشغيل الخاصة بها لهذا العام. كذلك، خفّضت وحدة النفط الصخري التابعة لـ”بي بي” ومقرها في دنفر، والتي كانت تُشغّل تسع منصات حفر في الأحواض البرية الأميركية بين يناير ومارس، منصة واحدة من “بيرميان”، بحسب بيانات “إنفيروس” (Enverus).

تحديات سلاسل إمداد النفط

لا تقتصر التحديات على انخفاض أسعار النفط الخام. فقد تصبح سلاسل الإمداد العابرة للقارات لشركات النفط الكبرى عرضة لتداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بطرق غير متوقعة، بحسب فرناندو فالي، المدير العام في “هيدج آي ريسك مانجمنت” (Hedgeye Risk Management, LLC). أوضح أن الأثر على كل شركة سيتوقف على قوة ميزانيتها العمومية، ومخزون أصولها ومواقع أنشطتها الرئيسية.

على سبيل المثال، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة “بي بي” موراي أوشينكلوس، خلال الاجتماع السنوي للمساهمين في لندن في 17 أبريل، أن أعمال الشركة البرية في الولايات المتحدة تعتمد على الصلب والألمنيوم المنتج محلياً، مما يجعلها في مأمن من تأثير الرسوم الجمركية. أما أنشطتها البحرية، فهي تعتمد على استيراد أنواع خاصة من الصلب من الخارج.

قال أوشينكلوس: “فريقنا في واشنطن منشغل للغاية بكل ما يجري من تغيرات”، مضيفاً: “حتى الآن، لم يكن هناك تأثير ملموس على أعمالنا”.

في نهاية المطاف، ستعتمد القرارات على مدة وشدة تراجع أسعار النفط ورسوم ترمب الجمركية، مع العلم أن إجراء تغييرات تشغيلية كبيرة قد يستغرق أكثر من مجرد ربع سنوي واحد.

قالت كيم فوستييه، رئيسة أبحاث النفط والغاز الأوروبية لدى “إتش إس بي سي” (HSBC): “عادةً لا تغيّر شركات النفط الكبرى مسارها بسرعة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *