اخر الاخبار

شركات ناشئة تحول مكونات غير مألوفة إلى زبدة وزيوت

بدت طبقات الزبدة التي زُين بها خبز السوردو خلال فعالية مخصصة لتجربة وتقييم الطعام أُقيمت مؤخراً في نيويورك، ناعمة وكريمية ودهنية، تماماً كما كان متوقعاً.

غير أن مذاق الزبدة في هذه الفعالية لم يكن ناتجاً عن دهون حليب الأبقار، بل عن غاز دفيء شديد الفاعلية.

تعد الأحماض الدهنية، وهي مركبات مكونة من ذرات الهيدروجين والأكسجين والكربون، اللبنات الأساسية لجميع الدهون والزيوت في الطعام.

في الطبيعة، تنتج النباتات والحيوانات هذه المركبات، لكن شركة “سافور” (Savor)، وهي شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا نظمت فعالية التذوق هذه، إذ تقوم باستنساخ هذه الجزيئات باستخدام غاز الميثان الملتقط من عمليات تعدين الفحم أو الحفر للحصول على الغاز الطبيعي.

تضمنت الفعالية أيضاً تقديم شرائح الفطر المطهية بزبدة الميثان وملفوفاً مطهواً بالزبدة، وهو ما وصفه الشريك المؤسس لـ”سافور” إيان ماكاي بأنه “وجبة غريبة جداً”، مضيفاً أن منتجات الشركة ستتوفر في مطاعم ومخابز أميركية خلال الأشهر المقبلة.

شركة ناشئة تعتمد على كل شئ 

تعد “سافور”، المدعومة من الملياردير بيل غيتس، جزءاً من مجموعة متنامية من الشركات الناشئة التي تعتمد على كل شيء، من الفطريات إلى نشارة الخشب، لإنتاج دهون وزيوت أكثر ملاءمة للبيئة.

تواجه الشركات الزراعية التقليدية تدقيقاً متزايداً حيال تأثيرها على الكوكب، مع بدء تطبيق قوانين جديدة مثل حظر الاتحاد الأوروبي للمواد الغذائية المرتبطة بإزالة الغابات.

في الوقت ذاته، باتت بعض أنواع الدهون أكثر ندرة وارتفاعاً في الأسعار مع تدمير المحاصيل المستخدمة لإنتاجها بفعل تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، تضاعف سعر الكاكاو خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023 بعد أن تسببت أنماط الأمطار المتقلبة وارتفاع درجات الحرارة في تدمير مزارع غرب أفريقيا.

تقول الشركات الناشئة المنتجة للدهون البديلة إن منتجاتها قادرة على سد هذه الفجوة مع المساهمة في خفض انبعاثات الكربون.

ليست هذه المحاولة الأولى لشركات التكنولوجيا لحل المشكلات البيئية المرتبطة بالزراعة الصناعية. قبل فترة قصيرة، جذبت شركات إنتاج البروتينات البديلة استثمارات بمليارات الدولارات، غير أن مبيعات “اللحوم النباتية” تواجه حالياً تباطؤاً؛ إذ خسرت شركة “بيوند ميت” (.Beyond Meat Inc)، إحدى أبرز شركات الأغذية النباتية، أكثر من 90% من قيمتها السوقية خلال السنوات الست الماضية.

مع ذلك، ترى برييرا بانيسكو سكوت، الباحثة في “معهد الغذاء الجيد” (Good Food Institute)، وهو مركز أبحاث غير ربحي، أن “الدهون البديلة لديها فرص أكبر للنجاح” مقارنة بالبروتينات البديلة المتعثرة.

واجهت منتجات اللحوم البديلة صعوبات لأن مذاقها وملمسها غالباً ما كانا مخيبين للآمال.

قالت سكوت إنه نظراً لأن الدهون هي العنصر السري الذي يمنح اللحوم ومنتجات الألبان نكهتها وملمسها الفريدين، فإن منتجي البروتينات النباتية مستعدون لدفع مبالغ مقابل بدائل دهنية عالية الجودة.

فعلى سبيل المثال، تعاونت “كارغيل” (Cargill) مع الشركة الناشئة الإسبانية “كوبيك فودز” (Cubiq Foods)، التي تنتج دهوناً بديلة من مزيج الزيت النباتي والماء تعتزم المجموعة إضافتها إلى البرغر النباتي الذي تصنعه.

رائحة الشواء مصدرها التربة

بعد تدريبه كعالم أحياء متخصص في التكنولوجيا الحيوية، شرع جيمس بيتري في محاولة استنساخ الرائحة المشوية للحوم والدجاج عبر شركة “نوريش إنغريديينتس” (Nourish Ingredients) التي شارك في تأسيسها.

قال بيتري: “الجميع يقول إن النكهة في الدهون، لكن أي نوع من الدهون تحديداً؟”، موضحاً أنه بعد تحديد المركب الدهني المناسب في اللحوم، وجد هو وفريقه نظيراً له في نوع من الفطريات وحيدة الخلية التي تعيش في التربة.

يقوم مهندسو الشركة الناشئة، ومقرها كانبيرا في أستراليا، حالياً بزراعة هذه الفطريات داخل مفاعل حيوي ومعالجتها في درجات حرارة وضغط محكمين لتعديل رائحتها ومذاقها. يُنتج عن هذه العملية مسحوق بلون كريمي يُستخدم كمضاف غذائي. كما تنتج “نوريش إنغريديينتس” بديلاً لدهن الحليب من أحد الكائنات الدقيقة الأخرى.

أشار بيتري إلى أن كلفة منتجات شركته مشابهة لكلفة النكهات الصناعية تقريباً، أو حتى أقل، مما يُستخدم حالياً في البرغر النباتي وغيره من البروتينات البديلة.

إلا أنه أوضح أن هذه المنتجات بحاجة إلى موافقات تنظيمية قبل طرحها في الأسواق؛ إذ تسعى الشركة للحصول على موافقات من أستراليا وسنغافورة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وغيرها.

قد يستغرق هذا المسار وقتاً طويلاً؛ نظراً لغياب أطر تنظيمية واضحة بدول العالم للدهون والزيوت البديلة، مما يؤدي إلى تأخير وصول المنتجات إلى المتاجر والمطاعم ويزيد من تكلفتها، بحسب خبراء القطاع.

البحث عن بديل لزيت النخيل

تركز عدة شركات على استبدال زيت النخيل، الذي عادةً ما يتطلب إنتاجه إزالة مساحات شاسعة من الغابات لإقامة مزارع. ففي عام 2024، أزالت إندونيسيا أكثر من 77 ألف فدان من الغابات، أي ما يعادل مساحة نحو 90 حديقة “سنترال بارك” في نيويورك. أشارت دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة “نيتشر” إلى أن استبدال زيت النخيل بزيت صناعي آخر قد يخفض انبعاثات الكربون بما يعادل الانبعاثات السنوية لجنوب أفريقيا.

تقوم شركة “سي 16 بيوساينسز” (C16 BioSciences) التي تتخذ من نيويورك مقراً لها بتحويل الخمائر إلى بديل لزيت النخيل عبر تقنية تخمير مشابهة لتلك المستخدمة في صناعة الجعة. أما شركة “آيو” (Äio) ومقرها تالين في إستونيا، فتستخدم تقنية مماثلة لإنتاج الزيت من نفايات الغابات مثل نشارة الخشب.

قالت نيمايلا بونتوري، الشريكة المؤسسة لشركة “آيو”، إن بديل زيت النخيل المُصنّع من نشارة الخشب يمكن استخدامه كحل مباشر لاستبدال الزيت التقليدي. تخطط الشركة لإدخال هذا الزيت الجديد في منتجات يومية مثل الصابون وكريمات ترطيب البشرة، وطرحه للمستهلكين في أوروبا العام المقبل.

مع ذلك، ونظراً لأن سعر زيت النخيل التقليدي بلغ في المتوسط أقل من دولار واحد للكيلوغرام العام الماضي، قالت سكوت من “معهد الغذاء الجيد” إنه “من الصعب جداً المنافسة” مع الزيت التقليدي.

وجبة من زبدة ثاني أكسيد الكربون

بالإضافة إلى الميثان، تستخدم “سافور” أيضاً ثاني أكسيد الكربون المُلتقط من المصانع لصنع الزبدة الاصطناعية.

وحتى الآن، يتعين على الراغبين في تجربة منتجاتها الحضور إلى فعاليات تذوق مثل التي أُقيمت في نيويورك. سيقوم مطعم “سينغل ثريد” الحاصل على ثلاث نجوم ميشلان في كاليفورنيا بإدراج هذه الزبدة في قائمة طعامه قريباً، بعد أن اختبرها مع عملائه النباتيين، وممن يعانون من حساسية اللاكتوز.

قال كايل كونوتون، الشيف في المطعم، إنه أجرى عدة اختبارات تذوق عشوائية للمنتج الجديد. سواء في قلي الخضروات، أو خبز الكرواسون، أو إعداد صلصة الهولنديز، أظهر منتج “سافور” نتائج مماثلة تقريباً للزبدة التقليدية من حيث النكهة والملمس. أضاف: “في معظم الجوانب، المنتج يحاكي الزبدة حقاً”.

في بعض الأحيان، يجعل الطهي أسهل، إذ بينما تحترق الزبدة التقليدية عند درجات حرارة تتجاوز 175 درجة مئوية (350 درجة فهرنهايت)، قال كونوتون إنه استطاع الطهي بالزبدة الاصطناعية في درجات حرارة أعلى دون القلق من احتراقها.

تنتج “سافور” عدة أطنان مترية من الدهون الاصطناعية سنوياً في مصنعها بولاية إلينوي، بحسب كاثلين ألكسندر، الشريكة المؤسسة للشركة.

أضافت أن الشركة ستطلق جولة تمويل من الفئة “B” هذا العام، وتخطط لزيادة الإنتاج تدريجياً للوصول إلى الطاقة السنوية القصوى للمصنع البالغة 1000 طن متري. على الرغم من أن هذه قفزة كبيرة لـ”سافور”، إلا أنها لا تزال تمثل جزءاً محدوداً للغاية مقارنة بإنتاج الزبدة العالمي الذي تجاوز 11 مليون طن متري العام الماضي.

حتى في حال تنفيذ هذا المخطط، ستكلف منتجات “سافور” الاصطناعية ما بين 10% و50% أكثر من الدهون التقليدية المستخلصة من الحليب، وفقاً لألكسندر. وبينما يستطيع طهاة الأطعمة الفاخرة تحمّل هذا الفارق السعري، قد لا يتمكن المستهلك العادي من ذلك.

مع ذلك، تعتبر هذه المنتجات عالية الجودة خطوة أساسية نحو التوسع، والقدرة على منافسة الزبدة التقليدية مستقبلاً، بحسب ماكاي، الذي كان يتابع توزيع حلوى الشوكولاتة المصنوعة باستخدام زبدة الكاكاو الاصطناعية من “سافور”، قائلاً: “هذه هي آمالنا الكبرى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *