اخر الاخبار

4 أسباب تدفع الفيدرالي للتحلي بالصبر تجاه خفض الفائدة

تتوقع الأسواق حالياً أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل في اجتماع السياسة النقدية المقرر في منتصف يونيو، كما تُظهر سوق العقود الآجلة أنه بحلول نهاية العام سيكون البنك المركزي قد خفّض مستهدفه لسعر الفائدة الفيدرالي بمقدار 75 نقطة أساس إلى 100 نقطة أساس.

لكن الأسبوع الماضي، دحض رئيس الفيدرالي، جيروم باول، هذه التوقعات، مشيراً إلى أن سياسات الرسوم الجمركية التي اتبعتها إدارة ترمب ستضغط على الأسعار للارتفاع، وتؤثر سلباً على النمو، ما قد يجبر الفيدرالي على أن يحيد عن أهدافه المتعلقة بالتوظيف الكامل واستقرار التضخم، وقال: “أعتقد بشدة أننا سنحيد عن هذه الأهداف، ربما لبقية العام الجاري”.

سيتحلى الفيدرالي بالصبر لعدة أسباب، أولها عدم الوضوح الاستثنائي في التوقعات الاقتصادية، فلا توجد سابقة للزيادة السريعة في الرسوم الجمركية الأميركية التي تبين أنها أكبر بكثير مما كان يتوقعه مسؤولو الفيدرالي. عموماً، يصعب تحديد كيفية الاستجابة للتغير غير المسبوق في السياسات التجارية، ويزداد الأمر صعوبة عندما تكون تلك السياسات في حالة تغير مستمر. 

علاوة على ذلك، قد يؤدي فرض الرسوم الجمركية الأعلى إلى تعزيز النمو الاقتصادي مؤقتاً، إذ قد تشتري الأسر والشركات احتياجاتها سلفاً تحسباً لارتفاع الأسعار لاحقاً، وأكبر مثال على ذلك هو الزيادة بنسبة 5.3% في مبيعات السيارات وقطع الغيار في مارس والتي كانت الزيادة الأكبر منذ عامين.

ضرر دائم للإنتاجية بسبب الرسوم

السبب الثاني هو تراجع إمكانات نمو الاقتصاد الأميركي بشكل مفاجئ وحاد، إذ سيقوض تغير السياسات التجارية نمو الإنتاجية. وعلى المدى القصير، ستتأثر الإنتاجية بارتفاع أسعار الواردات، ما سيدفع الشركات الأميركية لتعديل سلاسل الإمداد الخاصة بها بحثاً عن بدائل أقل تكلفة. أما على المدى الطويل، ستتأثر الإنتاجية نظراً لأن الرسوم الجمركية ستوجه النشاط نحو مزيد من الإنتاج في الأسواق المحمية حيث الولايات المتحدة أقل قدرة على المنافسة، كما ستوجه الصادرات بعيداً عن الدول التي فرضت رسوماً جمركية انتقامية مثل الصين.

سيختنق النشاط الاقتصادي بفعل التراجع الكبير في نمو القوى العاملة. يشير الانخفاض الحاد في عمليات القبض على المهاجرين على الحدود إلى توقف شبه كامل للهجرة إلى الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته، ستحد معدلات الترحيلات الأعلى بكثير من معروض العمالة، وبدورها ستضر الترحيلات بنمو الإنتاجية عبر التسبب في نقصٍ بالعمالة في مجالات مثل البناء والزراعة، حيث يلعب المهاجرون دوراً كبيراً.

قدرة محدودة للسياسة النقدية على المساعدة

انخفاض إمكانات النمو في الولايات المتحدة ليس بالأمر اليسير لأنه يعني أن تباطؤ النمو قد لا يؤدي إلى ضعف كافٍ في سوق العمل لتقديم دعم أكبر من السياسة النقدية. ورغم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من المتوقع أن يتباطأ بشكل حاد الربع الجاري، فلم يتغير معدل البطالة الحالي البالغ 4.2% كثيراً عن مستواه الصيف الماضي.

ثالثاً، مع توقع تجاوز التضخم لمستهدف الاحتياطي الفيدرالي عند 2% للعام الخامس على التوالي، يحتاج صانعو السياسة إلى الحذر لتجنب ارتكاب خطأ قد يتسبب في خروج توقعات التضخم عن السيطرة.

إذا حدث ذلك، فإن تكلفة خفض التضخم سترتفع بحدة كما كان الحال خلال سبعينيات القرن الماضي، لكن حتى الآن، معطيات توقعات التضخم مواتية في الغالب.

رغم القفزة في التوقعات قصيرة الأجل للتضخم، وإظهار مسح “جامعة ميشيغان” الشهري لثقة المستهلكين زيادة كبيرة في التوقعات طويلة الأجل، فإن هذه التوقعات لم يدعمها مسح بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ولا معدل التضخم المتضمن في سندات الخزانة المحمية من التضخم. لكن التضخم حساس جداً لإجراءات الفيدرالي نفسه، ما يحد من نطاق استجابة الفيدرالي للضعف الاقتصادي.

ثقة مهددة في استقلالية الفيدرالي 

أما السبب الرابع، فهو أن الحاجة إلى الصبر أصبحت أكبر نظراً إلى هجمات الرئيس دونالد ترمب على استقلالية الفيدرالي، فإذا خفض مسؤولو الفيدرالي أسعار الفائدة وتم تفسير الخطوة بأنها استسلام لضغوط البيت الأبيض، ستتراجع الثقة في قدرة الفيدرالي على احتواء التضخم، ما قد يرفع توقعات التضخم.

ولذلك، ضغط ترمب على الفيدرالي غير مثمر لأنه لا يعزز دوافع الفيدرالي للانتظار فحسب، بل يجعل الأسر والشركات أكثر قلقاً بشأن عواقب التضخم إذا انهارت استقلالية الفيدرالي.

إن تعرض أي بنك مركزي للهجوم يخلق غموضاً أكبر حول دوافعه، فإذا خفض الفيدرالي الفائدة في وقت لاحق من العام الجاري، قد يتساءل المشاركون في السوق ما إذا كانت الخطوة مبررة بالتغير في التوقعات الاقتصادية أم أنها جاءت استجابة لضغوط من الإدارة.

إذاً، ماذا سيفعل الفيدرالي العام الجاري، وإلى أي مدى ستتماشى تحركاته مع توقعات السوق؟

يُتوقع أن يكون الفيدرالي أبطأ في التحرك عما كان متصوراً. سيجعل مستوى عدم اليقين المرتفع من الصعب تقييم ما إذا كان على الفيدرالي أن يركز بشكل أكبر على كبح التضخم أم دعم التوظيف.

توقعات مشوشة والفيدرالي مكتوف الأيدي

سيستغرق تبدد هذا الغموض وقتاً، خصوصاً في ظل غياب الحسم حول سياسة الرسوم الجمركية، وقد تتسبب التوقعات المشوشة في تجنب مسؤولي الفيدرالي اتخاذ أي خطوات لأشهر عديدة.

ومع ذلك، إذا تدهور جانب التوظيف من مهمة الفيدرالي تدهوراً حاداً، فمن المحتمل أن يتحرك بقوة، ما يعني أن خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لن يكون كافياً. هنا، معدل البطالة هو المقياس الرئيسي وليس نمو عدد المدرجين في كشوف الأجور. إذا ارتفع معدل البطالة فوق 4.5%، سينطبق حد الزيادة بمقدار نصف نقطة مئوية وفقاً لـ”قاعدة سهم”، ما يشير إلى ركود محتمل.

رغم أن المشككين في القاعدة سيشيرون إلى أن هذا الحد قد تم تجاوزه العام الماضي ولم يحدث ركود، فإن الظروف الآن تختلف اختلافاً كبيراً.

أرسلت القاعدة إشارة خاطئة العام الماضي لأن ارتفاع البطالة كان ناتجاً عن نمو سريع في القوى العاملة، وليس عن تباطؤ في معدل التوظيف، أما العام الحالي، فستكون إشارة ارتفاع معدل البطالة أكثر موثوقية، لأنه في ظل النمو الذي لا يذكر في القوى العاملة، سيكون الارتفاع ناتجاً عن انخفاض التوظيف وزيادة التسريح.

وعند ترجمة عدم اليقين في التوقعات إلى سياسة نقدية؛ فسينتج إما عدم اتخاذ أي إجراء أو تيسير كبير في وقت لاحق من العام، ويبدو هذان الاحتمالان مرجحان أكثر بكثير من سلسلة تخفيضات معتدلة للفائدة بدءاً من يونيو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *