اخر الاخبار

ماسك ضد نافارو.. هل أطلقت الرسوم صراع أجنحة في البيت الأبيض؟

في خضم التصعيد الأخير بشأن الرسوم الجمركية الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي، خرجت مواجهة بين إثنين من أقوى الشخصيات في إدارته إلى العلن: إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والمكلف بـ”إدارة الكفاءة الحكومية”، وكبير مستشاري التجارة بيتر نافارو.

ما بدأ كخلاف اقتصادي بشأن الرسوم الجمركية، انقلب إلى صراع علني داخل البيت الأبيض كشف انقساماً عميقاً حول نهج الحرب التجارية بين جناحين: أحدهما براغماتي يقوده ماسك ووزير الخزانة، وآخر متشدد يرعاه بيتر نافارو.

الجدل بين الطرفين أعاد إلى الأذهان أجواء الولاية الأولى لترمب، حيث شهدت إدارته صراعات مشابهة بين أجنحة متنافرة أدت إلى تغييرات واسعة في فريقه. وهو ما يطرح تساؤلات حول مآلات هذا الصراع الجديد، وما إذا كان سيتطور إلى حد الإطاحة بأحد الطرفين، أو إعادة رسم مسار السياسة التجارية الأميركية.

بداية ظهور الشقاق بين ماسك ونافارو

بدأت مظاهر هذا الشقاق بالظهور فور الإعلان عن الرسوم على السيارات، إذ انتقد أغنى رجل في العالم إيلون ماسك هذه الرسوم التي ستطال شركته “تسلا”، داعياً للتوصل إلى اتفاقات تجارية تلغي الرسوم الجمركية. كما حاول اقتراح إنشاء منطقة تجارة حرة بين أميركا وأوروبا، والتوسط بين الصين والولايات المتحدة، من دون نجاح.

ماسك، الداعم الأبرز لترمب، لم يكتف بهذه المبادرات، بل شن هجوماً عنيفاً على المستشار التجاري لترمب بيتر نافارو. انتقد ماسك أفكار نافارو بشأن الرسوم ووصفه بأنه “أحمق”، وأضاف أن “شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد أمر سيء، وليس جيداً”، في إشارة لنافارو. 

رد عليه نافارو بنفس العنف، إذ وصف ماسك بأنه “مجمّع سيارات لا يستطيع الاستغناء عن قطع الغيار من الخارج”، ليرد ماسك قائلاً: “نافارو أغبى من كيس من الطوب”.

مباشرة بعد هذه المعركة الكلامية، خرج الرئيس الأميركي بإعلان تجميد الرسوم الجمركية المتبادلة التي تفوق الحد الأدنى 10% على غالبية الدول باستثناء الصين، وهو ما وصفه بعض المتابعين للشأن الأميركي بأنه “فوز لجناح ماسك”.

نافارو سُئل خلال مقابلة مع “سي ان بي سي” الأميركية عن العلاقة مع ماسك، مؤكداً أنه “على علاقة ممتازة” بأغنى رجل بالعالم. وعندما سئل في المقابلة التي جرت الأحد، عما إذا تأثرت هذه العلاقة بتصريحات ماسك، فرد مبتسماً: “لقد أطلقوا عليّ ألقاب أسوأ من ذلك بكثير”.

ولكن نافارو لم يجب بوضوح عندما سئل ما إذا كان تعليق الرسوم بمثابة فوز للجناح الذي يمثله ماسك، معتبراً: “الآن ليس أمام الولايات المتحدة أي وسيلة أخرى باستثناء الرسوم الجمركية”.

العودة إلى “يوم التحرير”

قبل إعلان الرسوم، لم تكن الحكومة الأميركية على انسجام تام بشأن كيفية تطبيقها، حتى أن طريقة احتسابها أثارت جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين والخبراء. 

أشارت “بلومبرغ” في تقرير نقلاً عن أشخاص مطلعين على المناقشات الداخلية، إلى أن نافارو المعروف بتشدده في الملف التجاري، كان يضغط لتطبيق رسوم شاملة بنسبة 25% على جميع الواردات، أو فرض الرسوم “المتبادلة” المبنية على اختلال الميزان التجاري. 

وبحسب التقرير، فإن الرسوم التي خرج ترمب للإعلان عنها، اقتربت كثيراً من موقف نافارو، بعد أسابيع من الجدل داخل فريق ترمب.

وحتى عشية الثاني من أبريل، كانت النقاشات الداخلية لا تزال جارية بين الفريقين، إذ فضّل الفريق المعتدل رسم 10% مع استثناءات محتملة، في حين ضغط الفريق الآخر نحو إجراءات أكثر صرامة.

كان وزير الخزانة سكوت بيسينت من الأصوات الحذرة، مشدداً على استخدام الرسوم كأداة تفاوضية. أما نافارو، فقد اعتبرها وسيلة لتحويل العلاقات التجارية الأميركية. وشارك وزير التجارة هوارد لوتنيك في الموقف المتشدد أيضاً، وفق “بلومبرغ”.

وزير الخزانة يتبنى نهجاً قريباً من أفكار ماسك، إذ يريد تحويل الرسوم إلى أداة تفاوض لخفض بعض معدلاتها المرتفعة إلى الحد الأدنى البالغ 10%. وقال بيسينت في مقابلة مع “فوكس بيزنس”: “آمل أن تؤدي المفاوضات الجيدة إلى خفض هذه المستويات فحسب”.

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ أشارت الصحفية في “أم إس أن بي سي” ستيفاني روهل نقلاً عن مصادرها، بأن وزير الخزانة “معزول تقريباً” داخل الإدارة الأميركية، و”ترمب لا يستمع لآرائه”، كما أنه يبحث عن مخرج من هذه الإدارة، “بهدف الوصول إلى رئاسة الاحتياطي الفيدرالي” عند انتهاء ولاية جيروم باول في 2028.

لم يتم تأكيد معلومات روهل، كما أن وزارة الخزانة لم ترد على طلبات “الشرق” للتعليق.

هل يتكرر سيناريو الولاية الأولى؟ 

تذكّر هذه التطورات بالولاية الأولى لترمب، إذ شهدت خروج الكثير من كبار الشخصيات من إدارته بسبب معارضتهم للسياسات التي ينفذها الرئيس الأميركي أو اصطدامهم معه، ما يطرح تساؤلاً بشأن إمكانية تكرار هذه الاستقالات خلال الولاية الثانية. 

بيتر تانس رئيس شركة “لينكس للاستشارات الاقتصادية” يرى أن نافارو لم يبق له الكثير من الوقت مع هذه الإدارة. 

وأضاف في تصريح لـ”الشرق”، أنه إذا كان هناك معركة بين إيلون ونافارو، “فسأراهن على فوز ماسك”، موضحاً أن “نظريات نافارو الغريبة حول الرسوم تتحدى معظم النظريات الاقتصادية”، كما تسببت نصيحته للرئيس بشأن الرسوم في انخفاض حاد في سوق الأسهم، وردود فعل سلبية على نطاق واسع، بما في ذلك أقرب حلفاء الرئيس الجمهوريين. 

نافارو “يتحمل بعض اللوم في الكارثة الاقتصادية” التي نجمت عن تعامل الإدارة الأميركية مع الرسوم، بحسب تانس، مشيراً إلى أن ماسك قد يتراجع عن المشاركة الفاعلة مع ترمب، ولكنه “لن يطرد”، مستبعداً رحيل وزير الخزانة الأميركي قريباً، رغم أنه “غير مرتاح تماماً في دائرة الضوء”، وفق قوله. 

لم يكن غاري هوفباور الزميل غير المقيم في “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي” بعيداً عن هذا الرأي، ولكنه اعتبر أن جناح “ماسك/بيسينت” هو المسيطر حالياً، معتبراً أن الاختبار الحقيقي سيكون بعد نهاية فترة 90 يوماً التي أعلنها ترمب. 

وتوقع في تصريح لـ”الشرق”، أن يتم تمديد هذا التعليق لفترة إضافية، مع مواصلة استثناء الصين من تعليق الرسوم، مضيفاً أن حدوث هذا السيناريو يعني أن “انتصار نافارو الكبير” سيكون فرض رسوم جمركية على الصين بنسبة 145%، وهو ما سيسرع “فك الارتباط التجاري مع الولايات المتحدة والصين، والذي سيكون مكلفاً على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي، ولكنه يبقى انتصاراً شخصياً لنافارو”.

رجح هوفباور أن ينأى ترمب بنفسه عن نافارو للحفاظ على دعم الشركات وعلى علاقته مع نخبة رجال الأعمال، وخصوصاً وسط تزايد استياء إيلون ماسك العلني، والأضرار المالية والشخصية التي لحقت به.

ولكنه في الوقت ذاته، استبعد رحيل ماسك، خصوصاً لأن انفصاله عن الإدارة سيكون “ضربة موجعة لترمب”، ويرسل رسالة سلبية لمجتمع الأعمال ككل، في وقت يحتاج ترمب لدعمهم للحفاظ على الأغلبية الطفيفة التي يملكها الحزب الجمهوري في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.

وبشأن وزير الخزانة، اعتبر هوفباور أنه باقٍ في الإدارة، خصوصاً أن طريقه إلى رئاسة الفيدرالي لن يكون ممهداً “ما لم يستمر بإظهار الدعم لترمب”.

ماركو مسعد الباحث في العلاقات الدولية في “هيئة الشرق الأوسط للسياسات” في واشنطن كان له رأي آخر. إذ اعتبر في تصريح لـ”الشرق”، أن ترمب لن يلجأ إلى طرد أي أحد من الإدارة الجديدة حالياً لكي “لا يظهر ضعيفاً أمام الديمقراطيين”، ولكي لا يكرر ما حدث في ولايته الأولى. 

وذكّر مسعد بالفضيحة التي طالت مستشار الأمن القومي مايكل والتز بشأن إدخال صحفي إلى مجموعة رسمية على “تيلغرام” تناقش مخططات حربية، مشيراً إلى أنها رغم ضخامتها، فلم يلجأ ترمب إلى إقالته، موضحاً أن المعيار الأساسي لترمب في هذه الولاية يتمثل في “الولاء”. 

“الأولاد سيظلون أولاداً”

في المحصلة، يبدو أن البيت الأبيض لجأ إلى احتواء تداعيات الانتقادات العلنية بين الجناحين على الأقل في الوقت الحالي، أو هذا ما يمكن استخلاصه من تصريحات كارولين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض. 

وعندما سئلت عن الانتقادات المتبادلة، قالت ليفيت إنه “من الواضح أن هذين الشخصين لديهما وجهات نظر مختلفة للغاية بشأن التجارة والتعريفات الجمركية”.

وقالت: “الأولاد سيظلون أولاداً”، وهي جملة تهكمية تستخدم عندما يقوم شخص ناضج بأفعال طفولية. وأضافت: “سنسمح لمناوشاتهم العلنية بأن تستمر”، واعتبرتها دليلاً على أن الإدارة الحالية “الأكثر شفافية في التاريخ”، كما تشير إلى استعداد ترمب لسماع جميع الأطراف، “لكي يتخذ القرار الأفضل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *