هل بالغت الأسواق في رد الفعل تجاه تعرفة ترمب؟

بقلم: الخبراء الاقتصاديون رنا ساجدي، ومايفا كوزان، وتوم أورليك، في “بلومبرغ إيكونوميكس”
ربما لم يعد من المفترض أن نشعر بالمفاجأة، ومع ذلك، ها نحن نشعر بها. بعد ساعات فقط من دخول الرسوم الجمركية المتبادلة حيّز التنفيذ الكامل، أعلن الرئيس دونالد ترمب عن تحول كبير آخر: الرسوم الجمركية على الصين ستُرفع، بينما سيتم خفضها على معظم الدول الأخرى. وقد استقبلت الأسواق هذا الإعلان بارتياح كبير، ما تسبب في ارتفاعات قوية.
ورغم شُح التفاصيل، تشير حساباتنا إلى أن الأسواق قد تكون تفاعلت مع “الإشارة” أكثر من “المضمون”. وإذا فهمنا الأمور على نحو صحيح، فإن الإعلان الأخير يُغيّر كثيراً في التوزيع بين الدول، لكنه يُقلّص متوسط معدل التعرفة الأميركية بشكل طفيف فقط، ليبقى عند مستويات تاريخية مرتفعة.
لقد أعلن البيت الأبيض عن فترة سماح مدتها 90 يوماً لمعظم الشركاء، ورفع التعرفة على الواردات الصينية إلى 125%، سارية فوراً. ولم يتم تحديد الدول التي ستستفيد من هذه المهلة.
إن رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 125%، وخفض الرسوم على جميع الدول الأخرى إلى 10%، من شأنه أن يُخفّض متوسط معدل التعرفة الأميركية إلى 24%، مقارنة بـ27% قبل منشور ترمب على “تروث سوشيال” في 9 أبريل.
هذا يعني أن التأثير العام على الاقتصاد الأميركي لا يُتوقع أن يختلف كثيراً عن الإعلانات السابقة، مع ارتفاع متوسط معدل التعرفة بنحو 22 نقطة مئوية منذ بداية ولاية ترمب الثانية في يناير.
ووفقاً لتقديرات استخدمها الاحتياطي الفيدرالي في عام 2018، فإن ذلك قد يُخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 3%، ويُضيف قرابة 2% إلى تضخم نفقات الاستهلاك الأساسية، وهي صدمة ستنعكس على مدى عامين إلى ثلاثة أعوام. ويُعد هامش الخطأ في هذه التقديرات كبيراً. لكن من المنطقي أن تؤدي صدمة جمركية تاريخية إلى دفع التضخم والركود في آن معاً.
تأثيرات عالمية متغيّرة
خفض ترمب الرسوم الجمركية المتبادلة على جميع الدول إلى 10%، وأضاف 21 نقطة مئوية إلى الرسوم المفروضة على الصين. لا تزال كندا والمكسيك مستثناة من الرسوم.
تواجه الصين ضربة أكبر. لكن تحليلاتنا السابقة أشارت إلى أن الرسوم الإضافية التي فرضها ترمب على الصين منذ عودته إلى الرئاسة، قد تؤدي إلى تراجع واردات الولايات المتحدة من الصين بنسبة 90% على المدى المتوسط. لا يمكن “قتل الشيء ذاته مرتين”، لذا فإن أي تأثير إضافي جراء رفع المعدلات سيكون هامشياً.
أكبر المستفيدين من هذا التغيير قد تكون اقتصادات آسيوية أخرى؛ مع تقليص التأثير السلبي على فيتنام، وتايوان، وكوريا الجنوبية، واليابان، والهند. وقد يخفف الإعلان أيضاً بعض المخاطر السلبية التي تواجه أوروبا؛ رغم أن تصريحات ترمب الأخيرة بشأن إمكانية فرض رسوم على الأدوية تشير إلى تحديات قادمة بالنسبة لأوروبا.
منشور ترمب على “تروث سوشيال” والبيان الذي تلاه من وزير الخزانة سكوت بيسنت، تركا العديد من التفاصيل الأساسية غير محسومة. منها:
- قال بيسنت إن المكسيك وكندا ستخضعان الآن لتعرفة بنسبة 10%. ونحن نفترض أن البلدين لن تشملهما هذه التعرفة.
- نفترض أن الاتحاد الأوروبي سيخضع لتعرفة بنسبة 10%. لكن من الممكن أن تبقى عند 20%.
- نفترض أن التعرفة المتبادلة على الواردات الصينية ستُرفع بمقدار 21 نقطة مئوية، لتصل إلى 125%. لكن من الممكن أن تكشف التفاصيل لاحقاً أن المعدل الفعلي أعلى أو أدنى قليلاً.
- إذا بقيت الرسوم على الاتحاد الأوروبي عند 20%، وخضعت كندا والمكسيك لتعرفة 10%، فسيظل متوسط معدل التعرفة الأميركية عند نحو 27%.
ومن البديهي القول إن التقلّبات الكبيرة في معدلات الرسوم الجمركية بين الدول لن تُسهم في تقليص مستويات عدم اليقين المرتفعة تاريخياً في السياسات التجارية.
يبدو أن ترمب يعتبر أن الغموض يُفيد في التفاوض. أما بالنسبة للشركات والأسواق، فهو عبء ثقيل.