كيف تعدّ محفظتك الاستثمارية لتقلبات 2025؟

يبدو هذا العام حافلاً بالأحداث، فقد برزت شكوك حيال سردية الذكاء الاصطناعي، وهي المحرك الرئيسي لسوق الأسهم الأميركية، فيما لم يتضح بعد تأثير الولاية الثانية لدونالد ترمب على الأوضاع المالية للأميركيين، وإذا ما كان التضخم سيعاود الارتفاع فيضغط على الأسهم والسندات وقدرة الناس المالية عموماً.
في ظلّ هذه الأجواء الضبابية، استطلعنا آراء خبراء استثماريين حول أبرز التحديات التي يواجهها المستثمرون في عام ينطوي على مخاطر كبيرة، لكنه قد يحمل أيضاً فرصاً مجزية لمن يعتمدون الاستراتيجيات المناسبة.
ما مدى احتمال حصول انخفاض كبير في مؤشر “ستاندرد اندر بورز 500” هذا العام، وكيف يمكن الاستعداد لذلك؟
سجّل مؤشر “ستاندرد اندر بورز 500 “مكاسب تتجاوز 20% لعامين متتاليين، وهو سيناريو لم يتكرر سوى 10 مرات منذ عام 1871، بحسب مايكل سيمباليست، رئيس استراتيجية السوق والاستثمار في “جيه بي مورغان لإدارة الأصول”. وبينما يتوقع سيمباليست أن ينهي السوق السنة على ارتفاع، فإنه لا يستبعد حصول تراجع مؤقت يصل إلى 15% بين اليوم ونهاية السنة، وهو أمر شائع إلى حدّ ما. فقد شهد المؤشر انخفاضاً بنسبة 10% أو أكثر في ستين عاماً من العقود العشرة الأخيرة.
في ظل التقلبات المحتملة في السوق، من الأجدى أن تسأل: متى ستحتاج إلى أموالك؟ فكل تراجع في السوق يعقبه صعود جديد، لذا إذا أمكنك أن تنتظر بضع سنوات قبل أن تبيع أصولك، فعلى الأرجح ستبلي بلاءً حسناً.
كما يُنصح بإعادة النظر في تنويع محفظتك الاستثمارية. قد لا يكفي الاعتماد حصراً على مؤشر “ستاندرد اندر بورز 500″، خاصةً أن أكبر 10 أسهم على المؤشر، وغالبيتها من قطاع التقنية، تُشكل نحو خمسَيْ قيمته السوقية، مقارنةً مع ما يربو على 25% فقط في عام 2000.
اقترح بن إنكر، الرئيس المشارك لتخصيص الأصول في شركة “جي إم أو” (GMO)، تنويع المحفظة الاستثمارية عبر الاستثمار في صندوق متداول يتبع نسخة متساوية الأوزان من المؤشر، وفيه تمثل كل شركة نحو 0.2% من القيمة الإجمالية، وقال: “على المدى الطويل، يُعد هذا نهجاً جيداً لتجنب الانجراف وراء الاتجاهات الرائجة المؤقتة”.
اقرأ أيضاً: هذه توقعات أداء “S&P 500” العام المقبل بعدما فاجأ الجميع في 2024
هل لا تزال المحفظة التقليدية (60-40) استراتيجية فعالة؟
لطالما نصح المستشارون الماليون بأن يخصص المستثمرون 60% من محافظهم للأسهم و40% للسندات. على مرّ عقود أثبتت هذه التركيبة قدرتها على تحقيق عوائد جيدة وتقليل المخاطر مقارنة بالاعتماد الكلي على الأسهم. لكن المنطق الذي يقوم عليه هذا التوزيع—وهو أن قيمة السندات ترتفع عندما تنخفض قيمة الأسهم، والعكس صحيح—سقطت سقوطاً مدوياً في 2022. مع ارتفاع معدلات التضخم، رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل حاد، ما أدى إلى انخفاض الأسهم والسندات في الوقت نفسه. ثم في الفترة الأخيرة، بدأت الأسهم والسندات تتحرك باتساق تقريباً.
يتزايد توجه المديرين الاستثماريين نحو تخصيص جزء من تركيبة 60-40 للأصول البديلة، أي الأوراق المالية الخاصة التي لا تتحرك بالضرورة مع نظيراتها في الأسواق العامة. ورغم أن هذه الإضافة ربما تحمل مخاطر جديدة، إلا أنها قد تعزز العوائد طويلة الأجل.
تشير سينيد كولتون غرانت، مسؤولة الشؤون الاستثمارية في “بي إن واي ويلث” (BNY Wealth) إلى أن الشركات باتت تبقى خاصة لفترة أطول قبل إدراجها في البورصة، ما يفوت على المستثمرين في الأسواق العامة العوائد الأعلى التي تحققها الشركات في مراحلها المبكرة. أضافت: “إن لم تكن لديك استثمارات في الملكية الخاصة أو رأس المال الاستثماري، فستفوتك فرص”.
حسب تقديراتها، يجب أن تكون ربع استثماراتك في ملكية خاصة من أجل مضاهاة الأداء الذي كانت تحققه محفظة 60-40 في أواخر التسعينيات.
مع ذلك، لا يتفق الجميع على جدوى هذه الفكرة. إذ يرى جيسون كيب هارت، مدير تصنيفات الأصول المتعددة في “مورنينغ ستار” (Morningstar) أن إضافة الاستثمارات الخاصة إلى تركيبة 60- 40 يزيد التعقيدات والتكاليف، ويشكل علامة استفهام حول كيفية تقييم الملكية الخاصة”.
أشار إلى أن ميزة تركيبة 60-40 تكمن في بساطتها، ما “يسهل على المستثمرين فهمها والتمسك بمحافظهم على المدى الطويل”.
هل السندات الحكومية خيار منطقي إن كنت أسعى لتجنب المخاطر؟ وهل سنشهد عودة حراس السندات؟
يشير مصطلح “حراس السندات” إلى كبار المستثمرين الذين يطالبون بعوائد أعلى على الدين السيادي بهدف التعبير عن استيائهم تجاه ما يعتبرونه إسرافاً في الإنفاق الحكومي. برغم أن تفاصيل خطط إنفاق الإدارة الجديدة لم تتضح بعد، ثمة مخاوف من تفاقم العجز في الميزانية الأميركية خلال السنوات المقبلة، ما يعني أن العوائد العالية تلوح في الأفق.
يبلغ العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات 4.6% حالياً، وهي نسبة قريبة من أعلى مستوى مسجل خلال 18 سنة. إذاً هل يجب اغتنام هذه الفرصة؟ حتى وقت قريب، كانت ليزلي فالكونيو، رئيسة استراتيجية الدخل الثابت الخاضع للضرائب في “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management) ، تفضل تثبيت العوائد على سندات الخزانة لأجل خمس سنوات. مع ذلك، وبالنظر إلى توقعات “يو بي إس” ببقاء النمو الاقتصادي فوق المتوسط لكن بطيئاً، ومع انخفاض التضخم، فإن العوائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات التي تقترب من نسبة تتراوح بين 4.5% و5% قد تصبح أكثر جاذبية.
أما بالنسبة لسندات الخزانة لأجل 30 سنة، فقالت فالكونيو: “لا نعتقد أن العوائد مقابل المخاطرة الناجمة عن تمديد الأجل لـ30 سنة تجعل هذا الخيار حكيماً نظراً لتقلبات السياسات الاقتصادية وغموضها”.
صحيح أن نسبة 4.6% قد لا تبدو جذابة مقارنة بحسابات التوفير مرتفعة العائد أو شهادات الإيداع لأجل سنة التي قد تقدم عوائد مشابهة. لكن الفائدة على حسابات التوفير قابلة للتغيير في أي وقت. أما بالنسبة لشهادات الإيداع، فلا ضمان عند تجديدها في العام التالي أنك ستحصل على نفس العائد السابق.
كيف أحمي أصولي من ارتفاع الأسعار؟
رغم تعهد الرئيس ترمب بالقضاء على التضخم، إلا أنه يسعى في الوقت نفسه إلى زيادة الرسوم الجمركية، ما ينذر بمفاقمة التضخم. قد لا يرى المستثمرون في العشرينات والثلاثينات من العمر تأثيراً كبيراً لارتفاع الأسعار على محفظتهم الاستثمارية، بما أن الرواتب يفترض أن ترتفع مع الوقت تماشياً مع ارتفاع الأسعار، فيما ترتفع قيمة الأسهم بأسرع من التضخم عموماً، بحسب الخبيرة الاستراتيجية في المحفظات لدى “مورنينغ ستار” أيمي أرنو، التي قالت: “لطالما كانت الأسهم أحد أفضل طرق التحوط من التضخم على المدى الطويل”.
نصحت أرنو من يخططون للتقاعد خلال ما يقارب عقداً أن يفكروا بصندوق تحوّط مخصص للتعامل مع التضخم، مثل السلع. قد تشمل صناديق السلع المتنوعة النفط والغاز والنحاس والذهب والفضة والقمح وفول الصويا. ولكن قليلاً فقط من هذه الصناديق سجل أداء جيداً في الآونة الأخيرة، توصي أرنو باختيار أحدها، عبر مقارنة العوائد المعدلة حسب المخاطر للاستثمارات المماثلة، بدلاً من التركيز فقط على الأداء المطلق.
اقرأ أيضاً: توقعات التضخم في الولايات المتحدة ترتفع تحت وطأة التعريفات الجمركية
بالنسبة للمتقاعدين أو الذين يخططون لترك العمل قريباً (أي أولئك الذين لن يستفيدوا من زيادة الراتب للحدّ من تأثيرات التضخم)، تقترح أرنو الاستثمار في سندات الخزانة المحمية من التضخم، وهي سندات حكومية مرتبطة بمؤشر أسعار المستهلك.
لقد أوصت أرنو بالتركيز على سندات الخزانة المحمية من التضخم لأجل 5 و10 سنوات بدل 30 سنة، التي تعتبر خطرة بالنسبة لمن لا يخططون للاحتفاظ بهذه السندات حتى استحقاقها.
هل يجب أن أضيف عملات مشفرة إلى محفظتي؟
في زمن رئيس أطلق عملة “ميم” تحمل اسمه، ووزير خزانة (سكوت بيسينت) أفصح عن امتلاكه حصة في صندوق للعملات المشفرة، ثم تخارج منه، بدأت العملات المشفرة تترسخ أكثر في المشهد المالي التقليدي. يمكن للمستثمرين اليوم شراء حصص في صناديق استثمار متداولة في العملة المشفرة. وقد تدفقت عشرات مليارات الدولارات إلى صندوق “آي شيرز” (iShares) للبتكوين، ما أسهم في رفع أسعار البتكوين بنحو 60% خلال الأسابيع الستّ التي تلت الانتخابات.
مع ذلك، الآفاق طويلة الأجل للعملات المشفرة ما تزال غامضة، فقد تراجعت قيمة بتكوين في الآونة الأخيرة. لذا ينصح المستشارون الماليون المستثمرين المصرين على إضافة العملات المشفرة إلى محفظتهم بالحرص على ألا تتجاوز نسبتها 5% من إجمالي المحفظة إذا كانوا أقرب للتقاعد. قال مات مالي، كبير الخبراء الاستراتيجيين في السوق لدى شركة “ميلر تاباك + كو” (Miller Tabak + Co) يمكن للشباب الاستثمار بنسب أعلى في الكريبتو، بشرط موازنة ذلك باستثمارات في “شركات مستقرة يمكن التعويل عليها ولديها تدفقات نقدية جيدة. لن ترغب بأن تستثمر 10% في البتكوين و90% في أسهم التقنية”.
هل انفقأت فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
تعرضت أسهُم الذكاء الاصطناعي التي تسجل صعوداً منذ عامين لضربة قاسية في يناير، بعدما دفع روبوت الدردشة الذي طورته شركة “ديب سيك” الصينية المستثمرين إلى إعادة النظر في بعض المسلمات. فبدل أن تستخدم “ديب سيك” رقائق أشباه الموصلات الأكثر تطوراً التي قالت إنها لم تقدر أن تحصل عليها، استعانت برقائق أرخص كي تطور بسرعة نموذجاً يبدو أنه ينافس في بعض الجوانب النماذج التي أطلقتها الشركات الأميركية الرائدة في هذا المجال.
بعد إطلاق نموذج “ديب سيك”، تراجعت أسهم شركة “إنفيديا”، التي هيمنت حتى الآن على صناعة رقاقات الذكاء الاصطناعي، بنسبة 17% في 27 يناير، وبذلك خسرت 589 مليار دولار من قيمتها السوقية، وكان ذلك أكبر انخفاض في يوم واحد لسهم شركة في تاريخ سوق الأسهم الأميركية.
إن احتمال ألا يكون الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى رقاقات مرتفعة الأثمان يطرح كثيراً من الشكوك حيال تقييم “إنفيديا” والشركات الأميركية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تستخدم منتجاتها. في غضون ذلك، ينشغل المحللون في التدقيق في نموذج “ديب سيك” من أجل التحقق من مزاعمه واستكشاف ما إذا كانت سوق الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة بلغت ذروتها. لكن الواضح حتى الآن أن الصين حققت تقدماً أكبر على صعيد الذكاء الاصطناعي ممّا يظنه كثيرون.
يرى بعض المديرين الاستثماريين بارقة أمل في “ديب سيك” بما أن تأثير الذكاء الاصطناعي قد يتنامى إذا أصبح مزيد من المستهلكين والشركات قادرين على تحمّل كلفته.
مع ذلك، التقييمات العالية لأسهم التقنية الرائدة تدفع بعض مديري المحافظ إلى التريث حيال زيادة الاستثمار في أسهم التقنية، إذ باتوا يميلون أكثر نحو قطاعات تقييماتها أدنى في السوق الأميركية، مثل الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية الأساسية أو يتوجهون إلى الخارج للبحث عن فرص أفضل.
ما مدى تأثير التغير المناخي على خطتي التقاعدية؟
بالمختصر: التأثير كبير. بالنسبة لأغلب المتقاعدين، المنزل هو أكثر أصولهم قيمة، بالأخص إن كانوا يقيمون فيه منذ عقود وسددوا رهنه العقاري بالكامل. إن امتلاك منزل دون الاضطرار لدفع أقساط يشكل أماناً مالياً من خلال حماية أصحابه من تقلبات الإيجارات المستقبلية. لكن هذا المنطق تزعزع اليوم في ظلّ تزايد الكوارث المناخية التي أدت إلى ارتفاع أقساط التأمين على المنازل. فقد ارتفع متوسط أقساط التأمين على السكن 13% بعد احتساب التضخم بين 2020 و2023، وفقاً لدراسة شملت أكثر من 47 مليون أسرة.
لا يقتصر ذلك على ارتفاع الأسعار، إذ إن كثيراً من شركات التأمين الكبرى باتت تمتنع عن إصدار بوالص تأمين جديدة أو تقدم تغطية محدودة جداً في المناطق عالية المخاطر، بخاصة في المجتمعات الساحلية المشمسة التي يفضلها المتقاعدون. في 2021، على سبيل المثال، لم تُجدد 13% من بوالص التأمين الطوعية للمنازل والتأمين ضد الحريق في كاليفورنيا.
اقرأ أيضاً: كيف فاقمت حرائق لوس أنجلوس مصائب قطاع التأمين المتأزم بالفعل؟
يشعر عدد متزايد من المسنين، الذي يفتقرون إلى ما يكفي من المال، بأن لا خيار أمامهم سوى التخلي عن التغطية التأمينية. منذ 2019، تضاعف عدد الأميركيين الذين ليس لديهم تغطية تأمينية على منازلهم لتصل نسبتهم إلى 12%، بحسب “مركز معلومات التأمين”. قال داريل فيرويذر، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة الوساطة العقارية “ريدفين” (Redfin): “يضع ذلك المتقاعدين في موقف صعب… عليهم إما تكبد كلفة شهرية عالية يمكن أن ترتفع أكثر بعد، أو توفير المال بعدم الحصول على تأمين، ولكن ذلك يعرضهم لخطر فقدان منازلهم”.
هل ستصبح أسعار السكن أقل في المستقبل القريب؟
مع معدل فائدة يبلغ نحو 7% على الرهن العقاري الثابت لثلاثين سنة، يشعر كثير من المشترين المحتملين أن السوق قد لفظتهم. كما أن مالكي المنازل الحاليين الذين يسددون قروضاً بفائدة تتراوح بين 3% و4% ليسوا مستعدين كثيراً للبيع إذا كان ذلك سيجبرهم على الالتزام برهن عقاري جديد بمعدلات الفائدة السائدة اليوم.
كما لا تلوح في الأفق احتمالات انخفاض الفائدة على الرهون العقارية إلى مستوى أقرب إلى 6% في المستقبل القريب بما أن إدارة ترمب تعمل على إعداد مجموعة من السياسات قد تؤدي إلى زيادة التضخم، بحسب مارك زاندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في “موديز أنالاتيكس” (Moody’s Analytics).
في غضون ذلك، انخفضت نسبة المنازل الشاغرة الأقل ثمناً، أي التي لا يتجاوز سعرها 400 ألف دولار إلى 1% فقط، أي ما يقارب أدنى مستوى لها. قال زاندي إن ذلك يؤشر إلى استمرار ارتفاع أسعار المنازل العائلية سواء للبيع أو الإيجار. لا تتوقعوا أن تتمكن مشاريع البناء الجديدة من مواكبة الطلب بما أن المهاجرين (نعم، الأشخاص الذين يهدد ترمب بترحيلهم) يشكلون نحو ثلث العاملين في قطاع البناء، ونحو نصفهم وجودهم غير قانوني. قال زاندي: “ستظل أسعار المساكن مرتفعة بوضوح هذا العام وفي المستقبل المنظور”.