ميرتس يتعهد بسرعة تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا

فاز زعيم المعارضة المحافظ في ألمانيا فريدريش ميرتس في الانتخابات الفيدرالية يوم الأحد، متقدِّماً بسهولة على حزب “البديل من أجل ألمانيا” من أقصى اليمين، وعلى الحزب “الديمقراطي الاجتماعي” التابع للمستشار أولاف شولتس.
وفقاً لتقديرات اتحاد للمؤسسات الإذاعية العامة في ألمانيا، حصل التحالف البرلماني لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي بقيادة ميرتس على 28.8% من الأصوات، تلاه حزب “البديل من أجل ألمانيا” بنسبة 20.2%، فيما جاء “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” في المركز الثالث بنسبة 16.2%، وهو أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية.
تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة في ظل مواجهة أكبر اقتصاد في أوروبا لركود في النمو، وتصاعد تداعيات حرب روسيا في أوكرانيا، وتهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإشعال حرب تجارية عالمية قد تعرقل القطاع الصناعي الألماني المتعثر.
وقال ميرتس أمام حشد مبتهج في مقر “الحزب الديمقراطي المسيحي” في برلين: “لقد فزنا في هذه الانتخابات”، مضيفاً: “يجب تشكيل حكومة ائتلافية في أسرع وقت ممكن”. وشدد على أن “العالم لن ينتظرنا، ولن ينتظر مناقشات ائتلافية مطولة”.
افتتح اليورو التعاملات الصباحية في آسيا بشكل أقوى قليلاً، مرتفعاً بنسبة 0.3% إلى 1.0487 دولار. ومع اتساق استطلاعات الرأي مع ما توقعته الأسواق على نطاق واسع، سيتحول انتباه المستثمرين الآن إلى مدى سرعة ميرتس في تشكيل الحكومة.
أوروبا تواجه تحديات وجودية
مع بدء فرز الأصوات النهائي، تواجه أوروبا سلسلة من التحديات الوجودية التي تحتاج إلى معالجة فورية. وسوف يعقد زعماء الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً الأسبوع المقبل لمناقشة المسائل الدفاعية، في وقت يدرسون فيه احتمالات سحب الولايات المتحدة لدعمها العسكري والمالي الضخم لأوكرانيا.
وبدأت واشنطن أيضاً مفاوضات سلام مع روسيا من دون مشاركة أوروبا أو كييف، وهو أمر قد يؤثر في حال التوصل إلى خاتمة له، على البنية الأمنية في القارة لسنوات قادمة.
واعترف “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” بالهزيمة، ووصف شولتس النتيجة بأنها “مريرة”. وفي حديثه إلى أنصاره، قال شولتس: “إنها نتيجة سيئة وهذه مسؤوليتي أيضاً”.
خيارات الائتلاف في ألمانيا
سيحتاج تحالف ميرتس بين “الحزب الديمقراطي المسيحي” و”الاتحاد الاجتماعي المسيحي” إلى شريك ائتلافي واحد على الأقل، لتأمين الأغلبية في مجلس النواب أو “البوندستاغ”. وكلما زاد عدد الأحزاب، أصبح بناء الائتلاف أكثر تعقيداً.
خيارات التحالف الأكثر ترجيحاً لميرتس هي “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” من دون أي دور وزاري لشولتس، أو “حزب الخضر”. اعتماداً على التركيبة النهائية للبرلمان، قد يحتاج ميرتس إلى الحزبين في ائتلاف ثلاثي الأحزاب، ما قد يجعله غير قابل للإدارة.
إذا تأهلت خمسة أحزاب فقط لدخول البرلمان وكانت التوقعات الحالية قائمة، فإن الكتلة التي يقودها “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” و”الحزب الديمقراطي الاجتماعي” سيكون لديها دعم كافٍ للحصول على الأغلبية في مجلس النواب.
استعرض زعيم “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” لارس كلينغبيل نفوذ الحزب مع ميرتس، من خلال تلميح لإمكانية عدم إجراء تحالف، مشيراً إلى أن العمل الصعب المتمثل في بناء الائتلاف يقع على عاتق زعيم “الاتحاد الديمقراطي المسيحي”.
وقال كلينغبيل: “أؤكد هنا على أنه يمكن تحمل المسؤولية في الحكومة، ولكن أيضاً في المعارضة. تقع مهمة الحكم الآن على عاتق فريدريش ميرتس”.
“البديل من أجل ألمانيا” يمثل المعارضة
يبدو أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” من أقصى اليمين، الذي سجل أعلى نسبة أصوات له على الإطلاق، سيصبح قوة المعارضة الرئيسية في البرلمان.
يدعو حزب “البديل من أجل ألمانيا” إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي وعملته الموحدة، ويريد طرد مئات الآلاف من الأشخاص في حملة صارمة ضد المهاجرين غير المسجلين.
تم تصنيف ثلاثة من فروعه في ولايات في شرق البلاد كانت خاضعة للحكم الشيوعي السابق، على أنها “متطرفة”، وتخضع للمراقبة من قبل جهاز الاستخبارات المحلي في ألمانيا.
انهيار حكومة شولتس
أنهى شولتس ائتلافه غير الشعبي وغير المنضبط المكوّن من ثلاثة أحزاب (حزبه والخضر والديمقراطيين الأحرار) في نوفمبر، بعد أشهر من المشاحنات حول الديون الحكومية.
وأقال شولتس وزير المالية من “الحزب الديمقراطي الحر” كريستيان ليندنر، بعدما أصر على الالتزام بحدود الاقتراض الدستورية في ألمانيا، مما أدى إلى إجراء انتخابات قبل سبعة أشهر من الموعد المحدد.
سيستمر شولتس في الحكم مع “الخضر” في منصب القائم بأعمال الحكومة، حتى يتم تشكيل حكومة جديدة، وهو ما قد يستغرق أسابيع إن لم يكن أشهراً.
حاجة إلى إصلاحات عميقة في ألمانيا
تحتاج ألمانيا بشكل عاجل إلى إصلاحات عميقة لاستعادة القدرة التنافسية للقطاعات الصناعية الرئيسية. لقد رفعت احتمالات تشكيل حكومة جديدة أكثر دعماً للأعمال وخفض أسعار الفائدة، ثقة المستثمرين بأكبر قدر في عامين.
ومع ذلك، تظل ألمانيا معرضة بشكل خاص للمشاكل الاقتصادية في الصين، وقد أثار فائضها التجاري مع الولايات المتحدة غضب الرئيس الأميركي دونالد ترمب. كما اهتزت العلاقات عبر الأطلسي بسبب تحرك الإدارة الأميركية الجديدة للدخول في محادثات مباشرة مع روسيا بشأن اتفاق سلام لأوكرانيا، من دون إشراك حلفاء “الناتو”.
وقال ميرتس: “أعرف المسؤولية العظيمة، وحجم العمل الذي نواجهه الآن”.
تتداول سوق الأسهم الألمانية بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، مدفوعة بالأرباح المتزايدة التي تحققها الشركات الألمانية في الخارج. كما تلقى مؤشر “داكس” القياسي دعماً من الآمال في أن يتعاون ميرتس مع “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، لمتابعة أجندة أكثر ملاءمة للسوق.
أمل بحل معضلة سقف الديون
يأمل بعض المستثمرين أن ترفع ألمانيا أو تصلح حد الاقتراض الصافي، أو ما يسمى بكبح الديون، في ظل حكومة جديدة. أشار ميرتس إلى أنه قد يكون على استعداد لمناقشة الإصلاح، ولكنه لفت أيضاً إلى ضرورة تنفيذ تخفيضات عميقة في نفقات الرعاية الاجتماعية السخية في ألمانيا أولاً.
إن كبح الديون منصوص عليه في دستور ألمانيا، مما يعني أن التغيير يتطلب أغلبية الثلثين في البرلمان. هذه عقبة كبيرة لأنها ستحتاج على الأرجح إلى دعم من أحزاب المعارضة.
شهد مقر “حزب البديل من أجل ألمانيا” هتافات في ليلة الانتخابات، بعدما قالت هيئة الإذاعة العامة إن الحزب اليميني في طريقه ليصبح حزب المعارضة الرئيسي في البرلمان المقبل.
يمثل الاختراق الذي حققه حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الذي بلغ ذروته سابقاً عند 13% في عام 2017، علامة بارزة أخرى على تصاعد الدعم للأحزاب اليمينية على امتداد أوروبا.
وتعهدت المرشحة المتفائلة للحزب، أليس فايدل، بالتغلب على حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي” الذي يتزعمه ميرتس في سعيها إلى الفوز في الانتخابات المقبلة، في مقابلة مع هيئة الإذاعة الحكومية. وقالت: “سنطاردهم”.