اخر الاخبار

منتجعات طبية: الوجه الجديد لصناعة التجميل في أميركا

إن كنت في شارع فيفث ستريت في بروكلين بمدينة نيويورك واتجهت جنوباً نحو فيفث أفينيو، ستلاحظ سريعاً نمطاً متكرراً، إذ سترى كلما مررت ببضعة مبانٍ واجهة محل جديد يعرض أحدث صيحات إجراءات التجميل.

بعض هذه المحال يتخصص في إزالة الشعر بالليزر أو تقشير البشرة، وبعضها الآخر يقدم مجموعة متنوعة من الحقن، بدءاً من البوتوكس إلى نفخ الشفاه، مروراً بإذابة الدهون وتضخيم الأرداف. يمكنك أيضاً تلقي جلسات لنحت الدهون بالتثليج “كول سكلبتينغ” (CoolSculpted)، أو بالموجات الكهرومغنطيسية “إم سكلبت” (Emsculpted)، أو عبر حقن “سكالبترا”. 

موضة المنتجعات الطبية التجميلية

إن سرت لعشر دقائق، ستكون قد مررت بما لا يقل عن ستة منتجعات طبية. ولو اتجهت شمالاً بدل ذلك، لصادفت منتجعين أو ثلاثة أخرى، إلى جانب عيادات صغيرة تتوارى في زوايا حارات جانبية.

تقع كل هذه المنشآت في حيّ “بارك سلوب” الراقي في نيويورك، الذي غالباً ما يُصوَّر كتجمع لعائلات تسعى لما هو طبيعي في معيشتها، وتجدها تسمي أطفالها بأسماء مثل فينياس وأندروميدا وتحرص على إطعامهم منتجات عضوية حصراً. أي أن سكان الحي ليسوا من فئة يُتوقع أن تكون قاعدة زبائن لـ12 مركزاً للبوتوكس وإزالة الشعر تنتشر هناك.

اقرأ أيضاً: النساء الأكبر سناً منجم الذهب المستقبلي لصناعة التجميل
 

نادراً ما يعكس “بارك سلوب” الموضة السائدة في الولايات المتحدة، لكن في ما يخصّ التجميل يبدو الحي متماهياً تماماً معها. أظهرت بيانات صادرة عن رابطة المنتجعات الطبية الأميركية، توسع القطاع بأكثر من ستة أضعاف بين 2012 و2023، ليرتفع عدد مراكز التجميل من 1600 إلى أكثر من 10000. كما زادت إيرادات المنتج الواحد السنوية بأكثر من الضعف خلال هذه الفترة، لتصل إلى نحو 1.4 مليون دولار.

على الصعيد الوطني، بلغت قيمة قطاع المنتجعات الطبية 15 مليار دولار في 2023، مع توقع معظم المحللين أن يستمر القطاع في التوسع بنسبة 15% سنوياً في المستقبل. إذ تعيش الولايات المتحدة اليوم عصراً ذهبياً للمنتجعات الطبية، والدليل على ذلك بادٍ على وجوهنا.

يجوز اعتبار نمو المنتجعات الطبية شبيهاً بمتاجر السجائر الإلكترونية لكن في قطاع آخر هو الرعاية الصحية. لقد تضافرت عدة عوامل، منها تغيرات تنظيمية وتطورات تقنية وتطبيع لعادات شخصية كان الناس يتجنبون ذكرها من قبل، زادت الطلب على منتجات لم تكن المراكز القائمة في وقتها قادرة على تلبيتها.

البداية مع بوتوكس

تبدو المنتجعات الطبية، بفضل خدماتها وطابعها العام، وكأنها الحلقة التي تقع بين صالونات تصفيف الشعر والعيادات الطبية، ويعمل فيها مختصون مؤهلون لتقديم الحقن وغيرها من أشكال الرعاية الصحية. لكن من حيث المظهر والأجواء، تبدو هذه المراكز أشبه بمكان يُقصد للحصول على عناية بالأظافر أو جلسة تدليك.

يتباين ما تقدمه هذه المنتجعات من مركز إلى آخر، فبعضها يتخصص حصراً بالحقن أو إزالة الشعر أو العناية بالبشرة بالليزر، بينما تقدم أخرى جميع هذه الخدمات معاً، إلى جانب عقاقير إنقاص الوزن مثل “جي إل بي 1” وحقن الفيتامينات والمحاليل الوريدية لترطيب البشرة بعد السهر وعلاجات بديل الهرمونات. 

قالت رابطة المنتجعات الطبية إن الزبائن ينفقون وسطياً أكثر من 500 دولار في الزيارة الواحدة. وفيما أن تكلفة البوتوكس وبعض أنواع المحقونات (الفيلر) لا تتجاوز بضعة مئات من الدولارات، قد تصل تكلفة علاجات مثل “كول سكالبتينغ” أو علاجات الوجه بالليزر إلى أكثر من 1000 دولار لكل جلسة.

هذه المنتجعات الطبية هي ثمرة الآفاق الواعدة للبوتوكس. فعندما حصلت المادة المسممة للأعصاب التي تخفي التجاعيد على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية لاستخدامها لأغراض تجميلية في 2002، سحرت الجمهور عبر فكرة استعادة نضارة الوجه بعد زيارة لعيادة طبيب الجلد خلال استراحة الغداء لمدة نصف ساعة.

لكن عدد أطباء الجلد في الولايات المتحدة لم يكن كافياً، وسرعان ما فاق الطلب على العلاجات التجميلية استطاعة الأطباء المتخصصين. استفاد من هذه الفرصة كثير من المهنيين في تخصصات أخرى، مثل الأطباء العامين وأطباء العيون وأطباء الأسنان لتحقيق مكاسب سريعة، وأضافوا هذه الخدمات إلى عروضهم. مع تزايد استخدام الحقن التجميلية، بدأت تظهر مساحة في السوق لأعمال تجارية جديدة تماماً.

 سهولة الدخول إلى القطاع

بإمكان أي شخص أن يزاول العمل في هذا القطاع طالما كان يحمل رخصة تسمح له بتقديم الحدّ الأدنى من الإجراءات الطبية. قال دان فيردمان، الشريك المؤسس لشركة “موكسي” الاستشارية، المتخصصة في دعم الشركات الناشئة في مجال المنتجعات الطبية وتوسعها: “إن كان لديك بضعة آلاف من الدولارات وتدريب أو خبرة سابقة، يمكنك ببساطة مباشرة العمل خلال شهر أو شهرين”.

كما أن شراء سموم الأعصاب والمحقونات ومستلزمات الحقن سهل وغير مكلف نسبياً لمن لديهم رخصة حقن، وكذلك استئجار حيز في أحد المراكز الكثيرة التي تقسم مساحاتها الواسعة لتخصيصها لخبراء التجميل ومصففي الشعر.

اقرأ أيضاً: مستحضرات مكافحة شيخوخة البشرة من منظور الأطباء

حين تزيد أعمال خبراء التجميل الذين يعملون في مساحات مشتركة، ينتقلون إلى مراكز خاصة، ويبدؤون في توظيف فرق عمل، كما يستثمرون في معدات باهظة الثمن تمكنهم من تقديم خدمات إضافية، مثل إزالة الشعر بالليزر. تتميز المنتجعات الطبية باعتمادها على الدفع النقدي، ما يمكّنها من تجنب التعقيدات الإدارية المرتبطة بنظام التأمين الصحي الأميركي وتكاليفه الكبيرة، وهذا عامل جذب كبير لكثير من مقدمي خدمات التجميل.

قال أليكس ثيررش، المؤسس والرئيس التنفيذي لرابطة المنتجعات الصحية، إن القطاع لم ينم بوتيرة سريعة إلا في أعقاب التداعيات المالية والثقافية للأزمة المالية العالمية. بحلول 2010، انخفضت أسعار الفائدة، وتطورت التقنيات المستخدمة في هذا المجال، كما ساهمت التغييرات التنظيمية في تسهيل إنشاء ممرضين ومساعدي أطباء لعيادات خاصة بلا طبيب.

جذب الاستثمارات

تلقى أصحاب المؤسسات جرعة دعم إضافية، ربما كان تأثيرها أقوى حتى من التقنيات الحديثة وانخفاض تكلفة القروض. قال ثيرش: “تزامنت نهضة الإجراءات التجميلية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي” وبرامج تلفزيون الواقع، مثل برنامج “ربات منزل حقيقيات” (Real Housewives).

أضاف: “تمكن الجميع من التعرف إلى طبيعة هذه العلاجات ومدى استمتاع الناس في المنتجعات الطبية، فضلاً عن شعور الرضى عن الذات بعد تلقي هذه العلاجات”. ضاعف “إنستغرام” ومن بعده “تيك توك” هذا الشعور بعدما أتاحا على نطاق واسع مشاهدة صور تعرض الحال قبل الإجراء التجميلي وبعده.

بطبيعة الحال، استقطب نمو هذا القطاع وربحيته المستثمرين. قال فريدمان إن الهدف العام لهوامش الربح لدى عملائه يبلغ 20%، لكنه قد يصل إلى 30% لأصحاب المؤسسات الذين لا تستبق توسعاتهم ارتفاع الطلب.

في العامين الماضيين، أضافت كثير من المراكز حقن إنقاص الوزن “جي إل بي-1” غير تابعة لعلامات تجارية إلى خدماتها، ويقدّر فريدمان أنها تشكّل الآن ما يصل إلى 15% من إيرادات تلك المؤسسات. من جهته، قال ثيرش “إن كنت تملك منتجعاً طبياً ناجحاً، فمن المؤكد أنك تلقيت عروضاً من عشرات شركات الملكية الخاصة، وليس واحدة أو اثنتين فقط”.

استقطبت “أيديال إيمج” (Ideal Image)، أكبر علامة تجارية للمنتجعات الطبية في الولايات المتحدة، استثمارات من شركة الملكية الخاصة “إل سترتون” (L Cterton)، المدعومة من “إل في إم إتش مويت هنسي لوي فيتون” (LVMH Moët Hennessy Louis Vuitton) و”تي بي جي غرووث” (TPG Growth). أما سلسلة المنتجعات الطبية الفاخرة “إيفر/بادي” (Ever/body)التي تتميز بديكوراتها الفخمة، فتتلقى دعماً من “تايغر غلوبال مانجمنت” (Tiger Global Management).

وتسعى مجموعات أخرى للاستحواذ على منتجعات طبية مستقلة، على غرار ما فعلته شركات الملكية الخاصة مع المستشفيات والعيادات البيطرية.

اقرأ أيضاً: ينفق مليوني دولار سنوياً على النضارة.. والآن يأخذ من دم ابنه

مخاطر العاملين غير المؤهلين

ما يزال انخراط شركات الملكية الخاصة في قطاع المنتجعات الطبية محدوداً حتى الآن. جاء في بيانات رابطة المنتجعات الطبية أن شركات الملكية الخاصة كانت تملك حوالي 3% فقط من المنتجعات الطبية في الولايات المتحدة حتى نهاية 2023. يرجع جزء من ذلك إلى أن الغالبية العظمى من هذه المنتجعات هي مؤسسات صغيرة بحيث يصعب دمجها. أوضحت بيانات الرابطة أن نحو 80% من المراكز في القطاع منتجعات طبية لا فروع أخرى لها. وقال ثيرش:”هم لا يتجهون إلى من يملك 20 منتجعاً، لأن مثل هؤلاء المالكين نادرون جداً”.

بدل ذلك، يتعين على المستثمرين الاستحواذ على المتاجر واحداً تلو آخر، وهي عملية مرهقة ومنخفضة القيمة لا تجذب الشركات الكبرى. حتى في هذه الحالة، قد تكون العملية محفوفة بالمخاطر، لأن الزبائن، مثلما يحدث في صالونات الشعر—وهو قطاع آخر لم يتم دمجه بعد—يميلون إلى الولاء لأخصائي محدد في المنتجع الطبي، وليس للمنتجع نفسه. لذا، إذا غادر مقدم الحقن المفضل لدى زبون، فسيتبعه، ولا يُعرف عن شركات الملكية الخاصة تمسكاً بالموظفين القيمين على المدى الطويل. 

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيؤثر النجاح الكبير للمنتجعات الطبية على وتيرة تحقيق الأرباح في هذا القطاع؟ قال ثيرش: “يدخل إلى هذا المجال أشخاص يفتقرون إلى التدريب الكافي أو الخبرة المطلوبة، بل قد يكونون غير مؤهلين لتقديم بعض العلاجات، فيقصرون في أداء مهامهم دون أن يلاحظ أحد، وذلك بسبب النمو السريع للقطاع”.

لا يصعب العثور عن حكايا مرعبة عن أخطاء في عمليات التجميل، وحذر ثيرش من أن استمرار وجود مثل هؤلاء العاملين دون اشتراط معايير علمية للمنخرطين في هذا المجال قد يهز ثقة الناس في الإجراءات التجميلية. وقد يستدعي ذلك تدخل الهيئات الرقابية، وهو ما نجح القطاع في تجنبه حتى الآن.

عودة موضة الإطلالة الطبيعية

لعلَّ الخطر المحدق بعمليات التجميل واسعة الانتشار التي تقدمها المنتجعات الطبية، هو فقدانها لبريقها وجاذبيتها. فقد أصبحت الإطلالة الناتجة عن هذه العلاجات مكررة ومألوفة، من الشفاه الممتلئة جداً إلى الجبين الأملس الأشبه بالزجاج. حتى أن الجمع بين عدة علاجات أصبح يُعرف في بعض الأوساط بـ”وجه مار إي لاغو”، وهذا قد يدفع الناس للعودة إلى الإطلالة الطبيعية.

بدأت تظهر مخاوف جدية بشأن الحشوات التجميلية، حيث تبين أنها قد لا تختفي بشكل سحري من الجسم كما كان يروج سابقاً. بل على العكس، يبدو أن كثيراً منها يبقى عالقاً تحت الجلد، وقد ينتقل في بعض الأحيان إلى مناطق أخرى من الوجه، ولها مظهر تكتل غير متناسق. هذا الواقع دفع أعداداً متزايدة من الناس إلى التوجه نحو تذويب الحشوات.

لكن في مثل هذا القطاع، تغير الموضة ما هو إلا فرصة لتقديم عروض جديدة. فقد بدأت المنتجعات الطبية وموردوها في طرح تقنيات جديدة تقول إنها تعطي نتائج تبدو طبيعية أكثر، بينها المحفزات الحيوية التي تحفّز الجسم على إنتاج مزيد من الكولاجين ذاتياً. تعود هذه التقنيات بالفائدة على مراكز التجميل بما أنها تتطلب كثيراً من الزيارات.

إذاً العمل في مجال يحسن الرضى عن الشكل الخارجي لا يسوء أبداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *