أمضت “ديليفري هيرو” (Delivery Hero) الألمانية سنوات في السعي نحو تحقيق الربحية، وهو إنجاز نادر في قطاع يتميز بهوامش أرباح ضئيلة. الآن على الشركة الحفاظ على هذه الأرباح في ظل حروب أسعار شرسة مع منافسين أكبر.
لمواجهة هذا التحدي، يركز الرئيس التنفيذي نيكلاس أوستبرغ على الأسواق الرئيسية في الشرق الأوسط وآسيا، بينما يسعى لخفض التكاليف والتخلص من بعض الوحدات التابعة لشركة تعمل في أكثر من 70 دولة.
“أعتقد أن الخطوة الأولى هي التأكد من أن لدينا ميزانية قوية”، حسبما ذكر أوستبرغ في مقابلة في برلين في 28 يناير. وأضاف: “النمو مهم، لكننا الآن نركز بشكل أكبر على كفاءة التكاليف”.
لكن نتائج جهوده لتحسين الكفاءة كانت متفاوتة.
معضلة التسعير والمنافسة
تمكنت “ديليفري هيرو”، التي تأسست عام 2011، من تحقيق تدفق نقدي حر إيجابي لأول مرة في أواخر عام 2023. كما توصلت العام الماضي إلى تسوية مع أحد المستثمرين الناشطين، الذي طالب باستقالة أوستبرغ. ونجحت الشركة في تحسين سعر أسهمها، وفي ديسمبر الماضي، أدرجت وحدتها في الشرق الأوسط “طلبات” في بورصة دبي، مما جلب لها عائدات بقيمة 2 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: “دليفري هيرو” تكمل الاستحواذ على “HungerStation” السعودية مقابل 297 مليون دولار
لكن جهود التوسع تواجه عقبات. منعت السلطات التايوانية محاولة أوستبرغ لبيع إحدى الشركات التابعة هناك. وفي الشرق الأوسط، تواجه “ديليفري هيرو” منافسة متزايدة من عملاق التوصيل الصيني “ميتوان”، الذي وسّع عملياته في المنطقة مؤخراً. أما في آسيا، أكبر أسواق الشركة من حيث المبيعات، فإن “ميتوان” وخدمات أخرى تقوم بخفض الأسعار بشكل مستمر.
تواجه “ديليفري هيرو” معضلة شائعة في هذه الصناعة التنافسية. فرفع الأسعار قد يدفع العملاء للبحث عن بدائل، لكن التفوق على المنافسين يتطلب دعماً مالياً كبيراً يجعل تحقيق الأرباح أمراً شبه مستحيل. أوستبرغ، الذي قاد الشركة للتوسع عالمياً من خلال الاستحواذ على أكثر من 30 شركة في أميركا اللاتينية وأفريقيا، يجب أن يحدد أولوياته الآن.
تراجع الأسهم وثقة المستثمرين
يخوض أوستبرغ مواجهة ضد منافسين أكبر وأكثر شراسة في 3 أسواق رئيسية، هي الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وكوريا الجنوبية، التي تشكل حوالي 41% من مبيعات “ديليفري هيرو”، وفقاً لتحليل “بلومبرغ إنتليجنس”.
اقرأ أيضاً: كوريا الجنوبية لـ”دليفري هيرو”: بِعْ ذراعك المحلية لتشتري منافسك
ورغم أن الشركة لا تزال أكبر مشغل لخدمات التوصيل في أوروبا، إلا أنها أقل حجماً من منافسيها في آسيا والولايات المتحدة.
يضاف إلى التحديات أن أسهم “ديليفري هيرو” انخفضت بأكثر من 80% من أعلى مستوياتها في أوائل عام 2021، عندما ازدهر قطاع تطبيقات التوصيل خلال الجائحة.
وقالت المحللة في شركة “بيرنشتاين” (Bernstein) آنك ماس: “ديليفري هيرو أوفت بالعديد من وعودها، لكن التحديات غير المتوقعة أوقفت تقدمها”. وأضافت: “اليوم، يجب أن يكون التركيز على بناء الثقة مع المستثمرين”.
أهمية “طلبات”
تُعد “طلبات” (Talabat) أهم أصول “ديليفري هيرو”، إذ حققت الوحدة مبيعات إجمالية بلغت 5.3 مليار دولار خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2024. وأوضح أوستبرغ أنه يخطط لاستخدام عائدات الطرح العام الأولي لسداد جزء من سندات قابلة للتحويل بقيمة 3.8 مليار دولار تحتفظ بها “ديليفري هيرو”، كما أعرب عن اعتقاده بأن “طلبات” تمتلك إمكانات نمو هائلة.
اقرأ أيضاً: هيئة المنافسة السعودية ترفض استحواذ “دليفري هيرو” على “ذا شفز”
لكن منطقة الخليج أصبحت أيضاً محط أنظار شركة “ميتوان” (Meituan). فقد وصل تطبيقها المحلي “كيتا” إلى مليون مستخدم أسبوعياً الشهر الماضي، ما يعادل حجم مستخدمي خدمة “ديليفري هيرو” في المنطقة، وفقاً لشركة تحليل البيانات “سينسور تاور”.
يشهد “كيتا” نمواً ملحوظاً أيضاً في هونغ كونغ، التي تعد سوقاً رئيسياً لخدمات التوصيل. ووفقاً لشركة “ميجرابل إيه آي” (Measurable AI) المتخصصة في أبحاث المستهلكين، تفوق “كيتا” العام الماضي على “فودباندا”، الوحدة المحلية لـ”ديليفري هيرو”، من حيث إجمالي المبيعات. أما شركة “ديليفرو” البريطانية، التي تصنفها الشركة البحثية على أنها ثالث أكبر مزود للخدمة في المدينة، فقد استبعدت مؤخراً تقديم “عروض ترويجية لا نهائية” هناك.
الاستثمارات في كوريا الجنوبية
في الوقت الحالي، تركز “ديليفري هيرو” استثماراتها الآسيوية على كوريا الجنوبية، التي تُعد أحد أكبر أسواقها. منافستها “كوبانغ” (Coupang) كانت أطلقت خدمة التوصيل المجاني في البلاد عبر تطبيق “كوبانغ إيتس”.
اقرأ أيضاً: “فيديكس” تستهدف إدماج شبكتي التوصيل لخفض التكاليف
ورداً على ذلك، أعاد أوستبرغ استثمار نحو 100 مليون يورو (104 ملايين دولار) في عمليات شركته داخل كوريا الجنوبية، مؤكداً أن الوحدة تحقق أرباحاً. وأضاف: “بالطبع، تُعد (كوبانغ) منافساً قوياً للغاية، ونحن لا نستخف بهم”.
في أجزاء أخرى من آسيا، تتراجع “ديليفري هيرو” عن بعض أسواقها. واجهت خطتها لبيع عمليات “فودباندا” في تايوان لشركة “أوبر تكنولوجيز” مقابل 950 مليون دولار معارضة من الجهات التنظيمية التايوانية. ورفض أوستبرغ التعليق على الموقف. كما حاولت “ديليفري هيرو” بيع أصول أخرى في جنوب شرق آسيا، حيث شهدت “غراب” (Grab) نمواً سريعاً في المنطقة.
وقال أوستبرغ: “نحن لا نبني أعمالًا لنبيعها”، لكنه أقرّ بأنه يقدم العروض للمساهمين إذا كان السعر مناسباً.
أبلغت الشركة المستثمرين أنها ستصل إلى الحد الأدنى من توقعات الأرباح المعدلة قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء لعام 2024، والتي تتراوح بين 725 مليون يورو و775 مليون يورو.
الأتمتة خيار للمستقبل
لتعزيز الأرباح، يتطلع أوستبرغ إلى الأتمتة. فقد استخدمت الشركة الروبوتات لتوصيل الطلبات في كوريا الجنوبية وتختبر الطائرات المسيّرة في النرويج. ويعتقد أوستبرغ أنه في المستقبل، سيتم تنفيذ ربع عمليات التوصيل عبر نوع من الروبوتات.
ورغم أن الشركة تركز حالياً على توصيل الطعام، إلا أن الرئيس التنفيذي يتخيل توصيل العديد من السلع الأخرى ضمن دائرة ميل واحد من العملاء، مثل الملابس أو الزهور. لكنه لم يحدد جدولاً زمنياً لتوسيع عمليات التوصيل بالروبوتات أو إضافة الفئات الجديدة.
أما في الوقت الحالي، فسيتعين عليه التركيز على مواجهة المنافسة. وقال: “عندما تحقق الفرق أداءً رائعاً، يكون الأمر ممتعاً للغاية. وعندما لا تكون النتائج على المستوى المطلوب.. حسنًا، أعتقد أن القتال للعودة إلى القمة ممتع أيضاً”.
