ما هي وكالة المساعدات “USAID” التي يستهدفها ترمب؟
أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية (باستثناءات محدودة) انتظاراً لمراجعة شاملة، فيما هدد الملياردير إيلون ماسك بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) بالكامل، معتبراً أنها لا تخدم المصالح الأميركية.
تم إيقاف العشرات من كبار مسؤولي الوكالة عن العمل إدارياً، كما مُنع الموظفون من دخول مقرها الرئيسي في واشنطن.
ما هي وكالة “USAID”؟
تُعد الولايات المتحدة أكبر مزود رسمي للمساعدات الخارجية في العالم، حيث أنفقت نحو 70 مليار دولار في السنة المالية 2022، وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات كاملة.
تدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الجزء الأكبر من هذه الأموال، إذ بلغ حجم مساعداتها نحو 43 مليار دولار في السنة المالية 2023، موجهةً نحو جهود المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية.
تأسست الوكالة في عام 1961، ومنحها الكونغرس طابع الاستقلالية بموجب تشريع في عام 1998. على الرغم من أنها تتلقى التوجيهات بخصوص سياسة عملها من وزارة الخارجية الأميركية، فإنها تعمل بشكل مستقل عنها، ويعد وزير الخارجية الرئيس المباشر لمدير الوكالة.
يعمل في الوكالة حوالي 10 آلاف موظف، معظمهم خارج الولايات المتحدة، وتعمل بشكل أساسي من خلال منح التمويل للمقاولين، والمنظمات غير الربحية، والمنظمات الدولية، والحكومات الأجنبية.
اقرأ المزيد: اختفاء موقع “USAID” وسط غموض حول مستقبل المساعدات الأميركية
ما الغرض من إنشاء الوكالة؟
لطالما اعتُبرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أداةً للتعبير عن حسن النية الأميركية تجاه العالم، حيث تُوزَّع المساعدات الغذائية الممهورة بشعار الوكالة، كرمز لسخاء أغنى دولة في العالم تجاه أفقر المجتمعات.
لكنها في الوقت ذاته أداة للسياسة الخارجية الأميركية، إذ تُوجَّه أموالها نحو دول ذات أهمية استراتيجية، كما تسعى لمنع تفاقم الأزمات الإنسانية التي قد تتحول إلى مخاطر أمنية قومية.
عند إنشاء الوكالة، قال الرئيس جون إف. كينيدي أمام المشرعين آنذاك: “الانهيار الاقتصادي في تلك الدول الحرة لكنها الأقل نمواً، والتي تقف اليوم بين النمو المستدام والفوضى الاقتصادية، سيكون كارثياً على أمننا القومي، وضاراً بازدهارنا الاقتصادي مقارنة بدول أخرى، ويتعارض مع قيمنا الإنسانية”.
إلى أين تذهب المساعدات الخارجية الأميركية؟
مولت الوكالة مشاريع في نحو 130 دولة خلال السنة المالية 2023، وهي أحدث سنة تتوفر عنها بيانات كاملة. جاءت أوكرانيا في مقدمة أكبر 10 دول مستفيدة من المساعدات، تلتها بالترتيب كلٌ من إثيوبيا والأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان وسوريا.
تُعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية واحدة من الوكالات الحكومية التي تشرف على تقديم المساعدات الخارجية، والتي لا تقتصر على المساعدات الغذائية الطارئة والإغاثة الإنسانية، بل تشمل أيضاً التمويل العسكري للحلفاء مثل إسرائيل وتايوان.
في السنة المالية 2022، بلغت المساعدات المخصصة لدعم “السلام والأمن” حوالي 18% من إجمالي المساعدات الخارجية الأميركية.
اقرأ أيضاً: إدارة ترمب تواجه دعوى قضائية بعد تجميدها المنح والمساعدات الفيدرالية
هل تمثل المساعدات الخارجية جزءاً كبيراً من الإنفاق الحكومي الأميركي؟
المساعدات الخارجية تشكل أقل من 1% من الميزانية الفيدرالية. ومع ذلك، كشفت الدراسات أن الأميركيين يعتقدون أن بلادهم تنفق أكثر بكثير على المساعدات الخارجية، حيث يظن كثيرون أنها تشكل 25% من الميزانية الفيدرالية.
ماذا فعلت إدارة ترمب؟
في أول يوم له في المنصب، أصدر ترمب أمراً بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوماً. لكن وزير الخارجية ماركو روبيو منح استثناءات للمساعدات التي تُعتبر “مصيرية”، إضافة إلى المساعدات العسكرية المقدمة للحليفتين إسرائيل ومصر.
كما أبلغ روبيو المشرعين بأنه قد يحلها كوكالة مستقلة، مشيراً إلى إمكانية دمج بعض مكاتبها ومهامها داخل وزارة الخارجية، بينما قد يتم إنهاء خدمات باقي عناصر الوكالة بالكامل.
لماذا تنتقد إدارة ترمب الوكالة؟
يعكس تجميد المساعدات الخارجية مخاوف قديمة داخل الحزب الجمهوري، تعززت مع تبني ترمب نهج “أميركا أولاً” في السياسة الخارجية.
يرى منتقدو الوكالة أن أموال دافعي الضرائب تُنفق بلا فائدة في الخارج على مساعدات لا تخدم المصالح الأميركية.
اقرأ المزيد: إدارة ترمب للكفاءة الحكومية تواجه أول الدعاوى القضائية
روبيو وصف الوكالة مراراً بأنها مارقة. قال في مقابلة مع “فوكس نيوز”: “موقفهم الأساسي هو: ‘نحن لا نعمل لصالح أي جهة. نعمل لأنفسنا. لا توجد وكالة حكومية يمكنها أن تملي علينا ما يجب أن نفعل'”. اتهم جمهوريون آخرون الوكالة بتمويل عمليات الإجهاض في الخارج، رغم أن قانوناً صدر في عام 1973 يحظر على الوكالة القيام بذلك.
ماسك، الذي أرسل موظفين من ما يُسمى “إدارة الكفاءة الحكومية” لمراجعة مكاتب الوكالة، وصفها بأنها “منظمة إجرامية” ينبغي “زوالها”. من بين الأمثلة التي استشهدت بها إدارة ترمب كدليل على إهدار الأموال، هناك 50 مليون دولار زُعم أنها خُصصت لشراء واقيات ذكرية في قطاع غزة، رغم عدم تقديم أي دليل على ذلك.
ما التداعيات المحتملة؟
تساهم الولايات المتحدة بحوالي 29% من إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها 32 دولة مانحة رئيسية ضمن لجنة المساعدات التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
تعد المساعدات الإنمائية الرسمية بمثابة معونات خارجية تقدمها الحكومات لتعزيز التنمية الاقتصادية والرفاه في الدول النامية. حذرت منظمة “أطباء بلا حدود” من أن تجميد المساعدات الأميركية سيؤدي إلى “كارثة إنسانية غير مسبوقة” تؤثر على ملايين من أكثر الفئات ضعفاً في العالم.
مع إقدام إدارة ترمب على تخفيض المساعدات الخارجية بشكل كبير، هناك مخاطر إزاء تراجع الحضور الأميركي في أجزاء واسعة من العالم النامي.
يرى منتقدو هذه الخطوة، بمن فيهم العديد من نواب الكونغرس الديمقراطيين، أن الصين، وهي الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة، قد تستغل الفرصة لتوسيع نفوذها في الجنوب العالمي؛ حيث استثمرت بالفعل عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع بنية تحتية مكلِّفة مثل الطرق والموانئ والسكك الحديدية.
اقرأ أيضاً: رغم وقفه مؤقتاً.. قرار ترمب بشأن المنح يشعل فوضى في واشنطن
هل يمكن لإدارة ترمب فعلاً إغلاق “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”؟
شهدت السنوات الأخيرة دمج بعض الحكومات اليمينية لوكالات التنمية الدولية مع وزارات الخارجية. ففي عام 2013، قام كل من ستيفن هاربر في كندا وتوني أبوت في أستراليا بهذه الخطوة، بينما تبعهم بوريس جونسون في المملكة المتحدة عام 2020.
لكن من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الأميركي يملك الصلاحية لتغيير وضع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بشكل منفرد. أفادت خدمة أبحاث الكونغرس في 3 فبراير بأن إلغاء الوكالة أو نقلها أو دمجها يتطلب تفويضاً من الكونغرس، لكنها أشارت إلى أن الرئيس لديه سلطة اقتراح وتنفيذ “تغييرات هيكلية”.
معركة قانونية ودستورية محتملة
يؤكد المشرعون الديمقراطيون وبعض المسؤولين السابقين أن هذه الخطوة ستكون غير دستورية، إذ إن استقلالية الوكالة أُقرت بموجب تشريع من الكونغرس، وبالتالي لا يمكن تغيير وضعها إلا عبر إجراء تشريعي من الكونغرس نفسه.
لكن في المقابل، يسيطر الحزب الجمهوري الذي يقوده ترمب على مجلسي النواب والشيوخ، ما يمنحه صلاحية تمرير تشريعات جديدة. مع ذلك، لا يزال أمام الديمقراطيين إمكانية عرقلة أي قانون باستخدام “المماطلة البرلمانية”، وهي أداة إجرائية تمنحهم حق المطالبة بنقاش لا نهائي داخل مجلس الشيوخ.