رغم وقفه مؤقتاً.. قرار ترمب بشأن المنح يشعل فوضى في واشنطن
تولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب منصبه، ووعد بإحداث تغيير جذري في واشنطن. وأعطت تفاصيل يوم كامل من الفوضى، فكرة واضحة عن كيفية حدوث ذلك التغيير.
أثار إعلان الرئيس المفاجئ، ليلة الإثنين، أنه سيوقف تريليونات الدولارات من الإنفاق الفيدرالي، للتأكد من أن نفقات الوكالات الحكومية تتماشى مع أجندته “لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، الذعر في واشنطن، وبين المسؤولين المحليين في جميع أنحاء البلاد.
قبل أن يعلق القضاء هذا الأمر مؤقتاً، تلقى المشرعون مكالمات من الناخبين المعنيين، وانتقد الديمقراطيون ما اعتبروه استيلاء غير دستوري على السلطة، وحتى بعض حلفاء ترمب من الحزب الجمهوري أعربوا عن عدم ارتياحهم لحجم التحركات المفاجئة. وأثيرت تساؤلات مثل: هل سيتم حرمان مرضى السرطان المسنين من العلاج؟ هل سيحرم أطفال المدارس من وجبات الغداء؟.
الأمر التنفيذي بدا وكأنه يشمل مجموعة واسعة من البرامج تتراوح بين المبادرات لمكافحة الفقر والأبحاث الطبية، بالإضافة إلى أشكال أخرى من المساعدات للولايات والمدن والمدارس.
ووسط التساؤلات والارتباك، اضطر البيت الأبيض إلى إصدار مذكرة ثانية توضح أن نطاق البرامج المتأثرة سيكون أقل قليلاً، مع استثناء برامج مثل “ميديكيد”، والضمان الاجتماعي، والمساعدات الإيجارية.
تصاعد المخاوف
خفف ذلك بعض الذعر، لكن المخاوف عادت للتصاعد عندما أبلغت بعض الولايات عن صعوبات في الوصول إلى برامج مثل “ميديكيد” وبرامج اجتماعية أخرى، في حين قالت منظمة غير ربحية في كولورادو إنها لم تتمكن من الوصول إلى الأنظمة المستخدمة للحصول على تمويل للرعاية الصحية والإسكان.
أعاد حجم الفوضى والارتباك التذكير مجدداً بتأثير رغبة ترمب في التحرك بسرعة، واتخاذ قرارات حاسمة خلال الأيام الأولى من إدارته، حيث يسعى لإعادة تشكيل الحكومة بما يتماشى مع رؤيته. ويطابق الأمر التنفيذي وعود ترمب المتكررة باستهداف المبادرات التي يعتقد أن إدارته قد تم اختراقها بأيديولوجيات يسارية، تتعلق بالتوجه الجنسي والتنوع والرعاية الصحية.
كتب ماثيو فيث، المدير المؤقت لمكتب الإدارة والموازنة، في مذكرة أن “استخدام الموارد الفيدرالية لتعزيز مبادئ المساواة الماركسية، والتحول الجنسي، وسياسات الهندسة الاجتماعية للصفقة الخضراء الجديدة، يمثل إهداراً لأموال دافعي الضرائب، ولا يُحسن الحياة اليومية لأولئك الذين نخدمهم”.
دعم واسع
حصل البيت الأبيض على دعم واسع، وإن كان غير كامل، بين المشرعين الجمهوريين لقرار ترمب الشامل، على الرغم من أنه يتنازل فعلياً عن سيطرة السلطة التشريعية على الإنفاق لصالح الرئاسة.
وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون للصحفيين في وقت متأخر من الثلاثاء خلال مؤتمر للحزب الجمهوري في منتجع ترمب دورال في فلوريدا: “ليس لدي مخاوف.. أنا أدعمه بالكامل”.
كما أيد القرار الجمهوريون المؤثرون الآخرون مثل جون ثون، وجوني إرنست، وتوم كول. وجادل بعض حلفاء الرئيس بأن ترمب يجب أن يحاول تقليص الإنفاق الحكومي ببساطة عن طريق عدم توزيع الأموال.
وقال بريان ريدل، وهو زميل بارز في معهد مانهاتن وكبير الاقتصاديين السابق لعضو مجلس الشيوخ الجمهوري روب بورتمان: “لم يعد هناك ما يعيق التنفيذ”.
جاء الأمر التنفيذي بمثابة اختبار لمدى استعداد الجمهوريين لدعم أجندة ترمب. ففي الماضي، كان المشرعون حريصين بشدة على تأكيد سيطرتهم على خزانة الحكومة، لذا كان من المفاجئ إلى حد ما أنهم قبلوا بقرار البيت الأبيض الأحادي لوقف التدفق المالي.
وقد يشير هذا التساهل إلى مدى مرونة الحزب تجاه مبادرات ترمب، ويمهد الطريق لإدارته لبلوغ أقصى الحدود في قضايا أخرى.
حروب حجب الأموال
يبدو أن التوجيه يتعارض بشكل مباشر مع قانون يعود إلى 50 عاماً، يحدد متى يمكن للسلطة التنفيذية التحكم في الأموال، وهو تفسير يرفضه حلفاء ترمب. وتشير هذه الدراما إلى عودة جديدة لـ “حروب حجب الأموال” في واشنطن، وهي إعادة لنزاعات حقبة ريتشارد نيكسون حول مدى سيطرة السلطة التنفيذية على النفقات الفيدرالية التي وافق عليها المشرعون.
في عام 2023، بلغ إجمالي المنح الفيدرالية للولايات والحكومات المحلية 1.1 تريليون دولار، أو 18% من إجمالي النفقات، وفقاً لتقرير صادر في أبريل من مؤسسة “بيتر جي بيترسون” البحثية.
تتوقع مدينة نيويورك الحصول على 9.6 مليار دولار من المنح الفيدرالية في السنة المالية 2025 التي تنتهي في 1 يوليو، وفق المراقب المالي براد لاندير، وهو ما يعادل حوالي 8.3% من الميزانية. في سان فرانسيسكو، جاء ما يقرب من 11% من ميزانية المدينة البالغة 15.9 مليار دولار، من التمويل الفيدرالي.
اقرأ أيضاً: ما هو سقف الدين الأميركي ولماذا يدعم ترمب فكرة إلغائه؟
أبلغ المشرعون الديمقراطيون في ولايات بما في ذلك نيويورك وإلينوي وأوريغون يوم الثلاثاء، عن مشكلات في الوصول إلى موقع “ميديكيد”، والبرامج الاجتماعية الأخرى، بعد ساعات من إصدار الأمر التنفيذي.
قالت المدعية العامة في ماساتشوستس أندريا كامبل، إن الولاية حاولت سحب ما يقرب من 40 مليون دولار من “ميديكيد” يوم الإثنين، ولكنها لم تحصل بعد على الدفعات.
وردت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن البيت الأبيض على علم بتوقف الموقع الإلكتروني للبرنامج، لكن المدفوعات لم تتأثر.
وفي وقت لاحق، قال المتحدثون باسم العديد من وكالات “ميديكيد” الحكومية، إن النظام عاد للعمل بعد الاضطرابات السابقة.
قرار يعكس إرادة الناخبين
حتى مع قلق المسؤولين الديمقراطيين من تأثير القرار، رأى أنصار الجمهوريين أن السياسة تعكس إرادة ناخبي ترمب.
تجاهل ثون، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، عملية التجميد التاريخية، ووصفها بأنها “ممارسة طبيعية في بداية عهد الإدارة”. ووصف كول، الذي يرأس اللجنة التي تشرف على جميع التمويل الحكومي، هذه الخطوة بأنها “حكيمة”. وقال: “لا أعتقد أن تعليق الأشياء لإلقاء نظرة عليها شيء غير مناسب”.
من جهته، توقع عضو مجلس الشيوخ كيفن كرامر، وهو جمهوري من ولاية نورث داكوتا، في وقت مبكر من يوم الثلاثاء، أن يتم الطعن في القرار بالمحاكم. وقال مشيراً إلى ترمب: “إنه اختبار لقوته”.
اقرأ أيضاً: ماسك يسعى لإقناع الكونغرس بخفض تريليوني دولار من الميزانية
من جهتهم، لفت الديمقراطيون في الكونغرس إلى أن قرار ترمب تجاوز غير دستوري لسلطة الكونغرس في تخصيص الأموال. وقالت عضو مجلس الشيوخ باتي موراي، وهي ديمقراطية بارزة في لجنة المخصصات، إن الأمر التنفيذي أطلق العنان لـ”ذعر شديد” بين المدارس ومراكز الصحة المجتمعية والمنظمات الأخرى التي تعتمد على القروض والمنح الفيدرالية. وأضافت للصحفيين في وقت مبكر من يوم الثلاثاء: “المكالمات تتدفق”.
هدأ الذعر إلى حد ما في فترة ما بعد الظهر بعد مذكرة البيت الأبيض الثانية، التي توضح أن التعليمات الصادرة عن مكتب الميزانية لم تكن تهدف إلى تجميد “شامل”.
وأشارت الوثيقة إلى أن المسؤولين “قد يمنحون استثناءات” على أساس كل حالة، ويستثنون التحويلات المباشرة للأفراد.
تجميد مؤقت للقرار
منعت القاضية الأميركي لورين علي خان مؤقتاً إدارة ترمب من فرض القرار الجديد، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، وذلك خلال جلسة استماع في واشنطن.
قرار القاضية جاء رداً على دعوى قضائية رفعها تحالف من المنظمات، تتحدى تجميد الدفعات والمنح.
اقرأ أيضاً: إدارة ترمب تواجه دعوى قضائية بعد تجميدها المنح والمساعدات الفيدرالية
وتزعم الدعوى أن حتى التوقف المؤقت في التمويل قد “يحرم الناس والمجتمعات على الفور من خدماتهم المنقذة للحياة”، بما في ذلك الرعاية الصحية ودعم الشركات الصغيرة والبرامج الخاصة بمجتمع المثليين.
قضية دستورية شائكة
يتناول الأمر الذي أصدره ترمب قضية دستورية شائكة محتملة، وهي ما إذا كانت السلطة التنفيذية لديها القدرة على وقف الإنفاق الذي وافق عليه المشرعون بالفعل أم لا. ويمنح دستور الولايات المتحدة الكونغرس صراحة، السيطرة على مقدار ما يمكن للحكومة أن تنفقه.
في أوائل سبعينيات القرن العشرين، صادر الرئيس ريتشارد نيكسون عشرات المليارات من الدولارات من مخصصات الكونغرس لبرامج متنوعة، بما في ذلك الإسكان المدعوم، وإغاثة الكوارث ومشاريع المياه.
ورداً على ذلك، أقر الكونغرس قانون مراقبة حجز التمويل في عام 1974، لإعادة تأكيد سلطته على الإنفاق. وخلال الحملة، تعهد ترمب بتحدي هذا القانون.
من شأن نتائج الحرب على ذلك القانون، أن تحدد ما إذا كانت خطط ترمب الكبرى لخفض الإنفاق، بما في ذلك من خلال إدارة الكفاءة الحكومية “دوغ” بقيادة إيلون ماسك، قادرة على تجاوز الكونغرس لإقرار إصلاح شامل للبيروقراطية الفيدرالية.
كما يأتي في وقت يقترب الكونغرس بالفعل من الموعد النهائي لإقرار تمويل الحكومة في 14 مارس، وهو بحاجة إلى أصوات الديمقراطيين لتجنب العرقلة في مجلس الشيوخ.