اخر الاخبار

السعودية تتحول لقطب عالمي في قطاع التعدين

تسعى السعودية لتكون ضمن اللاعبين الكبار عالمياً في قطاع التعدين، حيث تولي اهتماماً لتوسيع استثماراتها محلياً وخارجياً، وتعمل على الربط بين المستثمرين وأصحاب الفرص من مختلف دول العالم في وقت تزداد فيه الحاجة للمعادن الحرجة الضرورية لتحقيق الانتقال الطاقي.

خلال الأسبوع الجاري، اجتمعت في الرياض وفود من مختلف دول العالم للمشاركة في مؤتمر التعدين الدولي وأعرب خلاله عدد من الوزراء يمثلون دولاً من ثلاث قارات مختلفة عن تطلعهم للتعاون مع المملكة في أنشطة التنقيب واستخراج ومعالجة المعادن، في وقت تسعى فيه البلاد لتحويل هذا القطاع إلى ركيزة أساسية في خطتها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. 

أصبح القطاع في بؤرة الاهتمام السعودي، خاصة بعد أن رفعت المملكة العام الماضي تقديراتها لإمكانيات الثروات المعدنية غير المستغلة في البلاد من 1.3 تريليون إلى 2.5 تريليون دولار (9.4 تريليون ريال)، وهي فرص قد تجذب استثمارات لرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 15% بحلول نهاية العقد الجاري.

أكبر مسح جيولوجي في العالم

تسعى السعودية لتوفير المعلومات والإطار القانوني لجذب الاستثمارات لهذا القطاع، حيث قال عبد الله الشمراني، الرئيس التنفيذي لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، إن عملية جمع المعلومات الجيوفزيائية والجيوكيميائية عن “الدرع العربي”، الذي يمثل ثلث مساحة المملكة، أسفرت عن تحليل ونشر معطيات مهمة عن حوالي 57 معدناً.




بحسب المسؤول السعودي خلال مقابلة مع “الشرق” على هامش المؤتمر، فإن المملكة تشهد أكبر وأضخم عملية مسح جيولوجي في العالم باستعمال أحدث التقنيات، لتسهيل حصول المستثمرين على معلومات واضحة وموثوقة حول المعادن الحرجة حيث يستمر العمل على دراسات لتحديد كمياتها، على رأسها الذهب والزنك والنحاس والكوبالت الضرورية لتحقيق التحول الطاقي. 

التعاون مع البرازيل

سعي السعودية لا ينحصر فقط على الاستثمار محلياً، بل أصبحت تهتم بالتعاون مع دول عدة، من بينها البرازيل. إذ قال ألكسندر سيلفيرا، وزير التعدين والطاقة البرازيلي، في مقابلة مع “الشرق”، على هامش مشاركته في المؤتمر، إن التعاون بين بلاده والسعودية لا يقتصر فقط على صفقة “فالي”، مشيراً إلى أنه وجد في السعودية اهتماماً كبيراً بتوسيع أنشطتها التعدينية في البرازيل ضمن مساعيها لتوفير المعادن اللازمة للتحول في الطاقة.




أضاف أن حكومته مهتمة بتوقيع مذكرات تفاهم متعلقة بالتعدين كونها تحتاج إلى تمويلات ضخمة لاستغلال المعادن التي تتمتع بوفرتها في أراضيها، مثل الليثيوم والنحاس والكوبالت والنيكل، ونوّه بأن فتح مكتب لشركة “معادن” السعودية في ساو باولو سيمكنها من اكتشاف العديد من الفرص الأخرى في البرازيل. 

أبرمت المملكة، منتصف 2023، أول صفقة تعدين كبرى بشراء حصة تبلغ 10% في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة “فالي” (Vale SA) البرازيلية بقيمة 2.6 مليار دولار، وذلك من خلال مشروع مشترك بين “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي وشركة التعدين العربية السعودية “معادن”. 

تسعى السعودية إلى الاستحواذ على حصص أقلية في أصول تعدين عالمية، والتي ستساعد بمرور الوقت على توفير الوصول إلى إمدادات المعادن الاستراتيجية. كما تتطلع المملكة إلى بناء صناعة لمعالجة المعادن يمكن أن تجعلها بدورها أكثر جاذبية لشركات التعدين الدولية للاستفادة من مواردها المعدنية.

اهتمام ماليزيا وباكستان

من جهته، رأى وزير الموارد الطبيعية والبيئة والتغير المناخي في ماليزيا نك نظمي نك أحمد، خلال حديث لـ”الشرق” على هامش المؤتمر أن فرص التعاون بين بلاده والسعودية في قطاع التعدين ضخمة، لكنها لم تستكشف بعد. وقال إن التعاون الاقتصادي طويل الأمد والشراكات المشتركة بين البلدين يمكن البناء عليها لاستغلال الفرص الكامنة في قطاع التعدين.

وفي دولة آسيوية أخرى، ترى باكستان السعودية كشريك هام في قطاع التعدين. حيث دعا وزير البترول الباكستاني مصدق مسعود مالك، خلال مقابلة مع “الشرق”، السعودية للاستثمار في أنشطة الاستكشاف والتعدين والمعالجة في بلاده التي قال إنها تحتوي على احتياطيات كبيرة من الذهب والنحاس.




50 ألف كيلومتر مربع

تعتزم السعودية الترويج لفرص استكشاف المعادن على مساحة تصل إلى 50 ألف كيلومتر مربع هذا العام، بحسب ما قاله وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف في افتتاح المؤتمر. وأضاف أن برنامج المملكة لتمكين الاستكشاف التعديني دعم بالفعل شركات التنقيب لحفر أكثر من 440 ألف متر مربع. 

كانت 4 شركات، صينية وهندية وأسترالية وسعودية، تأهلت إلى جانب تحالف كندي للمنافسة على رخص للتنقيب عن المعادن الأساسية والثمينة، في أول “أحزمة متمعدنة” من نوعها في السعودية، في موقعين غرب وجنوب المملكة، في تهافت واضح على دخول قطاع التعدين النشط في البلاد، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية في نوفمبر من العام الماضي.

شدد الوزير الخريف على تزامن التوسع في قطاع التعدين في المملكة مع الاهتمام العالمي الكبير بالمجال، وقال إن ذلك نابع من الحاجة إلى التحول في الطاقة، بالإضافة إلى التقدم التكنولوجي.

كما أشار إلى أن المملكة لا تتعامل مع القطاع كنشاط مستقل وإنما تتبنى نظرة شاملة لكامل سلسلة التوريد والتي تمتد من استخراج المعادن إلى التكرير وإعادة التدوير، موضحاً أن الاستثمار اليوم يجب ألا يقتصر على أنشطة الاستخراج بل يجب أن يشمل البنية التحتية. 

السعودية منصة للترويج

نجحت المؤتمرات التي تنظمها السعودية في جعلها منصة مهمة للدول للترويج لإمكاناتها في مجالات اقتصادية عدة، من بينها التعدين والجمع بين المستثمرين وأصحاب الفرص. 

في هذا الصدد، قال أحمد أبو هيسة، وزير الصناعة والمعادن بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، إن حضور مثل هذه المحافل تفتح الآفاق لحكومته للتواصل مع العالم الخارجي وإبرام اتفاقات تقود لبدء مشاريع استثمارية كبرى في مجال التعدين.




وأضاف أن وزارته لديها خطة استراتيجية طموحة، لكنها تحتاج إلى الربط والتشبيك مع الدول والشركات العالمية التي تتمتع بخبرة كبيرة في مجال التعدين. مشيراً إلى أن ليبيا، التي تتمتع بكميات هائلة من الموارد الطبيعية، تحتاج إلى التقنية الحديثة والاستثمارات في برامج التنقيب والتصنيع، إضافةً إلى سلاسل إمداد تربط المناجم ومواقع التعدين في مناطق ليبيا البعيدة بالساحل، حيث يمكن تصدير المعادن والمواد المصنعة إلى الأسواق الخارجية.  

كذلك، قال يوليوس ماتاي، وزير المناجم والموارد المعدنية السيراليوني، إن قطاع التعدين هو عماد الاقتصاد في بلاده منذ عقود، حيث يتوقع أن تصل صادرات القطاع العام الماضي إلى 1.2 مليار دولار، الحصة الأكبر منها لصادرات خام الحديد.




ذكر ماتاي، في مقابلة مع “الشرق”، أن صادرات القطاع أغلبها أولية وليست مصنعة، وقال إن مشاركته في مؤتمر التعدين في السعودية يأتي في إطار اهتمام بلاده بزيادة سلة المعادن مثل الليثيوم والنيكل والغرافيت والكوبالت وخلق القيمة المضافة محلياً.

تجربة الفوسفات في المغرب

أهمية قطاع التعدين تبرز بشكل واضح في تجربة المغرب، حيث قالت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في مقابلة مع “الشرق” إن “نعمة الفوسفات مكنت المملكة من المساهمة في الأمن الغذائي ودعم التحول الاقتصادي”. وأضافت أن “مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP)، المملوكة للدولة، هي أكثر من صانع فوسفات بل فاعل اقتصادي جد مهم، وتساهم أيضاً في إنتاج الطاقة النظيفة ضمن برنامج استثماري ضخم بأكثر من 13 مليار دولار.




يستحوذ المغرب على 70% من احتياطات العالم من الفوسفات، ويعتبر القطاع التصديري الثاني للمغرب بعد قطاع السيارات.

ذكرت الوزيرة أن قطاع التعدين مهم لتنفيذ استراتيجيات التحول الطاقي، بفضل عدد من المعادن الحرجة التي تدخل ضمن صناعة الطاقة النظيفة وشبكات نقل الكهرباء. وقالت إن “الجانب الأهم في هذا القطاع هو استعمال المعادن بطريقة مستدامة بيئياً واجتماعياً واقتصادياً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *