مهلاً.. حظر بايدن للتنقيب عن النفط البحري مجرد سياسة
إذا حظر رئيس على وشك مغادرة منصبه حقلاً نفطياً في عرض البحر لم يكن من المتوقع التنقيب فيه أصلاً، فهل يعبأ أحد؟ ربما الكونغرس.
بدأ الرئيس جو بايدن آخر أسبوعين له في منصبه بحظر غير محدود لتطوير النفط والغاز على امتداد 625 مليون فدان من المياه الفيدرالية قبالة السواحل الشرقية والغربية وخليج المكسيك، بالإضافة إلى السواحل قبالة ألاسكا.
وفقاً لتقديرات “كليرفيو إنرجي بارتنرز” (ClearView Energy Partners) المستندة إلى تقييم مكتب إدارة طاقة المحيطات الصادر في عام 2021، تمثل هذه المناطق حوالي 40% من موارد النفط والغاز القابلة للاسترداد اقتصادياً وغير المكتشفة على الجرف القاري الخارجي للولايات المتحدة. يبلغ ذلك نحو 14.2 مليار برميل من النفط المكافئ المحتمل، ويُعتقد أن يشكل النفط حوالي 90% منها. إذا تأكد وجودها بالفعل، فستزيد الاحتياطيات المؤكدة للولايات المتحدة بنحو 10%.
هذا ليس تغييراً جذرياً، لكنه لا يزال يمثل كمية كبيرة من الخام المفقود، نظرياً. أقر مكتب إدارة طاقة المحيطات بأنه استند إلى بيانات قليلة في العديد من المناطق البحرية عند وضع تلك التقديرات.
الأهم من ذلك، لدينا بيانات فعلية من جولات التأجير السابقة؛ حيث قامت الحكومة الفيدرالية دورياً ببيع حقوق التنقيب، خاصة في الجزء الغربي والأوسط من خليج المكسيك وبالقرب من ألاسكا.
تشير هذه البيانات إلى أن صناعة النفط والغاز تجاوزت بالفعل المياه البحرية الفيدرالية منذ سنوات، رغم الإمكانيات الظاهرة.
تسارع إصلاحات تأجير مساحات النفط
الزيادة الكبيرة في المساحات المعروضة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي تعكس تسارع إصلاحات التأجير في عهد إدارة رونالد ريغان، في إطار توجه “الحفر بأي ثمن” عقب أزمة النفط الثانية.
لكن ذلك جاء قبل انهيار أسعار النفط في عام 1986، ومنذ ذلك الحين تراجعت نسبة المساحات المؤجرة فعلياً، إلى جانب إجمالي العروض المالية والسعر المقدم لكل فدان، مع بعض الزيادات المؤقتة عند ارتفاع أسعار الطاقة.
على الرغم من جهود الرئيس المنتخب دونالد ترمب لدعم سياسة “الحفر بأي ثمن” خلال ولايته الأولى عبر مزادات كبيرة، لم يتم تأجير سوى أقل من 1% من المساحات المعروضة، وهي نسبة أقل من تلك التي شهدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
كل هذا دليل إضافي على أن الرؤساء قد يؤثرون بالفعل في سياسات الطاقة بطرق ملموسة، إلا أن صناعة النفط والغاز تخضع لعوامل أخرى، وغالباً ما تكون أكثر تأثيراً.
فقد تمحورت النهضة في صناعة النفط والغاز الأميركية، التي جعلتها مرة أخرى أكبر منتج في العالم، حول طفرة النفط الصخري خلال العقدين الماضيين. وجد المنتجون نمواً ودورات حفر قصيرة وأرباحاً لاحقاً في الأحواض البرية، خاصة في تكساس ونيو مكسيكو وعلى أراضٍ خاصة، وليست فيدرالية. لذا ليس من المستغرب أن يتراجع الاهتمام بمناطق مثل المياه العميقة في خليج المكسيك، التي تتطلب تكاليف استثمارية ضخمة، ومخاطر عالية، مع جداول تطوير تمتد لأكثر من عقد.
من الواضح أن بايدن أبطأ عملية تأجير المناطق البحرية، لكن ذلك لم يمنعه من الإشراف على إنتاج قياسي للنفط والغاز في الولايات المتحدة. وبالمثل، فإن إغلاقه المزيد من المساحات البحرية للتنقيب لن يكون له تأثير ملموس كبير على اتجاه الإنتاج في المستقبل. هذه الخطوة تُعد في الأساس رمزية لبناء إرث يرضي المؤيدين التقدميين، ولكنه قد يُعقّد الأمور بالنسبة لمن يخلفه.
تعقيد الأمور
التعقيد يتعلق بمحاولة ترمب خلال ولايته الأولى إلغاء حظر مشابه فرضه أوباما على المياه القطبية. تم منع ترمب من قبل قاضٍ فيدرالي استناداً إلى أن قانون الأراضي في الجرف القاري الخارجي لعام 1953 يفتقر إلى آلية تسمح للرؤساء بإلغاء الحظر الدائم الذي أقره أسلافهم.
لم يتم الطعن على هذا الحكم في محكمة الاستئناف، لكن المنطق الذي استند إليه قد يشكل عقبة أمام أنصار التفسير الأصلي للقوانين في المحكمة العليا. وبالتالي، قد يعتمد إلغاء قرار بايدن الأخير على الكونغرس.
نظراً للأغلبية الضئيلة للجمهوريين في مجلس النواب، وافتقارهم إلى أغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ لتجاوز التعطيل، فمن المرجح أن يتضمن أي تحرك من الكونغرس نقطتين.
أولاً، قد يكون التراجع عن حظر بايدن انتقائياً، حيث إن العديد من الأعضاء يمثلون مناطق ساحلية أو ولايات، سواء كانت معاقل للحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لا ترغب في وجود منصات التنقيب قبالة سواحلها.
ثانياً، قد يعني ذلك استخدام إجراء توافق حول الميزانية بأغلبية بسيطة، تماماً كما فعل الديمقراطيون لتمرير التشريع البيئي الأهم لبايدن، وهو قانون خفض التضخم.
في هذا السياق، يطرح محللو “كليرفيو” احتمالاً مثيراً، مفاده أن إلغاء حظر بايدن وإلزام المزيد من المزادات قد يتماشى ليس فقط مع أجندة ترمب المتمثلة في الهيمنة على قطاع الطاقة، بل قد يعد أيضاً بدفعات مستقبلية من عقود الإيجار الفيدرالية للمساعدة في تعويض التخفيضات الضريبية الموعودة.
قد لا تتحقق هذه المبالغ في النهاية، نظراً للتاريخ والواقع بأن ترمب يعد أيضاً بخفض تكاليف الطاقة (السعر المنخفض في محطة الوقود يعني ميزانية استثمارية أقل للمنتجين).
ومع ذلك، قد تكون هذه النتيجة ذات دلالة رمزية: نفط افتراضي محظور من قبل رئيس يُعاد إقراره من قبل خصمه سعياً وراء دفعات مالية وهمية. سواء تم إنتاجه أو كان موجوداً بالفعل، فإن هذه المليارات من البراميل لها المجالات التي يمكن استخدامها فيها.