اخر الاخبار

تحركات ترمب قبيل تنصيبه تقلب موازين السياسة العالمية

تبدأ ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بعد نحو شهر، لكن تصريحاته تُحدث تأثيرات قوية على المستوى العالمي. أشعلت تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية أزمة وزارية في كندا، أثرت سلباً على استقرار رئيس الوزراء جاستن ترودو في منصبه.  

في أوروبا، ساهمت المخاوف من التعريفات الجمركية في زيادة الضغوط على الحكومات الأوروبية التي تعاني بالفعل من مشاكل أو ضغوط. كما يتسابق القادة الحلفاء لإيجاد طرق  لاستمرار تقديم الدعم إلى أوكرانيا، بينما يسعى ترمب إلى التوصل إلى اتفاق سريع لإنهاء حرب روسيا على أوكرانيا. 

احتمال إجراء محادثات يدفع كلا الجانبين إلى تكثيف القتال على أرض المعركة، إذ تستخدم موسكو صواريخها الأكثر تطوراً، كما تنفذ كييف عمليات في العاصمة الروسية عبر اغتيال جنرال، في خطوة جريئة من الجانب الأوكراني. 

في الشرق الأوسط، يسعى القادة الحلفاء الذين تربطهم علاقة طيبة مع ترمب في إسرائيل وتركيا لتحقيق مكاسب، بينما تعاني إيران، التي تُعد هدفاً دائماً للرئيس المنتخب، من النكسات التي لحقت بوكلائها مثل “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في غزة، ومن السقوط المفاجئ للرئيس الذي دعمته في سوريا بشار الأسد. 

الصين، التي لم تكن هدفاً رئيسياً لتعليقات ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي بعد الانتخابات حتى الآن، تتخذ خطوات لحماية مصالحها التجارية استعداداً لما يُتوقع أن يكون هجوماً من جانب الإدارة الجديدة. 

“العمل يسير حسب النهج الذي يفضله ترمب ونريد إنجاز الأمور بسرعة”، حسبما قال كيث كيلوج، الجنرال المتقاعد الذي عينه ترمب مبعوثاً خاصاً له إلى أوكرانيا وروسيا، لقناة “فوكس بيزنس” في 18 ديسمبر، بينما كان يستعد لأول زيارة إلى المنطقة، حتى قبل التنصيب. مضيفاً: “لقد قطع وعوداً أثناء الحملة الانتخابية، وسنفي بها”.

في حين أنه من المألوف أن يسعى القادة السياسيون في الداخل والخارج لكسب اهتمام الرئيس القادم، إلا أن نطاق نفوذ ترمب قبل توليه مهام منصبه هائل.  

قال ترمب خلال فعالية في فينيكس بولاية أريزونا يوم الأحد: “التغيير أو التأثير الإيجابي يمتد إلى جميع أنحاء العالم وليس في الولايات المتحدة فقط”. 

جاء ذلك بعد أن حذر بنما من أن الولايات المتحدة تعترض على الرسوم المفروضة على استخدام القناة، وأنها تشعر بالقلق إزاء النفوذ الصيني المتزايد على القناة، حتى أنه ذهب إلى حد القول إنه قد يطالب بعودتها إلى السيطرة الأميركية. ورد رئيس بنما نما خوسيه راؤول مولينو  بأن سيادة بلاده على القناة غير قابلة للتفاوض. 

على الصعيد المحلي، أمضى ترمب الأسبوع الماضي في توجيه المحادثات بشأن مشروع قانون الإنفاق لتجنب إغلاق الحكومة. 

قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن صانعي السياسات النقدية شرعوا  يأخذون في الحسبان بعض التحركات المحتملة للرئيس المنتخب، مثل الرسوم الجمركية. شهدت أسواق الأسهم الأميركية وأسعار عملة بتكوين انتعاشاً منذ الانتخابات، ويحب ترمب أن ينسب الفضل لنفسه في الصعود. في هذه الأثناء، اختفى الرئيس جو بايدن تقريباً من المشهد السياسي والإعلامي. 

بالنسبة للعالم، فإن الاضطرابات (السياسية والاقتصادية) بمثابة لمحة عمّا قد يحدث في ولاية ترمب الجديدة، إذ يعمل الرئيس القادم على تنفيذ سياسته “أميركا أولاً” من دون العديد من القيود التي كانت تحد من تحركاته خلال ولايته الأولى. تتصاعد القوى الشعبوية في العديد من الدول، إذ يسعى حلفاء ترمب إلى تحدي القادة التقليديين في تلك البلدان، (متبنين نهجاً شعبوياً يتماشى مع سياسات ترمب “أميركا أولاً”). 

بعد نشر سلسلة من التغريدات بشكل مكثف أثرت على محادثات بشأن مشروع قانون الإنفاق في واشنطن، وجه الملياردير إيلون ماسك المقرب من ترمب اهتمامه يوم الجمعة نحو قضايا أوروبية، إذ أيد “حزب البديل من أجل ألمانيا” من أقصى اليمين باعتباره السبيل الوحيد “لإنقاذ ألمانيا”. 

تلقى ماسك انتقاداً من جانب المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يواجه صعوبات، ويتجه إلى انتخابات مبكرة في فبراير مع تراجع الدعم لحزبه، وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية. زاد ماسك الضغط يوم السبت، داعياً شولتس للاستقالة بعد وقوع قتلى في حادث استهدف سوق عيد الميلاد بمدينة ماغديبورغ الألمانية يوم الجمعة الماضي.  

في المملكة المتحدة، أدى صعود ترمب إلى تعزيز موقف نايجل فاراج زعيم حزب “الإصلاح” الشعبوي في المملكة المتحدة، الذي التقى ماسك في منتجع ترمب في بالم بيتش، فلوريدا. ويدرس أعضاء البرلمان في المملكة المتحدة تعديل قواعد التبرعات لمنع ماسك من التدخل أو التأثير على الأمور السياسية في بلادهم. 

التحديات أو المخاطر ربما تكون في أعلى مستوياتها بالنسبة لأوكرانيا، بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على بدء الحرب الروسية، في ظل مؤشرات على تراجع دعم الحلفاء لكييف. 

لا يعِد ترمب بإبرام اتفاق لإنهاء القتال حتى قبل توليه منصبه كما فعل أثناء الحملة الانتخابية، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تخلى بالفعل عن مطلبه السابق بأن تتنازل روسيا عن كل الأراضي التي استولت عليها بموجب أي اتفاق لوقف إطلاق النار. 

أجرى شولتس المستشار الألماني، أول محادثات مباشرة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عامين الشهر الماضي، مما أثار انتقادات شديدة من جانب زيلينسكي. حتى الآن، يسعى فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر -وهو مؤيد لبوتين الذي يحبه ترمب- للقيام بدور الوساطة. يوم الأحد، ترك ترمب الباب مفتوحاً أمام لقاء زعيم الكرملين، الذي قال إنه “(بوتين) يريد مقابلتي في أقرب وقت ممكن”. 

قال شولتش هذا الشهر إنه “واثق من القدرة على تطوير استراتيجية مشتركة من أجل أوكرانيا”. وقد استمر في الامتناع عن تقديم صواريخ “تاوروس” بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وهذا القرار يتعارض مع سياسة بايدن بشأن الدعم العسكري لأوكرانيا، وهي سياسة يعتقد ترمب أنها خاطئة.

أجرى رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر محادثات هاتفية مع ترمب، واختار بيتر ماندلسون، وهو شخص مخضرم في حزب العمال ومتخصص في شؤون التجارة، سفيراً لدى واشنطن. وقد أثار هذا الاختيار انتقادات من جانب مدير حملة ترمب السابق، كريس لاكيفيتا، الذي وصف ماندلسون بأنه “أحمق بشكل مطلق”. 

كما عزز وصول ترمب الوشيك إلى البيت الأبيض من موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. اتخذ نتنياهو موقفاً متوافقاً مع ترمب، الذي يواجه ضغوطاً سياسية أقل من تلك التي واجهها بايدن بسبب عدد الضحايا نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة.

كما أرسل نتنياهو قوات إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. وتُوسّع تركيا، التي يُعد زعيمها أحد حلفاء ترمب، نفوذها في سوريا من خلال الجماعات التي تدعمها.

قالت مورغان أورتيغوس، المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأميركية خلال ولاية ترمب الأولى، لتلفزيون “بلومبرغ”: “جميع القادة في الشرق الأوسط يعرفون الرئيس السابق، والآن هو الرئيس المنتخب، ويعرفون فريقه، لذا فإنها لحظة فريدة في التاريخ، حيث يوجد رئيسان ويعمل معهما فريقان لوقف إطلاق النار في نفس الوقت”، في إشارة إلى المحادثات بشأن الاتفاق في غزة.

في الهند، تزامن وصول ترمب مع استعداد ناريندرا مودي، الذي يشعر بثقة أو جرأة أكبر في سياسته، لاستضافة بوتين لأول مرة منذ الحرب الروسية على أوكرانيا. ومودي هو أحد قادة العالم الذين سعى ترمب إلى بناء علاقات معهم من خلال الثناء وإظهار الصداقة. 

شرعت الصين في بذل جهود دبلوماسية منسقة تهدف إلى تحسين العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، قبل عودة ترمب، في حين تستعد أيضاً لأدوات حرب تجارية محتملة في شكل فرض قيود على صادرات المعادن شديدة الأهمية إلى الولايات المتحدة، كما ترسل إشارات لتحسين العلاقات مع كل من اليابان والهند.

قال جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “خلال عام 2016، كان هناك شعور دائم بعدم اليقين والقلق”. وأضاف: “أما الآن، فلدينا مجموعة بيانات قوية نسبياً حول سلوك ترمب، وكيف ردت الدول الأخرى إزاء قراراته، مما سمح بتقييم ما الذي كان ناجحاً وما الذي كان غير فعال أثناء فترة رئاسته”. 

لكن القادة يدركون بالفعل أن الاستراتيجيات المصممة بعناية للتعامل مع الرئيس القادم لا تسير دائماً كما هو مخطط لها. 

بعد أن هدد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا، سافر ترودو إلى منتجع ترمب في فلوريدا لمحاولة حل المسألة بشكل غير رسمي خلال تناول العشاء. 

ثم قدم ترودو خطة لأمن الحدود لتهدئة مخاوف ترمب (على الرغم من أن المسؤولين الكنديين يقولون إن تدفقات المهاجرين عبر الحدود ضئيلة). 

وصف معسكر ترمب ذلك بأنه انتصار مبكر. وقالت كارولين ليفات، السكرتيرة الصحفية القادمة له، في برنامج “صاندي مورنينغ فيوتشرز” (Sunday Morning Futures) على قناة “فوكس نيوز”: “الرئيس ترمب بدأ في اتخاذ إجراءات وقرارات تُظهر أنه يؤدي دوره قبل أن يتولى المنصب رسمياً”.  

من جانبه، لم يقدم ترمب أي تنازلات، وقضى الأسابيع التي تلت العشاء في السخرية من ترودو، مقترحاً أن تصبح كندا الولاية رقم 51 للولايات المتحدة، كما أبدى استيائه من اختلال التوازن التجاري بين البلدين. 

الآن، أصبحت حكومة ترودو مهددة بعد استقالة أبرز مساعديه (وزيرة المالية كريستيا فريلاند)، وأشارت في خطاب استقالتها إلى وجود خلافات حول الإنفاق وكيفية الاستعداد لحرب تجارية محتملة مع ترمب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *