ما أسباب الخلاف في مفاوضات معاهدة البلاستيك العالمية؟
لم يكن يوم الإثنين في بوسان الكورية الجنوبية عادياً، مع استضافة المدينة المُطلة على بحر اليابان مفاوضاتٍ تهدف للتوصل إلى معاهدة عالمية للحد من التلوث البلاستيكي، في وقتٍ تؤشر التصريحات الواردة من هناك إلى وجود اختلافات كبيرة بين المشاركين.
ظهرت نقاط الخلاف بوضوح منذ انطلاق الدورة الخامسة من المفاوضات، التي يُفترض أن تستمر حتى 1 ديسمبر، إذ اعتبرت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة خلال مؤتمر صحفي: “لا أتوقع أن تكون المفاوضات سهلة”. وتلعب الأمم المتحدة دور الوسيط بين الأطراف المعنية.
تتمثل إحدى أبرز نقاط الخلاف في تحديد ما إذا كان سيتم فرض قيود مُلزمة على فئات معينة من المواد الكيميائية وإنتاج البلاستيك، أو الاكتفاء بحزمة تمويل لتحسين جمع النفايات وإعادة التدوير.
بالإضافة إلى هذه القضية، هناك بعض النقاط التي لا تزال دون معالجة. أبرزها إلزامية المعاهدة، إذ تُطالب بعض الدول، خصوصاً المنتجة للبلاستيك، بأن تكون الحلول طوعية، بدلاً من إلزامية، وفق فرح الحطاب، مسؤولة الحملات في “غرينبيس” الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتصريح لـ”الشرق”.
وجهات النظر
الحطاب أشارت أيضاً إلى أن بعض الدول المنتجة تعارض بشدة القيود التي قد تؤثر على اقتصاداتها، معتبرةً أنها تواجه تحديات كبيرة في التحول نحو اقتصاد منخفض البلاستيك.
وشددت على أن أي معاهدة شاملة عليها الأخذ بعين الاعتبار “توفير آليات تعويض لهذه الدول”. وعلى سبيل المثال، يمكن دعم الدول المنتجة للاستثمار في الطاقة المتجددة كبديل مربح ومستدام، ومساعدة هذه الدول في تنويع اقتصاداتها من خلال تطوير صناعات أخرى مثل التكنولوجيا الخضراء أو السياحة المستدامة، فضلاً عن إنشاء صناديق دولية داخل المعاهدة لتقديم دعم مالي وتقني للدول المتضررة.
من جهتها، ترى الدول المؤيدة للمعاهدة وخصوصاً تلك المتضررة من النفايات البلاستيكية، ضرورة في الوصول إلى اتفاقية ملزمة، تهدف إلى تنظيم المواد الكيميائية الخطرة، والتخلص التدريجي من المنتجات البلاستيكية الأكثر تلويثاً مثل أدوات المائدة. كما تطالب هذه الدول أيضاً بدعم مالي وتقني لتطبيق السياسات المطلوبة.
وكمثال على حجم الضرر الذي يمكن أن تتعرض له هذه الدول، أدى تراكم النفايات في جمهورية الكونغو الديمقراطية هذا الشهر، إلى إغلاق سد لتوليد الطاقة الكهرومائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي.
الصين وأميركا أكبر المنتجين
يُنتج العالم كميات ضخمة من البلاستيك سنوياً، إذ تفيد بيانات “بولي غلوب” (Polyglobe) بأن الصين تُعد أكبر منتج في العالم، بقدرة بلغت 222.1 مليون طن خلال العام الجاري، في حين أن الولايات المتحدة التي جاءت في المرتبة الثانية أنتجت 92.7 مليون طن من البلاستيك.
أما دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، فأنتجت مجتمعةً 83.1 مليون طن من البلاستيك، لتحتل المرتبة الثالثة، وفق “بلومبرغ”.
المشكلة لا تتمثل في حجم الإنتاج فقط، إذ يتم استخدام حوالي نصف المواد البلاستيكية الجديدة مرة واحدة فقط، ثم يتم التخلص منها، في حين أن إعادة التدوير على مستوى العالم لم تتجاوز 9.5% من إجمالي البلاستيك المنتج.
لا تقف المعضلة هنا، إذ تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن إنتاج البلاستيك سيرتفع بنحو 60% إلى 736 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040. وفي ظل غياب عمليات التدوير والاستخدام الكثيف للبلاستيك، فإن زيادة الإنتاج من شأنها أن تضاعف كميات النفايات البلاستيكية، ما يزيد من “التهديد الذي يشكله التلوث البلاستيكي على البيئة والإنسان”، وفق الحطاب.
حقائق
*تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن إنتاج البلاستيك سيرتفع بنحو 60% إلى 736 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040.
*في عام 2023، بلغت قيمة سوق البلاستيك العالمية 712 مليار دولار أميركي، وفق بيانات موقع “ستاتيستا”.
*من المتوقع أن تنمو سوق البلاستيك في السنوات القادمة لتصل إلى أكثر من تريليون دولار أميركي بحلول عام 2033.
واعتبرت المسؤولة في “غرينبيس” أن هذه “النفايات أصبحت في المحيطات، والتربة، والهواء، وحتى في أجسامنا”، وفقاً لدراسات عدة. كما وجدت دراسة حديثة أن جزيئات البلاستيك المتطايرة، يمكن أن تؤثر حتى على تكوين السحب وتؤدي إلى هطول أمطار غزيرة، وفق “بلومبرغ”.
يعود كلام الحطاب بالذاكرة إلى عام 1997، حيث اكتشف القبطان تشارلز مور خلال إبحاره في المحيط الهادئ، كميات هائلة من النفايات البلاستيكية العائمة، أصبحت تُعرف باسم “بقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ”. ومنذ ذلك التاريخ، تمكن العلماء من إيجاد عدة بقع أخرى، بينها واحدة بالقرب من كوريا الجنوبية، أُطلق عليها “بقعة النفايات الغربية”.
4 جولات سابقة
سبق أن أُقيمت 4 جولات من المفاوضات، حيث كان هناك توافق بين الدول على ضرورة التعامل مع دورة حياة البلاستيك بالكامل، بما يشمل الإنتاج والاستهلاك، وإدارة النفايات.
لا تستطيع “غرينبيس” الجزم بأن هذه الجولة ستكون الأخيرة، خصوصاً في ظل نقاط الخلاف بين الدول، ما يعني إمكانية “تمديد المفاوضات أو عقد جولات إضافية”، على رغم أن “التأخير سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، مما يجعل الحاجة إلى التوصل إلى اتفاقية قوية وفعالة أكثر إلحاحاً”.
هل تشكل المعاهدة حلاً؟
يمكن أن تكون المعاهدة العالمية بشأن البلاستيك فعّالة في معالجة الأسباب الجذرية للتلوث البلاستيكي، إذا “تم تضمين مجموعة من الأهداف الطموحة والإلزامية التي تهدف إلى الحد من التلوث بشكل جذري”، وفق الحطاب التي أشارت إلى ضرورة أن تسعى المعاهدة لـ”تقليص إنتاج البلاستيك بنسبة لا تقل عن 75% بحلول عام 2040”.
وأضافت أن المعاهدة يجب أن “تتضمن آليات تمويل واضحة لدعم الدول النامية في تنفيذ الإجراءات المطلوبة، خاصة تلك التي تعاني من نقص الموارد والقدرات التقنية”، فضلاً عن إنشاء “آليات رقابة وتنفيذ فعّالة لضمان التزام الدول والشركات بالمعايير المتفق عليها”.
القطاع الخاص والإجراءات الأحادية
نظراً لارتباط هذا القطاع بالشق الاقتصادي بشكل كبير، فإن دور القطاع الخاص يُعتبر حيوياً لحل هذه الأزمة وطرح الحلول الممكنة لها.
في عام 2023، بلغت قيمة سوق البلاستيك العالمية 712 مليار دولار أميركي، وفق بيانات موقع “ستاتيستا”. ومن المتوقع أن تنمو سوق البلاستيك في السنوات القادمة لتصل إلى أكثر من تريليون دولار أميركي بحلول عام 2033.
الحطاب اعتبرت أن الشركات الكبرى “مسؤولة عن جزء كبير من الإنتاج غير المستدام للبلاستيك، مما يجعل إشراكها في الحل أمراً حتمياً. وشددت على ضرورة أن تلتزم بخفض إنتاج البلاستيك أحادي الاستخدام، وتبني حلول مستدامة، والاستثمار في تطوير بدائل صديقة للبيئة، سواء كانت مواد قابلة للتحلل أو أنظمة تعبئة وتغليف قابلة لإعادة الاستخدام.
من جهة ثانية، فإنه في ظل عدم التوافق على معاهدة خلال السنوات الماضية، لجأت بعض الدول المتضررة، مثل الفلبين، إلى إجراءات أحادية الجانب في محاولة لمعالجة هذه الأزمة لديها.
الحطاب أشارت إلى أن هذه الإجراءات قد تكون فعالة، ولكن تأثيرها “محدود” على المستوى العالمي، نظراً إلى أن الأزمة لم تعد محلية أو إقليمية فقط.