من يقف وراء مخطط Aurora لتهجير فلسطينيي غزة؟

كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن مجموعة بوسطن للاستشارات الأميركية، وضعت نماذج لتكاليف “تهجير الفلسطينيين من غزة”، ووقعت عقداً بعدة ملايين من الدولارات للمساعدة في تنفيذ مشروع حمل اسم “أرورا” (Aurora)، لتهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع، قبل أن تنسحب من المشروع وتفصل اثنين من كبار الشركاء، بعد الكشف عن عملها على خطط بشأن مستقبل غزة بعد الحرب الإسرائيلية.
الصحيفة البريطانية ذكرت أنها أجرت تحقيقاً كشف عن أن شركة الاستشارات الأميركية ساهمت في تأسيس “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، ودعمت شركة أمنية مرتبطة بها، لكنها تخلت عن المشروع الذي قتلت إسرائيل من خلاله المئات من الفلسطينيين أمام مراكز توزيع المساعدات، وقامت بطرد اثنين من الشركاء في الشركة الشهر الماضي.
وأفاد عدة أشخاص مطلعين الصحيفة أن دور شركة الاستشارات المعروفة اختصاراً بـ(BCG) كان أكبر بكثير مما أعلنته، إذ أشاروا إلى أنه امتد لنحو 7 أشهر، بعقد بلغت قيمته 4 ملايين دولار.
كما أوضحوا أن أكثر من 10 أشخاص من الشركة انخرطوا بشكل مباشر في المشروع الذي حمل الاسم الكودي “أرورا” Aurora (الشفق القطبي)، بين أكتوبر 2024 إلى نهاية مايو الماضي.
وذكرت الصحيفة أن مسؤولين كباراً في شركة بوسطن للاستشارات، بمن في ذلك رئيس قطاع إدارة المخاطر في الشركة، ورئيس قطاع التأثير الاجتماعي، كانوا منخرطين في المشروع.
إغراءات مالية
“فاينانشيال تايمز” أشارت إلى أن فريق الشركة بنى النموذج المالي لعملية إعادة إعمار غزة بعد الحرب، والذي تضمن كلفة تقديرية لـ”إعادة توطين” مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج القطاع، والتأثير الاقتصادي لتهجير بهذا الحجم.
وقدّر أحد السيناريوهات أن أكثر من نصف مليون من سكان غزة سيغادرون القطاع بـ”حزم لإعادة التوطين”، قدرها 9 آلاف دولار لكل شخص، أو نحو 5 مليارات دولار في المجمل.
واعترفت “بوسطن للاستشارات” بأن مسؤولين كباراً في الشركة “تم تضليلهم” بشأن نطاق العمل الذي يقوم به كبار الشركاء الذين يديرون المشروع.
“بوسطن للاستشارات”: نتبرأ من هذا العمل
بشأن العمل على خطة غزة ما بعد الحرب، أكدت “بوسطن للاستشارات” أنه “تم إبلاغ الشريك الأساسي في المشروع (لغزة) برفض قاطع، وخالف توجيهاتنا، ونحن نتبرأ من هذا العمل”.
وتدير مؤسسة غزة الإنسانية 4 مراكز لتوزيع المساعدات في غزة، وتبتعد عن النماذج التقليدية لتوزيع المساعدات، وتعتمد نظاماً عسكرياً يديره متعاقدون أمنيون أميركيون، تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، وهو ما تزعم إسرائيل أنه ضروري لـ”منع المساعدات من الوصول إلى حماس”.
وأعلنت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عن تخصيص 30 مليون دولار كتمويل للمؤسسة، التي لا يزال الغموض يحيط بمصادر تمويلها.
بينما وصفت الأمم المتحدة “مؤسسة غزة الإنسانية”، بأنها “ورقة التوت” التي تخفي أهداف حرب إسرائيل، كما رفضت مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية العمل معها.
ومنذ بدء مؤسسة غزة الإنسانية عملها في القطاع في مايو الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 600 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات من المراكز البعيدة عنهم.
ووصف 9 أشخاص على إطلاع بالمشروع الذي أعدته شركة بوسطن للاستشارات، كيف انخرطت الشركة المرموقة عالمياً بعمق في مخطط يناصره البيت الأبيض، لكنه يواجه رفضاً عالمياً.
لم تعلن “بوسطن للاستشارات” من قبل سوى عن القليل بشأن نطاق انخراطها في المشروع، ووصفت العمل الذي كانت تقوم به على أنه بدأ كمشروع بدون مقابل في أكتوبر 2024، للمساعدة في تأسيس مؤسسة الإغاثة، والتي كان يُفترض أن تعمل إلى جانب مؤسسات إغاثية أخرى.
وزعمت الشركة لاحقاً، أن هذا العمل تم “بدون إذن من قيادتها”، وسعت لإلقاء اللوم على “سوء تقدير” اثنين من كبار الشركاء بوحدتها الدفاعية في واشنطن.
الشركة قالت لـ”فاينانشيال تايمز” إن تحقيقها المستمر في الأمر، والذي يجري بواسطة شركة محاماة خارجية “أكد خيبة الأمل العميقة التي أعربنا عنها قبل أسابيع. لم يتم الإفصاح عن النطاق الكامل لهذه المشروعات، ولا حتى إلى قيادة الشركة”.
كما أفادت أن الأعمال التي تم تنفيذها كانت “بالمخالفة لسياساتنا وعملياتنا. أوقفنا العمل، وأخرجنا اثنين من كبار الشركاء، واللذين قادا المشروع من الشركة. لم نتقاض أي أموال، وبدأنا تحقيقاً مستقلاً”. مؤكدةً أنها “تتخذ خطوات لضمان عدم تكرار ذلك مطلقاً”.
CIA وغطاء توزيع المساعدات
بحسب “فايناشيال تايمز”، فإن التعاقد مع مجموعة بوسطن للاستشارات (BCG) تمّ في البداية من قِبل شركة تدعى “أوربس” (Orbis)، وهي شركة أمنية مقرها واشنطن، للمساعدة في إعداد دراسة جدوى لعملية مساعدات جديدة، وفق أشخاص مطلعين على العمل المجاني الأولي.
“أوربس” كانت تعد هذه الدراسة نيابةً عن مركز أبحاث إسرائيلي يدعى معهد تخليط (Tachlith).
ووفق مصادر الصحيفة فإن اختيار BCG كاستشاري للمشروع، جاء بسبب علاقتها طويلة الأمد مع فيل رايلي، العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، والذي كان يعمل لدى شركة “أوربس”.
وعمل رايلي كمستشار بدوام جزئي لدى وحدة الدفاع في شركة بوسطن للاستشارات، والتي تم طرد العسكريين السابقين، مات شلوتر، ورايان أوروداي، منها.
واستخدم رايلي مخططاً أولياً وضعه فريق شلوتر في نهاية عام 2024، لتأسيس شركة “الوصول الآمن للحلول” (Safe Reach Solutions) وهي الشريك الأمني لمخطط توزيع المساعدات الإنسانية.
مؤسسة غزة الإنسانية
تم إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية في محاولة لجمع تمويل للعملية من حكومات أجنبية. وبعد ذلك، انتقل فريق بوسطن للاستشارات، المؤلف من نحو 10 موظفين، إلى تقديم تخطيط أعمال أكثر تفصيلاً لمؤسسة غزة الإنسانية، والشريك الأمني الذي أسسه فيل رايلي (Safe Reach Solutions)، والمعروفة اختصاراً بـSRS.
وبحسب أشخاص مطلعين على القرار، وبحسب ملفه الشخصي على منصة “لينكد إن”، أنهى رايلي، دوره الاستشاري في الشركة، بعد أن أصبح عميلاً لدى بوسطن للاستشارات.
وقادت وحدة الدفاع في مجموعة بوسطن للاستشارات، هذا العمل، واعتمدت بشكل أساسي على موظفين من مكتب الشركة في واشنطن.
لكن المرحلة الأولى من العمل، والتي شملت المساعدة في إنشاء مؤسستي “غزة الإنسانية” GHF و”الوصول الآمن للحلول” SRS، تم تحميلها على قسم التأثير الاجتماعي في مجموعة بوسطن تحت إشراف مسؤول يدعى ريتش هاتشينسون، الذي خصص أكثر من مليون دولار، على عدّة دفعات، لتغطية ساعات العمل المجانية التي قدّمها مستشارو الشركة.
مصادر تمويل غامضة
تقول مؤسسة غزة الإنسانية إنها وزّعت حتى الآن أكثر من مليون صندوق مساعدات في غزة، أي ما يزيد عن 58 مليون وجبة. ومع ذلك، بقيت المصادر النهائية لتمويل المؤسسة وشريكها الأمني، غامضة، حتى بالنسبة لبعض أعضاء فريق بوسطن للاستشارات.
وفي مرحلة معينة، وتحديداً في أبريل الماضي، بدا أن التمويل قد جف، مما دفع العديد من المتعاقدين الأمنيين في SRS إلى العودة إلى بلدانهم.
لكن مع ضمان رسومها من قبل شركة ماكنالي، بقيت بوسطن للاستشارات في تل أبيب لمواصلة أعمال التخطيط.
وتم توقيع العقد الأولي مع شركة ماكنالي، في أوائل مارس، والتزمت بوسطن للاستشارات بموجبه بتقديم خدمات لمدة ثمانية أسابيع للمساعدة في بناء عمليات SRS، عبر فريق يضم ما لا يقل عن مستشارين اثنين على الأرض في تل أبيب، مقابل رسوم تجاوزت مليون دولار. وقد تم إدخال رمز مشروع جديد لهذا العمل في الأنظمة الداخلية للشركة.
ومنح مسؤولي إدارة المخاطر بالشركة، الموافقات على السفر، رغم أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مستوى في التسلسل القيادي وصلت تلك الموافقات. وبحسب أشخاص مطلعين على الاجتماعات، أجرى شلوتر محادثات مع مدير المخاطر في شركة بوسطن وهو آدم فاربر، في شهر مارس.
وفي منتصف مارس، سافر شلوتر من تل أبيب إلى باريس لحضور اجتماع قسم التأثير الاجتماعي لمناقشة المشروع، بحسب عدة مصادر.
في تل أبيب، كان مستشارو بوسطن للاستشارات يساعدون الشريك الأمني لغزة الإنسانية، SRS في تطوير الجانب التجاري من عملياتها، بما في ذلك تقديم المشورة بشأن كيفية نقل الإمدادات إلى مواقع التوزيع، وتقييم العروض المقدمة من متعهدين محتملين في مجالي البناء والأمن، وتوفير إرشادات مالية.
قطاع غزة بعد الحرب
“فاينانشيال تايمز” لففت إلى أنه رغم أن SRS لم تكن عميلاً تقليدياً، إلا أن نوعية هذه الخدمات كانت متوافقة مع الأعمال التجارية المعتاد لشركة بوسطن للاستشارات.
لكن فريق شلوتر بدأ في أبريل 2024 العمل على مشروع جانبي منفصل، وغير معتاد، وتم تنفيذه “من دون علم الإدارة العليا وبما يخالف تعليماتنا”، على حد وصف الشركة.
وكان عدد من الداعمين الإسرائيليين لمبادرة إنشاء “مؤسسة غزة الإنسانية”، يعملون أيضاً على مخطط لغزة في فترة ما بعد انتهاء الحرب، وكيف يمكن إعادة إعمارها.
نموذج مالي لتهجير الفلسطينيين
طلب الداعمون الإسرائيليون، من مجموعة بوسطن للاستشارات، إعداد نموذج مالي معقّد يمكن من خلاله اختبار مجموعة من السيناريوهات، بما في ذلك سيناريو يتم فيه “نقل أجزاء كبيرة من السكان الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة”.
وقبل ذلك بشهرين، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد اقترح إفراغ القطاع المدمر من سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون شخص، من أجل إعادة بنائه ليصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو مخطط شبّهته منظمات حقوقية ومسؤولون في الأمم المتحدة بالتطهير العرقي.
وتضمن “نموذج بوسطن” افتراضات بشأن تكاليف عمليات التهجير الطوعي لسكان غزة، وإعادة بناء المساكن المدنية، واستخدام نماذج تمويل مبتكرة مثل “ترميز” العقارات عبر تكنولوجيا البلوكتشين.
كما أتاح النموذج حساب احتمالات الناتج المحلي الإجمالي الناتج عن جهود إعادة الإعمار.
وفي السيناريو المفترض لما أسمته الشركة بـ”التهجير الطوعي”، كان من المقرر منح سكان غزة حزمة مالية للخروج من القطاع، تشمل 5 آلاف دولار، وإيجاراً مدعوماً لمدة أربع سنوات، وغذاءً مدعوماً لمدة عام.
وافترض النموذج أن ربع سكان غزة سيغادرون، وأن ثلاثة أرباع من تم تهجيرهم لن يعودوا أبداً.
وزعم أحد الأشخاص المطلعين على تفاصيل العمل: أنه “لا إكراه، والخطة لا تهدف إلى تحفيز الناس على المغادرة. نسبة الـ25% هي مجرد رقم افتراضي. القرار سيكون لشعب غزة. ليست هناك خطة لإفراغ غزة”.
وأظهر النموذج، أن تكلفة إعادة التوطين خارج غزة أقل بـ23 ألف دولار للفرد مقارنةً بتكلفة تقديم الدعم للفلسطينيين داخل القطاع خلال مرحلة إعادة الإعمار.
جدل بشأن المخطط
وفقاً لعدة مصادر مطلعة على المخطط، وفق “فاينانشيال تايمز”، فإن فريق بوسطن لم يكن هو من صمّم المخطط العام لما بعد الحرب، بل قام فقط بوضع النماذج المالية له.
لكن مجرّد وجود هذا المشروع أثار جدلاً واسعاً داخل الشركة عند الكشف عنه في أواخر مايو الماضي، بسبب المخاطر المرتبطة بالظهور و”كأن الشركة متورطة في خطة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين”.
وقال شلوتر لزملائه، وفق عدة مصادر مطلعة على مجريات الأحداث، حسبما نقلت “فاينانشيال تايمز”، فإن هذا العمل يندرج ضمن العقد القائم مع شركة ماكنالي ولا يتطلب موافقات جديدة.
وفي حين استمر موظفو بوسطن للاستشارات في العمل بدعوى “إيصال المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة المحاصر والمعزول عن الإغاثة بسبب الحصار الإسرائيلي”، فإن المعارضة داخل مجتمع مؤسسات الإغاثة الإنسانية، اشتدت بشكل ملحوظ خلال شهر أبريل.
وبعد أن تبيّن أن المنظمات غير الحكومية لن تقدم مساعدات للتوزيع، وحينها بدأ موظفو مجموعة بوسطن بمساعدة مؤسسة SRS في التخطيط لعمليات شراء الإمدادات الغذائية بأنفسهم، بحسب “فاينانشيال تايمز”.
وأثار التحول في طبيعة العمل، قلق أحد أعضاء الفريق، حيث عبّرت عن مخاوفها من أن مؤسسة SRS غير مؤهلة لتنفيذ عملية بهذا التعقيد، وأن المشروع “بدأ ينحرف عن المبادئ الإنسانية”. ووفقًا لعدة مصادر، فإن التوتر الذي نشأ بينها وبين SRS أدى إلى إقصائها من المشروع.
أما بالنسبة لمن بقوا في المشروع، فقد كانت وتيرة العمل مكثفة. إذ أُدرج عدد من أعضاء فريق بوسطن في تل أبيب ضمن “تقرير المنطقة الحمراء” الخاص بالشركة، والذي يضم أسماء الموظفين الذين عملوا لأكثر من 70 ساعة أسبوعياً. ويُوزع هذا التقرير على نطاق واسع داخل الشركة لتنبيه الشركاء الذين قد يُفرطون في إنهاك الموظفين الأصغر سناً.
واستمرت SRS في اعتمادها الكبير على الاستشارات التجارية من بوسطن، ما دفع شركة ماكنالي إلى تمديد العقد لشهرين إضافيين في أوائل مايو، تزامناً مع استعداد العملية للبدء بتوزيع المساعدات. وبحسب أشخاص مطلعين، فقد سمح دعم شركة الاستثمار الخاص بإيفاد ثلاثة مستشارين أميركيين إضافيين من مجموعة بوسطن إلى تل أبيب، ما رفع إجمالي الرسوم التي كانت الشركة تعتزم فرضها إلى نحو 4 ملايين دولار.
بوسطن للاستشارات تسحب فريقها من إسرائيل
تزامن هذا التوسع مع الإطلاق العلني لمؤسسة غزة الإنسانية، بعد موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي، ومع إدانة من الأمم المتحدة للمشروع، بدأ مشروع “أورورا” (Aurora) بجذب اهتماماً وتدقيقاً أكبر داخل شركة بوسطن للاستشارات.
وقالت “فاينانشيال تايمز”، إن المخاوف تزايدت مع نشر الصحف الأميركية تقارير عن دعم إسرائيل لخطة مؤسسة غزة الإنسانية. وفي 25 مايو، تم اتخاذ القرار بسحب الفريق من تل أبيب، وإنهاء العمل، وعدم تحصيل المبالغ التي تم إصدار فواتير بها.
في اليوم نفسه، وقبيل افتتاح أول مركز لتوزيع المساعدات، قدّم جيك وود، الرئيس التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية، استقالته، معلناً أن المشروع “يتعارض مع المبادئ الإنسانية، وخاصة مبدأ الحياد”.
وفي اجتماع شركاء بوسطن العالميين الكبار في فيينا بتاريخ 28 مايو الماضي، تم استجواب كل من شلوتر وأوردواي بشأن تفاصيل المشروع.
بحلول الثالث من يونيو الماضي، حين نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً يفيد بأن بوسطن للاستشارات انسحبت من المشروع، وهو ما كان أول إعلان علني عن تورط الشركة، كانت الشركة قد قررت بالفعل وضع الرجلين في إجازة إدارية. وطُلب منهما تقديم استقالتيهما في الرابع من يونيو الماضي.
وتتعاون الآن شركة المحاماة الخارجية “ويلمر هيل” (WilmerHale) مع الفريق القانوني في بوسطن للاستشارات، للتحقيق فيما وصفه الرئيس التنفيذي كريستوف شفايتسر بـ”إخفاقات إجرائية”.
وقال شفايتسر في رسالته الأخيرة إلى موظفي الشركة: “نتعامل مع هذه المسألة بجدية وبأقصى قدر من العجلة، لنتعلم منها ونضمن عدم تكرارها”.
وأضاف: “طموحنا كان ولا يزال المساهمة في استجابات إنسانية فاعلة ومتعددة الأطراف ومستدامة. ونحن ملتزمون بتجسيد قيمنا، مع تحمّل المسؤولية عن إخفاقاتنا، وبالتحلي بالتواضع في كيفية المضي قدماً”.
انتقادات أممية لمؤسسة غزة الإنسانية
حذر برنامج الأغذية العالمي، السبت، من أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في غزة، لا يحصل على طعام لأيام، ما يضع المزيد من الناس في خطر المجاعة.
وأوضح بيان للبرنامج التابع للأمم المتحدة، أن أكثر من 700 ألف شخص أجبروا على النزوح منذ مارس الماضي، فيما أظهرت تقارير أن نحو 85% من قطاع غزة منطقة قتال نشط.
بدورها، منظمة الصحة العالمية صرحت الجمعة أن مجمع ناصر الطبي في غزة، تحول إلى “جناح واحد ضخم لعلاج الإصابات”، بعد تدفق الحالات التي تصاب في مواقع توزيع الأغذية التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية غير التابعة للأمم المتحدة.
وبدأت المؤسسة، المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، توزيع طرود غذائية في غزة بنهاية مايو الماضي، وأشرفت على نموذج توزيع مساعدات جديد وصفته الأمم المتحدة بأنه غير محايد وغير منصف.
وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، فقد لقي ما لا يقل عن 613 فلسطينياً حتى 27 يونيو، مصرعهم، حول نقاط توزيع المساعدات، التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية، وبالقرب من قوافل الإغاثة الإنسانية في القطاع.
كما أوضحت المفوضية، أن 509 فلسطينيين، من بين الإجمالي البالغ عددهم 613 شخصاً، لقوا حتفهم بالقرب من نقاط مؤسسة غزة الإنسانية لتوزيع الأغذية.
ووصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، الخميس، مؤسسة غزة الإنسانية بأنها “فخ موت مصمم لقتل أو تهجير الفلسطينيين”، مشيرة إلى أن “إسرائيل مسؤولة عن واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية وحشية في التاريخ الحديث”.
كانت وكالة “أسوشيتد برس”، أفادت نقلاً عن متعاقدين أميركيين يعملون لصالح المؤسسة قولهم، إن المتعاقدين الذين يحرسون مواقع توزيع المساعدات في قطاع غزة، “يستخدمون الذخيرة الحية والقنابل الصوتية”، بينما يتدافع الفلسطينيون الجائعون للحصول على الطعام.
المتعاقدان، اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما، أضافا أن “أفراد الأمن الذين جرى توظيفهم غالباً ما يكونون غير مؤهلين أو غير خاضعين للتدقيق، ومسلحين تسليحاً ثقيلاً، ويبدو أن لديهم حرية مطلقة لفعل ما يريدون”.
رفض عربي لتهجير الفلسطينيين
في أبريل الماضي، دعا وزراء خارجية المجموعة العربية الإسلامية خلال لقائهم في مدينة أنطاليا جنوب غرب تركيا، إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأعلنوا رفض تهجير الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم، ودعوا إلى تأسيس دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ودعم جهود السلام على هذا الأساس، ورفض ربط دخول المساعدات إلى قطاع غزة بوقف النار.
وجدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، رفض فكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، قائلاً إن هذا يمتد لكافة أشكال التهجير، بما في ذلك “الطوعي، لأنها ليست طوعية أساساً”.
وقال إن “أي تهجير تحت أي ذريعة مرفوض رفضاً قاطعاً وأي طرح يحاول أن يضع إجبار الفلسطينيين على المغادرة، أو إتاحة الفرصة للفلسطينيين بمغادرة طوعية هذا مجرد التفاف على الحقيقة واستذكاء”.
وفي 4 فبراير الماضي، أرسل خمسة وزراء خارجية عرب وممثل عن السلطة الفلسطينية، رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أكدوا فيها على تطلعهم لـ”حل عادل للقضية الفلسطينية”، فيما ذكر موقع “أكسيوس” الأميركي، أن المسؤولين العرب أعربوا فيها عن رفضهم خطط تهجير سكان غزة، وطالبوا، بدلاً من ذلك، بإشراك الفلسطينيين في عملية إعادة إعمار القطاع.
تُعدُّ الرسالة جزءاً من جهد مشترك لـ”السداسية العربية”، التي أعربت عن رفضها لتهجير سكان غزة، بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن عزمه نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن.
وفي مطلع فبراير الماضي، اجتمع وزراء خارجية المملكة السعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، والأردن بالإضافة إلى نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، في القاهرة، وقرروا إرسال رسالة إلى روبيو، يجري تسليمها إلى وزارة الخارجية الأميركية، من قبل سفراء الدول العربية الخمس.
وشدد الوزراء العرب في الرسالة على أن “الفلسطينيين سيعيشون في أرضهم وسيساعدون في إعادة بنائها، ولا ينبغي حرمانهم من قدرتهم على اتخاذ القرار أثناء عملية إعادة الإعمار، كما يجب أن يتولوا مسؤولية هذه العملية بدعم من المجتمع الدولي”.