اخر الاخبار

مؤشرات وول ستريت تتراجع وسط مخاوف بشأن ارتفاع تقييمات الأسهم

تراجعت الأصول عالية المخاطر، مع تحمّل أسهم التكنولوجيا والعملات المشفّرة العبء الأكبر من عمليات البيع، بعد أن أعادت تحذيرات من كبار التنفيذيين في “وول ستريت” إشعال المخاوف القديمة بشأن ارتفاع التقييمات إلى مستويات مبالغ فيها، ودعوتهم المستثمرين إلى الاستعداد لتصحيح محتمل في السوق.

وأشار رؤساء شركات كبرى من بينها “كابيتال غروب” و”غولدمان ساكس غروب” و”مورغان ستانلي”، إلى أن تراجعاً تصحيحياً سيكون تطوراً صحياً، بعد أن باتت موجة الصعود مقتصرة على عدد متناقص من الأسهم، في وقت تظهر فيه المؤشرات الفنية والمعنويات إشارات على ارتفاع حاد.

وقال مات مالي من شركة “ميلر تاباك”: “هذا يعزز اعتقادنا بأن سوق الأسهم جاهزة لتصحيح ملموس على المدى القريب، بغضّ النظر عن الاتجاه على المدى المتوسط أو الطويل”.

تحذيرات من ارتفاع مفرط في التقييمات

لم يعد من الصعب العثور على تحذيرات بأن الأسهم أصبحت “مبالغاً في تسعيرها”، بعد الارتفاع القياسي منذ قاع أبريل الذي دفع التقييمات إلى مستويات تعكس تفاؤلاً مفرطاً. فالتفاؤل المتزايد خلال الأشهر الأخيرة جعل العديد من المتداولين منشغلين بمطاردة المكاسب بدلاً من القلق من الأسعار المرتفعة.

وسجّل مؤشر “إس آند بي 500” واحدة من أفضل فتراته لستة أشهر منذ خمسينيات القرن الماضي، مدعوماً بمرونة الشركات الأميركية، وتفاؤل بآفاق الذكاء الاصطناعي، وآمال بأن يواصل الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة لدعم الاقتصاد. إلا أن المكاسب القوية مقترنة بضعف اتساع موجة الصعود أثارت مخاوف من هشاشة السوق.

تجلى ذلك بوضوح في تداولات الثلاثاء، إذ تراجع سهم “بالانتير تكنولوجيز” بنسبة 8% رغم رفع الشركة لتوقعاتها، بعد ارتفاع بنحو 400% خلال عام واحد، إذ لم تعد آفاقها المتفائلة في الذكاء الاصطناعي كافية لتبديد القلق من ارتفاع التقييمات. وزادت المخاوف بعد أن كشف مدير صناديق التحوّط مايكل بيري عن رهانات هبوطية ضد الشركة وضد “إنفيديا”.

هبط مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.2%، بينما خسر مؤشر لأسهم التكنولوجيا الكبرى 2.2%. ومن المقرر أن تعلن “أدفانسد مايكرو ديفايسز” نتائجها بعد الإغلاق. كما تراجع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 4.08%، وانخفضت “بتكوين” بنحو 6%، فيما صعد الدولار إلى أعلى مستوياته منذ مايو.

رؤساء المصارف: التراجعات جزء طبيعي من دورة السوق

قال مايك غيتلن، الرئيس التنفيذي لـ”كابيتال غروب”، خلال قمة مالية نظّمتها سلطة النقد في هونغ كونغ الثلاثاء، إن أرباح الشركات قوية، لكن “التحدي يكمن في التقييمات”. وأضاف: “إذا سألنا ما إذا كانت الأسهم رخيصة أو عادلة أو مكتملة التقييم، فمعظم الناس سيقولون إننا بين العادل والمكتمل، لكن قلّة ستقول إننا بين الرخيص والعادل”.

وشاطره الرأي كل من تيد بيك، الرئيس التنفيذي لـ”مورغان ستانلي”، وديفيد سولومون من “غولدمان ساكس”، مؤكدين أن التراجعات التصحيحية جزء طبيعي من دورات السوق.

وقال إلياس حداد من “براون براذرز هاريمان”: “من الصعب المجادلة ضد ذلك. فبينما لا يُعدّ صعود السوق غير منطقي، إذ يستند إلى أرباح قوية وسياسة نقدية ميسّرة، إلا أنه يعكس قدراً من الحماسة الزائدة بالنظر إلى تفاؤل المستثمرين المفرط وتمركزهم في سوق الخيارات”.

القلق من هيمنة عمالقة التكنولوجيا

ورغم أن العناوين قد تبدو مقلقة، فإن التفاصيل أقلّ خطورة، وفقاً لاستراتيجيي “بيسبوك إنفستمنت غروب”، الذين أشاروا إلى أن “القلق يبقى قلقاً، وعندما يقلق المستثمرون يبيعون”.

وقال إيان لينجن وفيل هارتمان وديلاني تشوي من “بي إم أو كابيتال ماركتس” إن المخاوف من ارتفاع التقييمات ليست جديدة بالنظر إلى الظروف الحالية، إذ أصبحت الأسعار القياسية هي القاعدة لا الاستثناء. ومع ذلك، أبدى استراتيجيو “بنك مونتريال” تفهماً للرأي القائل إن الأصول عالية المخاطر قد تستفيد من جولة تصحيحية بعد الارتفاع الأخير.

ورأى فؤاد رزاق زاده من “فوركس.كوم” أن “أحد المخاوف يتمثل في أن قيادة السوق باتت ضيّقة بشكل مقلق، إذ تتحمّل مجموعة صغيرة من أسهم التكنولوجيا الكبرى الجزء الأكبر من الصعود، ما يجعل السوق الأوسع عرضة لأي اهتزاز في سردية الذكاء الاصطناعي”.

وتُظهر بيانات من “جيفريز” أن مؤشر “إس آند بي 500” المرجّح بالتساوي يتداول حالياً بخصم مقارنة بالمؤشر الرئيسي للأسهم الأميركية، وهو مستوى يشبه “بداية نهاية فقاعة التكنولوجيا” في أواخر التسعينيات عندما بلغت الفجوة 30%. لكن رغم التشابه، لا يعني ذلك أن انهياراً وشيكاً بات محتوماً.

وقال رزاق زاده: “رغم أن السوق تبدو مثقلة، يجب تذكّر أن ذلك يأتي بعد موجة مكاسب قياسية، ما يعني أن كثيرين سيغتنمون فرصة الانخفاض للشراء كما فعلوا بنجاح في السابق”.

آراء متباينة حول الاتجاه المقبل

قالت سافيتا سوبرامانيان من “بنك أوف أميركا” إن هناك الآن حالتين متناقضتين تدعمان صعود الأسهم الأميركية: الأولى أن أسهم الذكاء الاصطناعي تُسعّر نمواً وتحولاً جذرياً في العوائد، والثانية أن تشاؤم المتداولين بشأن إنفاق المستهلكين تبدّد بعد أعوام من صمود الإنفاق رغم التضخم وارتفاع الفائدة.

أما بول كريستوفر من “ويلز فارغو إنفستمنت إنستيتيوت” فقال: “لا نفضل مطاردة الارتفاعات ولا البيع عند الضعف، بل ينبغي للمستثمرين على المدى الطويل زيادة تعرضهم للأسهم الأميركية عالية الجودة في أيام التراجع، مع البقاء انتقائيين في أدوات الدخل الثابت”.

وقالت لورين غودوين من “نيويورك لايف إنفستمنتس” إن  ثقة شركتها في أسهم الشركات الأميركية ذات القيمة السوقية الكبيرة لا تعني سوى عمليات شراء هامشية، موضحة أن “الزخم المحيط بالذكاء الاصطناعي، المدعوم بالنشاط الاقتصادي القوي والسياسات المساندة والمعنويات الإيجابية والسيولة الوفيرة، قد ينقلب في أي لحظة، لكن طالما أن توقعات الأرباح والاستثمارات الرأسمالية تبقى قوية، فإننا سنشتري عند الانخفاض”.

توقيت التصحيحات غير قابل للتوقع

أشار كريس لو من “إف إتش إن فايننشال” إلى أن “ما يميّز التصحيحات هو أن توقيتها غير قابل للتوقع، ولا تتبع نمطاً محدداً”، مضيفاً أن ما إذا كان التراجع الحالي فرصة للشراء أم بداية لانعكاس أعمق لا يزال غير واضح.

وقال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر”: “نتمسّك برأينا بأن أفضل فرص المخاطرة والعائد تكمن في الشراء عند التراجعات المؤكدة بعد دورة صعود استمرت ستة أشهر”.

ووفقاً لـ”غولدمان ساكس”، فإن مستشاري التداول بالسلع سيكونون بائعين محدودين للأسهم خلال الأسبوع المقبل تحت كل السيناريوهات. وقال الشريك في البنك ريتش بريفوروتسكي إن “تصحيحاً في الأسهم بات مستحقاً، والسؤال هو عن حجمه إن حدث”.

ورأى دان وانتربسكي من “جاني مونتغومري سكوت” أن مؤشر “إس آند بي 500″ لا يزال في منطقة تشبع شرائي عبر أطر زمنية متعددة، ما يجعله عرضة لـ”فراغات سعرية” وتصحيح في نوفمبر، محدداً نطاق 6750 إلى 6800 نقطة كمنطقة دعم أولية، بعدما أغلق المؤشر عند 6770 نقطة الثلاثاء. وقال: “أبقوا أعينكم مفتوحة”.

وأوضح جوناثان كرينسكي من “بي تي آي جي” أن السؤال الأكثر شيوعاً الآن هو مدى عمق التصحيح المحتمل، مشيراً إلى أن المؤشر لم يلمس متوسطه المتحرك لخمسين يوماً عند نحو 6654 نقطة، ولم يشهد تراجعاً بنسبة 3% منذ أبريل”.

وقال: “كلا المستويين سيكونان هدفاً أدنى وفقاً لتحليلنا، لكن بالنظر إلى مدى التطرف الذي بلغته الفجوات الأخيرة، نعتقد أن التحرك نحو مستوى 6400 و6500 هو احتمال قوي”.

السوق الصاعدة مستمرة رغم التقلبات

قال كيث ليرنر من “تروست أدفايزوري سيرفيسز”: “رغم المخاطر والعناوين المقلقة واحتمال التصحيحات قصيرة الأمد، فإن السوق الصاعدة ما تزال تحظى بميزة الشك. التاريخ يشير إلى مزيد من المكاسب، وإن لم يكن ذلك بخط مستقيم. فالأسواق الصاعدة التي تبلغ عامها الثالث، تميل إلى تحقيق المزيد من المكاسب، على الرغم من أن الأسهم تمر بفترة طويلة غير معتادة من دون تراجع بنسبة 5%”.

وأشار ليرنر إلى أنه من بين سبع موجات صعود تجاوزت ثلاث سنوات، شهدت جميعها مكاسب إضافية في العام التالي، رغم بعض الهزات. وأضاف أن الأعوام التي يرتفع فيها “إس آند بي 500” بأكثر من 15% حتى أكتوبر، عادة ما تشهد استمرار الزخم حتى نهاية العام. ومنذ 1950، سجّل المؤشر في 21 حالة من أصل 75 مكاسب إضافية في نوفمبر وديسمبر بمتوسط 4.7%.

واختتم كيني بولكاري من “سلايتستون ويلث” قائلاً: “المتفائلون ما زالوا يسيطرون، لكن الأرض تهتز بما يكفي لإبقاء الجميع في حالة تأهب. ركّزوا، تحلّوا بالانضباط، ولا تنجرّوا وراء الضجيج، فالنظام والانضباط دائماً يتغلّبان على الدراما”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *