اخر الاخبار

الشاحنات الكهربائية تخفق باختراق السوق الأميركية سعراً وأداءً

من الواضح أن شاحنة “سايبرترك” من “تسلا”، بتصميمها الغريب والمتعدد الأضلاع، لم تنجح في إثارة موجة مبيعات واسعة. كما أن القسط الشهري المعلن لشاحنة “R1T” من “ريفيان”، والذي يتجاوز 800 دولار، يجعلها خياراً غير متاح لمعظم المستهلكين.
 
 لكن حتى شركتي ”فورد موتور“ و“جنرال موتورز“، وهما شركتان عريقتان في صناعة السيارات تبيعان مئات الآلاف من الشاحنات في الولايات المتحدة سنوياً، لم تتمكنا من إقناع سوى عدد قليل من الأميركيين المُحبين لشاحنات البيك أب بالانتقال إلى النوع الكهربائي منها.

باعت شركات صناعة السيارات مجتمعةً حوالي 35000 شاحنة بيك أب كهربائية للسائقين الأميركيين في النصف الأول من 2025، بانخفاض قدره 4% عن العام السابق. في الوقت نفسه، نفدت 1.6 مليون شاحنة بيك أب كاملة الحجم تعمل بالبنزين من الأسواق خلال الفترة نفسها، وفقًا لشركة أبحاث السوق ”أوتو فوركاست سوليوشنز“.

ماسك يحقق رغبته في إطلاق شاحنة “سايبر ترَك” رغم أنف الجميع

الآن، لا يسع شركات صناعة السيارات التي سارعت إلى استثمار مليارات الدولارات في تصنيع شاحنات بيك أب كهربائية إلا أن تتساءل كيف بالغت في تقدير اهتمام عملائها الأكثر ولاءً إلى هذا الحد.

لكنها لم تستسلم تماماً بعد. فقد أعلنت شركة ”فورد“ هذا الأسبوع عن خططها لتصنيع شاحنة بيك أب كهربائية متوسطة الحجم بسعر حوالي 30 ألف دولار بدءاً من عام 2027 في لويزفيل بولاية كنتاكي. وتأمل الشركة أن يُسهم هذا السعر المنخفض نسبياً في إنعاش مبيعات الشاحنات الكهربائية المتعثرة. لكن كثيراً من السائقين يقولون إن هناك عيوباً أخرى إلى جانب السعر.

قال جيم ويبر، صاحب شركة نشارة في كولومبوس بولاية أوهايو تعتمد على أسطول من حوالي 100 شاحنة بيك أب، معظمها من إنتاج”فورد“، لإنجاز مهامها، إنه جرب عرضاً تجريبياً لشاحنة فورد ”F-150 لايتنينغ“الكهربائية قبل ستة أشهر لمعرفة ما إذا كانت ستخدم كشاحنة عمل.

دون التوقعات

بعد يوم طويل، قطعت الشاحنة الكهربائية مسافة أقل بكثير من مداها التقديري وهو 520 كيلومتراً، وقال مالك شركة ”أوهايو ملش“: “خلال موسم الذروة، نعمل من الساعة 8 صباحاً حتى 8 مساءً… ثم نقود عبر تلال كنتاكي وسينسيناتي. يستحيل أن تتمكن الشاحنات الكهربائية من ذلك.”

تُظهر تجربة ويبر القصيرة مع ”لايتنينغ“ أحد الأسباب الرئيسية لبطء انتشار الشاحنات الكهربائية بين الأميركيين. غالباً ما يستخدمها مشترو الشاحنات لنقل الأشياء، سواء كانت حمولة تجارية أو قارباً إلى البحيرة، ويقول السائقون إن كثيراً من الإصدارات الكهربائية ليست مناسبة لهذه المهمة.

“رينو” تستعد لصناعة شاحنات كهربائية في مصنعها شمال فرنسا

حتى ملاك هذه الشاحنات ممن لا يستخدمونها في أغراض مهنية، يستحسنون هدير محرك (V-8) ذو الاحتراق الداخلي. كان جزء من سوء فهم السوق سياسياً أيضاً. في بلدٍ يسود فيه انقسامٌ حادٌّ في كل شيء تقريبًا، يُمكن أن يكون اختيار محرك كهربائي بدلًا من محرك بنزين بمثابة دليلٍ على التوجه السياسي، تماماً كما هو الحال مع وضع لافتة “العلم حقيقي” في حديقتك الأمامية.

تنافس مع “تسلا” 

قال مارك ويكفيلد، رئيس قسم السيارات في شركة ”أليكس بارتنرز“ الاستشارية، إن فشل الشاحنة الكهربائية السريع يُمثل تحولاً كبيراً عن توقعات شركات صناعة السيارات قبل خمس سنوات. في ذلك الوقت، كانت مبيعات ”تسلا“ في ارتفاعٍ هائل، وكانت قيمتها السوقية قد تجاوزت شركات صناعة السيارات التقليدية.

وكانت شركة ”ريفيان أوتوموتيف“ قد بدأت الإنتاج للتو، لكن طرحها العام الأولي في عام 2021 دفع الشركة الناشئة بسرعة إلى قيمة سوقية تبلغ 100 مليار دولار. كانت الشركتان تُطوران شاحنات بيك أب كهربائية تُهدد شريان الحياة في ديترويت، ولم تكن شركات صناعة السيارات العريقة تخطط للوقوف مكتوفة الأيدي.

فورد تخفض خطط إنتاج شاحناتها الكهربائية F-150 مع تباطؤ الطلب

قال ويكفيلد: “كانت (تسلا) تقول أنها ستطرح شاحنة، ولم تُرد أن تُسيطر على سوق الشاحنات المهم”. رأت شركة فورد، التي تبيع الشاحنات منذ الحرب العالمية الأولى وأطلقت شاحنتها الشهيرة (F-150) قبل 50 عاماً، و“جنرال موتورز“، مالكة علامتي ”شيفروليه“ و“جي إم سي“، فرصةً سانحةً. فإذا تحول 10% فقط من مشتري الشاحنات إلى السيارات الكهربائية، فهذا يعني حوالي 300 ألف شاحنة بيك أب سنوياً.

كما هو حال ”تسلا“ مع شاحنتها ”سايبرترك“، بدأت فورد بقبول دفعة أولى قدرها 100 دولار أميركي لشاحنة ”لايتنينغ“، وبدت أرقام الحجوزات هذه في أوجها: فقد أعلنت ”تسلا“ عن مليون طلبية من شاحنتها، بينما قالت فورد إنها تلقت طلبات على أكثر من 200 ألف شاحنة. ربما أخطأت شركات صناعة السيارات في اعتبار هذا الحماس الأولي طلباً حقيقياً، فزادت الإنتاج بسرعة كبيرة.

مع طرح شركات صناعة الشاحنات للطرازات الكهربائية، لم تُعجب معظم المتسوقين. من بين مشتري الشاحنات الكبيرة الحجم الذين نظروا إلى مركبات أخرى أثناء التسوق، قال حوالي 1% فقط إن الشاحنة الكهربائية هي خيارهم الثاني، وفقاً لدراسة أجرتها شركة الأبحاث “ستراتيجيك فيجن“.

قال ويكفيلد: “شاحنات البيك أب الكبيرة، التي يُفترض أن تكون ممتازة في نقل الأشياء، ليست خياراً مثاليًا للسيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات”.

سعر أعلى وانبعاثات أدنى 

برغم انخفاض الانبعاثات الناجمة عن شحن واستخدام شاحنات البيك أب الكهربائية، إلا أنها عادةً ما تكون أغلى من الخيارات التي تعمل بالبنزين. يبدأ سعر شاحنة العمل الكهربائية الأساسية من طراز شيفروليه ”سيلفرادو“ من جنرال موتورز من 55000 دولار، ويمكنها قطع مسافة 430 كيلومتراً بشحنة واحدة. (السيارات الكهربائية الأغلى ثمناً يمكنها قطع مسافة أطول).

فيما يبدأ سعر أرخص نسخة تعمل بالبنزين من حوالي 37000 دولار، ويمكنها قطع مسافة 725 كيلومتراً تقريباً بالوقود الذي يتسع إليه خزانها. ثم هناك مسألة السياسة السائدة، إذ يميل حوالي ثلثي مشتري الشاحنات الكبيرة الحجم إلى التيار اليميني وفقاً لشركة “ستراتيجيك فيجن“ (Strategic Vision) التي تقول إن السيارات الكهربائية أقل شعبية سياسياً، وتُظهر أبحاث المستهلكين أن الجمهوريين أقل اهتماماً بالسيارات الكهربائية من نظرائهم اليساريين.

رهان “تسلا” على أنصار “لنعد لأميركا عظمتها” سيخيب

لقد وجدت دراسة منفصلة أجرتها مجموعة ”إي في بوليتيكس“ (EV Politics)، وهي مجموعة مناصرة للسيارات الكهربائية ومقرها في واشنطن، أن 39% من الديمقراطيين سيفكرون بجدية في شراء سيارة كهربائية على المدى القريب، لكن 17% فقط من الجمهوريين سيفكرون في ذلك. عموماً كانت سيارات كروس أوفر وسيدان والسيارات الفاخرة الكهربائية أسرع انتشاراً من نظيراتها من الشاحنات الصغيرة.

في فورت وورث بولاية تكساس، تعرض شركة ”هيلي بيويك جي إم سي“ شاحنات ”هامر“ و“سييرا“ الكهربائية. قال مالكها راندي هيلي إنه يبيع ثلاثاً أو أربع شاحنات فقط شهرياً؛ وغالباً ما تخفض وكالته سعر ”سييرا“ الكهربائية، فيخسر بعض المال لتسويقها.

العامل السياسي

ليس لطيفاً امتلاك شاحنة كهربائية في كاوتاون. قال هيلي: “تُعد (سييرا) الكهربائية واحدة من أفضل الشاحنات التي ركبتها على الإطلاق، لكن تذكروا أين نحن الآن”. الوضع هنا محافظ بشدة. إن شراء سيارة كهربائية يُعدّ تصريحاً سياسياً، إنه كذلك ببساطة. شهدت مبيعات شاحنات ”جنرال موتورز“ الكهربائية نمواً في النصف الأول من العام، إلا أن الشركة قررت مع ذلك إعادة تجهيز أحد مصانعها المعدة لإنتاج شاحنات كهربائية لأن المبيعات لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب.

قال جون ماكنيل، الرئيس التنفيذي لصندوق رأس المال الاستثماري ”دي في إكس فينتشرز“ (DVx Ventures) وعضو مجلس إدارة ”جنرال موتورز“: “هناك تحدٍّ تسويقي الآن لإظهار مدى كفاءة هذه الشاحنات الكهربائية في السوق”.

في شركة ”فورد“، كان الرئيس التنفيذي جيم فارلي يفكر في طرق لتقديم خدمة أفضل لمشتري الشاحنات. وأشار في مقابلة العام الماضي إلى أنهم يفضلون وجود منافذ في صندوق الشاحنة لتشغيل أدواتهم؛ وقال إن هذه الميزة الإضافية قد تساعد في نهاية المطاف على انتشار الشاحنات الكهربائية، واصفاً الشاحنات الصغيرة المُصممة بشكل صحيح بأنها “أداة نقل متطورة“.

تراجع المبيعات في فرنسا 26% يعمق خسائر “تسلا” منذ بداية العام

تصنّع شركة صناعة السيارات طراز ”لايتنينغ“ في مصنع قرب مقرها الرئيسي في ديربورن بولاية ميشيغان، وتخطط في نهاية المطاف لبناء نسخة جديدة منه في مجمع للسيارات الكهربائية المُخطط له في تينيسي. لكن مع انخفاض مبيعات الطراز في الربع الثاني بنسبة 26% عن العام السابق، قد تضطر الشركة إلى تعديل خطط إنتاجها في مصنع تينيسي.

ستبدأ جنرال موتورز ببيع شاحنة كهربائية ببطاريات أرخص، وبمدى قيادة يبلغ حوالي 640 كيلومتراً، بسعر أقل بآلاف الدولارات في أوائل 2028. بعد بيع حوالي 10000 شاحنة بيك أب كهربائية في النصف الأول من العام، ألغت الشركة بالفعل خططها لإنشاء مصنع مُخصص للسيارات الكهربائية في ضاحية بحيرة أوريون بديترويت.

ابتداءً من 2027، سيُنتج المصنع أيضاً شاحنات وسيارات دفع رباعي تعمل بالبنزين هناك لتجنب الرسوم الجمركية على المركبات المصنوعة في المكسيك وكندا.

لقد منحت هذه الخطة الجديدة العمال هناك بعض الراحة. فالمصنع الذي كان يُنتج سابقاً سيارة “شيفروليه بولت” الكهربائية، وكان يُوظّف الآلاف، أصبح لديه الآن طاقم عمل أساسي لتجميع وحدات بطاريات السيارات الكهربائية.

كان المصنع شبه خاوٍ منذ أوائل 2023، بعد انتقال حوالي 900 عامل للعمل في خطوط التجميع البطيئة في مصنع قريب يسمً “فاكتوري زيرو”، وهو يُنتج شاحنات كهربائية من طرازات ”شيفروليه سيلفرادو“ و“جي إم سي سييرا“، إلى جانب ”هامر“ و“كاديلاك إسكاليد IQ“.

قال ديفيد مايكلز، رئيس وحدة ”جنرال موتورز“ في نقابة عمال السيارات المتحدة في أوريون: “هناك قلقٌ كبيرٌ هنا، لأننا متوقفون عن العمل منذ عامين ونصف. أؤمن بالسيارات الكهربائية، لكننا نريد التنوع. لقد انتقل كثير من أعضاء نقابتنا إلى (فاكتوري زيرو)، وهم يرغبون في العودة إلى ديارهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *