السعودية وجهة أكبر شركة بناء مغربية بعد طرح أسهمها في البورصة

تُخطط “الأشغال العامة للبناء بالمغرب” (SGTM)، وهي شركة عائلية تتصدر قطاع البناء في المملكة، لاستكشاف فرص دخول السوق السعودية وتعزيز تواجدها في القارة الأفريقية، بينما تتجه لطرح عام أولي في ديسمبر.
الشركة التي بنت أغلب البنيات التحتية الكبرى في البلاد، من مطارات وموانئ وسدود ومستشفيات وجامعات، وتُشيد حالياً أكبر ملعب كرة قدم في العالم في المغرب يتسع لـ115 ألف متفرجاً، تقوم بطرح عام أولي في بورصة الدار البيضاء لجمع 5 مليارات درهم (545 مليون دولار)، وهي ثاني أكبر صفقة في سوق الأسهم المغربية منذ 2004.
التوجه نحو البورصة لم يكن لحاجة ملحة للتمويل بالنسبة لشركة تستفيد من زخم استثمارات ضخمة في البنيات التحتية، بل لضمان الاستمرارية وانتقال المسؤولية بين الأجيال بطريقة سلسة، بحسب حمزة قباج، المدير العام المنتدب للشركة في مقابلة مع “الشرق”.
اقرأ أيضاً: كيف يستعد المغرب لاستضافة كأس العالم 2030؟
تعزيز التواجد في أفريقيا والعودة إلى الخليج
تأسست “SGTM” عام 1972 على يد مهندسَين مغربيين، الراحل أحمد قباج، وأخوه امحمد الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة. كان دافعهما إطلاق شركة بكوادر محلية تُنهي احتكار الشركات الأجنبية لقطاع البناء آنذاك، وفي رصيدها اليوم أكثر من ألف مشروع تم تسليمه، وفقاً للشركة.
بالإضافة إلى المغرب، لدى الشركة أعمال في ستة دول في غرب أفريقيا. ويبقى توسعها في القارة رهناً لاختيار المشاريع بعناية فائقة. ويوضح حمزة قباج: “ننتقي بعناية البلدان والعقود التي نبرمها، حيث نحرص على الدخول في مشاريع مدعومة بمؤسسات مالية قوية لضمان عدم تأثر التدفق النقدي للشركة مستقبلاً”.
أما في الشرق الأوسط، فكان أول مشروع للشركة في تسعينات القرن الماضي حين بنت مطار “العين” في الإمارات، لكنها اضطرت لمغادرة السوق نظراً لتعقيدها آنذاك، وفقاً لإفادات المدير العام المنتدب.
اليوم مع طفرة اقتصادات الخليج وخصوصاً السعودية بفضل مشاريع رؤية 2030، تطمح الشركة المغربية للعودة من جديد.
اقرأ أيضاً: السعودية أكبر سوق بناء في العالم بحلول 2028
أشار قباج إلى أن الشركة لم تكن في التسعينات بنفس قوتها اليوم، مضيفاً: “أعتقد أننا مُستعدون اليوم لنقل خبرتنا إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى السوق السعودية التي تتشابه مع المغرب خصوصاً مع استعدادهما لاستضافة كأس العالم 2030 و2034 وما يرافق ذلك من مشاريع ضخمة. ما حققناه محلياً وخارجياً يمكن أن يفتح لنا آفاق جديدة في السوق السعودية”.
الطرح الأولي لضمان الاستمرارية بين الأجيال
لم يكن خيار الطرح جديداً بالنسبة للشركة، بل كانت تنوي المُضي في هذا المسار عام 2007 بعدما حصلت على جميع الموافقات اللازمة، لكن شبح الأزمة المالية العالمية آنذاك دفع المالكين لتأجيل الخطوة.
الطرح بالنسبة للمُساهمين الرئيسيين “قرار استراتيجي لضمان الاستمرارية وتعزيز الحوكمة، ناهيك عن الوصول السهل إلى السوق المالية كلما دعت الضرورة لذلك”، بحسب قباج.
اقرأ أيضاً: كلفة تنظيم مباريات كأس العالم 2030 في المغرب تناهز 5 مليارات دولار
تقاسم المُؤسسان ملكية الشركة مناصفة تتوارثها العائلتان، وبمُوجب الطرح سيتم تداول 20% من أسهم الشركة في سوق الأسهم، حيث سيبيع الطرفان 12 مليون سهماً بسعر 420 درهماً، ما يجعل تقييم الشركة يتجاوز 25 مليار درهم، وفق السعر المُعلن.
تأتي خطوة الشركة في وقت تختار فيه أغلب المجموعات العائلية التمسك بالملكية كلياً وغالباً ما تواجه صراع الاستمرارية مع توالي الأجيال. ورغم غياب أرقام حول نسبة الشركات العائلية في من إجمالي الشركات في المملكة، إلا أنها تُمثل حصة مهمة كما في أغلب اقتصادات العالم، وفقاً لبيانات مؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولي.
بالنسبة لحمزة قباج، فالطرح في سوق الأسهم سيضمن انتقال الشركة إلى أفضل معايير الحوكمة، والدفع قدماً بتنميتها، ويؤكد: “الخطوة ستضمن أيضاً بقاء الشركة لسنوات عديدة قادمة”.
تعمل كبرى الشركات العائلية في المملكة بقطاعات اقتصادية عدة، مثل البناء والزراعة والبنوك والصناعة والسياحة، وغالباً ما تدير أعمالها بطريقة تقليدية من خلال تبني أسلوب يركز على شخص أو شخصين، وبشكل عام يكون المُساهمون المؤسسون والأبناء.
زخم قطاع البناء في المغرب
واكبت “SGTM” منذ نصف قرن مشاريع المملكة لتطوير البنية التحتية اللازمة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، واستمر هذا الزخم في السنوات الأخيرة بتطوير السدود لتخزين المياه وتطوير الموانئ وتوسيع المطارات وبناء المستشفيات والجامعات وتمديد خط السكك الحديدية. وبفضل ذلك حافظت إيرادات الشركة على نموها، حيث حققت العام الماضي إيرادات بأكثر من 11 مليار درهم بزيادة 30% على أساس سنوي. ويُتوقع أن ينمو الرقم هذا العام إلى 14.2 مليار درهم، على أن يتضاعف بنهاية العقد الجاري، بحسب بيانات الشركة.
أما على مستوى الأرباح، فحققت العام الماضي 590 مليون درهماً، ويتوقع أن تتضاعف بنهاية العام الجاري لتتجاوز لأول مرة مليار درهم، مدفوعاً بمشاريع ضخمة تنفذها في مختلف مدن المملكة حيث وصل دفتر طلبياتها أكثر من 37 مليار درهم، وهي رقم قياسي يضمن لها تغطية نحو 58% من إيرادات السنوات الأربعة المقبلة، كما أفاد قباج.
اقرأ أيضاً: مشاريع “مونديال 2030” في المغرب تواجه ندرة بالعمالة المؤهلة
تستند توقعات النمو للسنوات المُقبلة على مختلف المشاريع التي تنفذها المملكة بخلاف الاستعداد لكأس العالم 2030، من بينها الاستثمارات الضخمة التي تقودها مجموعة “OCP” الحكومية، ومشاريع الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر ومحطات تحلية مياه البحر لمواجهة الإجهاد المائي الذي تواجهه البلاد، إضافة إلى التوسع في تطوير مؤسسات جامعية واستشفائية من طرف الحكومة والقطاع الخاص.
يمثل قطاع البناء نحو 6% من الناتج المحلي ويساهم بنحو 16% من الوظائف وفقاً لأرقام رسمية لسنة 2024. قال قباج إن “كأس العالم 2030 سيكون نقطة بداية وليس خط وصول وهو عامل مُسرع لجزء من قطاع البناء”، متوقعاً أن تبلغ الاستثمارات الحكومية حتى نهاية العقد الجاري نحو تريليون درهم.



