اخر الاخبار

“HSBC” يتعثر في إدارة ثروات الشرق الأوسط

يواجه إداري بارز كان يعوّل عليه في انعاش الأعمال المصرفية الخاصة في مجموعة “إتش إس بي سي هولدينغز” (HSBC) في الشرق الأوسط تحديات واقعية.

تعرضت جهود علاء الدين هنغاري لتعزيز عروض (HSBC) لإدارة الثروات في المنطقة إلى عقبات، نتيجة انسحاب مجموعة من الشخصيات البارزة –بما في ذلك سلفه صبحي طبارة– بالإضافة إلى القيود التنظيمية الجديدة التي تعيق قدرته على استقطاب أفراد الأسر الحاكمة في الخليج والمقربين منهم كعملاء جدد للبنك، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. 

على مدى سنوات، تصدر بنك (HSBC) قائمة تصنيف أسواق رأس المال في الشرق الأوسط، وكان من بين البنوك الرئيسية المشاركة في معظم عمليات جمع التمويل الكبيرة في المنطقة، بدءاً من عملية بيع أسهم “أرامكو” التاريخية وصولاً إلى الطرح العام الأولي الضخم لنشاط الغاز الطبيعي التابع لشركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك”.

لكن نشاط البنك في هذه المنطقة يعاني دائماً من تحدٍ واحد. فعلى الرغم من أن أفراد الأسر الحاكمة في الخليج لطالما توجهوا إلى (HSBC) لتلبية احتياجاتهم في عمليات الاكتتاب، إلا أنهم لم يختاروا البنك لإدارة ثرواتهم الضخمة التي تُقدر بمئات المليارات من الدولارات. وبدلاً من ذلك، قاموا بإيداع تلك الثروات في بنوك مثل “كريدي سويس” و”يو بي إس غروب” و”جوليوس باير غروب”.

هذا ما دفع (HSBC) للتعاقد مع هنغاري، الذي كان يدير الثروات في “كريدي سويس” في قطر قبل انضمامه إلى البنك البريطاني في أواخر العام الماضي، لإعادة تنشيط هذا الجانب من الأعمال. ومن بين التعهدات التي قدمها هنغاري لتحقيق هذا الهدف كانت مضاعفة أصول القسم التي تقدر بحوالي 50 مليار دولار تحت الإدارة في السنوات المقبلة، وفقاً لمصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية المعلومات.

في مارس، قال جورج الحداري، الذي سيتولى منصب الرئيس التنفيذي لبنك (HSBC) لاحقاً هذا العام، للمستثمرين: “نحن بالفعل قوة كبيرة في مجال إدارة الثروات في  هونغ كونغ. ولكننا ندرك أن بإمكاننا بذل المزيد من الجهد في مناطق أخرى من آسيا والشرق الأوسط”. 

أثار خروج صبحي طبارة استياء العديد من العملاء ذوي الثروات الكبيرة، مما دفعهم إلى سحب حوالي 4 مليارات دولار من (HSBC) في بداية العام، وفقاً للأشخاص المطلعين على الأمر. وقال هؤلاء إن هذا السحب يشير إلى بعض التحديات التي واجهها هنغاري في الأشهر الأولى من توليه المنصب، رغم أن الأمور قد استقرت في الوقت الحالي.

وفي تعليق على ذلك، قال متحدث باسم البنك، رافضاً الخوض في تفاصيل متعلقة بالموظفين: “إن حركة الموظفين أمر طبيعي ولا نرى في ذلك أي شيء خارج عن المألوف”. وأضاف: “يواصل (HSBC) الاستثمار في توسيع امتيازاته في الشرق الأوسط. ونعمل على تنمية أعمالنا ونسعى بنشاط إلى توظيف المواهب في المنطقة”.

تراكم الثروات

تستند هذه الرواية إلى محادثات مع أكثر من عشرة أشخاص مطلعين على هذه المسألة، والذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لمناقشة معلومات غير معلنة أو معلومات خاصة بالموظفين. 

يمكن تتبع مشاكل الخدمات المصرفية الخاصة بالأفراد والعائلات لدى بنك (HSBC) في الشرق الأوسط إلى السنوات التي أعقبت الأزمة المالية مباشرة، عندما اضطر البنك إلى تقسيم أنشطته، بما في ذلك العديد من عملياته الخاصة بإدارة الثروات في جميع أنحاء الخليج العربي، في محاولة للسيطرة على المخاطر وزيادة الأرباح.

وقد تزامنت تلك التحركات مع وقت كانت فيه المنطقة على أعتاب طفرة في عدد المليارديرات والمليونيرات الذين بدأوا يتوافدون إليها، مما جعل البنك في منافسة حادة مع بنوك منافسة مثل “يو بي إس” و”باركليز”، اللذين كانا يعززان أنشطتهما في إدارة الثروات في دبي آنذاك.

في ذلك الوقت، اعتمد بنك (HSBC) على صبحي طبارة لقيادة الأعمال المصرفية الخاصة بالأفراد والعائلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان طبارة، الذي يمتاز بشغفه بتسلق الجبال ويتلقى مكالمات العملاء أثناء رحلاته في نيبال، يقضي سنواته في هذا المنصب ساعياً لتعميق علاقات البنك مع أصحاب الثروات.

لكن المصرفي اللبناني الأصل واجه صعوبة في الحصول على دعم كبار المسؤولين في (HSBC) ، الذين فضلوا توجيه المزيد من الاستثمارات إلى فروع البنك في آسيا،  وفقاً للأشخاص المطلعين. في آسيا، تمكن “إتش إس بي سي” من إقناع عملائه بإيداع أصول تقدر بمئات المليارات من الدولارات، مما جعله واحداً من أكبر مديري الثروات في تلك القارة.

رغم التحديات، بنى طبارة نشاطه عبر إقامة علاقات قوية مع رؤساء الشركات والعائلات التجارية الثرية في السعودية ودبي، معتمداً على قوة (HSBC) في تقديم الخدمات المصرفية لكبار العملاء مثل المؤسسات المالية والهيئات الحكومية.

وخلال 1 عاماً من قيادته لهذا النشاط، ارتفعت الأصول التي يديرها إلى حوالي 50 مليار دولار. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يزيد بخمسة أضعاف عما كان عليه عندما تولى طبارة المسؤولية في عام 2012، إلا أنه يبقى ضئيلاً مقارنة بالثروات التي كانت تديرها بنوك منافسة مثل “يو بي إس” و”كريدي سويس”. 

وضع مميز ومستقل

خلال فترة عمله في “كريدي سويس”، أمضى هنغاري سنوات في استقطاب كبار أفراد العائلة الحاكمة في قطر، الذين ائتمنوه على إدارة مليارات الدولارات من ثرواتهم. واستفاد هنغاري آنذاك من دعم بنك شغوف بتحمل المخاطر ويدير منصة متطورة قادرة على تقديم منتجات مالية مخصصة للأفراد الأثرياء.

على سبيل المثال، قام “كريدي سويس” في إحدى المرات بتوريق محفظة من القروض التي قدمها لعملائه الأثرياء لشراء اليخوت والطائرات الخاصة باستخدام المشتقات المالية. كان البنك معروفاً بتقديم صفقات حصرية لمساعدة العملاء على تقليل التزاماتهم الضريبية. كما أن القوانين المصرفية السويسرية، التي تمنع إلى حد كبير الكشف عن تفاصيل حسابات العملاء، منحت “كريدي سويس” ميزة إضافية في جذب العملاء.

في المقابل، يشتهر (HSBC) بثقافته الرصينة التي تركز على المنتجات المصرفية التقليدية مثل قبول الودائع ومنح القروض. وعلى الرغم من أن هذا يجعله لاعباً رئيسياً في الاقتصاد العالمي، إلا أن هذه الاستراتيجية لا تجذب عادةً العملاء فائقي الثراء إلى قائمة عملائه.
 وقال مايكل آشلي شولمان، الشريك والمدير التنفيذي للاستثمار في مكتب “رننغ بوينت كابيتال أدفايزرز” (Running Point Capital Advisors)، الذي يقدم خدماته للعديد من العائلات الثرية، إن (HSBC) “يدرك أنه بحاجة إلى إبداء اهتمام أكبر بعملائه الحاليين والمحتملين، من خلال تقديم جهود إضافية”. و”مع التفاني الحقيقي وفتح مكاتب في عواصم ومدن رئيسية عدة، يمكن للبنك أن يتصدر إدارة ثروات الأفراد على المستوى الإقليمي”.

بالإضافة إلى هنغاري، احتذب (HSBC) أيضاً باتريك داميكو، المصرفي المخضرم من “كريدي سويس”، لتولي منصب الرئيس الجديد للسوق العالمية في قطر. كما ضم البنك إلى فريقه كريستيان هيلر وتوماس شاد وسيمون إيشليمان، ليكونوا جزءاً من قسم إدارة العلاقات. أصبح هؤلاء جزءاً من فريق عمل يضم 100 مصرفي استقطبهم البنك في عام 2023 في إطار سعيه لتوسيع أعماله في الشرق الأوسط. وقد تعهد هنغاري علناً بأن المصرف يتطلع إلى توظيف المزيد من الكوادر بهدف “انتهاز الفرص” في المنطقة الغنية بموارد الطاقة خلال الأشهر المقبلة.

الوفاء بالوعود 

منذ البداية، كان هنغاري يسعى جاهداً للوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه لتنمية أصول الوحدة الخاضعة للإدارة عند انضمامه إلى (HSBC). وكان جزء من خطته لتحقيق ذلك يعتمد على إبرام صفقات مع العائلة الحاكمة في قطر، التي تقدر ثروتها بنحو 150 مليار دولار، حسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات. وتشمل العائلة الحاكمة في قطر رئيس الوزراء السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، الذي يدير هنغاري جزءاً من ثرواته منذ فترة طويلة.
  

قال أحد الأشخاص المطلعين على الأمر إن جهود البنك واجهت عقبات في الآونة الأخيرة بعد أن طلبت هيئة تنظيمية سويسرية من (HSBC) عدم إبرام صفقات جديدة مع أشخاص بارزين سياسياً. جاءت هذه الخطوة بعد أن اكتشفت هيئة الرقابة المصرفية السويسرية أن قسم إدارة ثروات الأفراد فائقي الثراء في البنك أخفق في إجراء عمليات تدقيق كافية على الحسابات “عالية المخاطر” المملوكة لهؤلاء الأشخاص.

يشكل هذا القيد تحدياً على وجه التحديد أمام هنغاري، كون العديد من أغنى الأفراد في جميع أنحاء الشرق الأوسط يُعتبرون من الشخصيات السياسية البارزة أو المكشوفين سياسياً. 

وقد واجه القسم الذي يرأسه هنغاري عراقيل أخرى تمثلت في مغادرة أو استقالة شخصيات رفيعة المستوى. في بداية الأمر، كان تعيين هنغاري بمثابة ضربة لصبحي طبارة، الذي غادر البنك في غضون أشهر من تولي هنغاري مهامه. ووفقاً للمطلعين، انضم طبارة منذ ذلك الحين إلى شركة إدارة الأصول “HBK Investments Advisory” ومقرها جنيف، كشريك، وسعى إلى جذب بعض عملائه السابقين.

كما غادر أربعة مصرفيين آخرين، بمن فيهم رنا الإمام، رئيسة أعمال الخدمات المصرفية الخاصة لدى (HSBC) في أبوظبي، وعلي خنجي، رئيس الخدمات المصرفية الخاصة العالمية في البحرين، في الأشهر الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، انضم كامران بوت، وهو مسؤول تنفيذي كبير آخر، مؤخراً إلى “بانكو سانتاندير” (Banco Santander) كمدير تنفيذي للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط. ويستعد دييغو بيفوز، مدير علاقات كبير يعمل في المملكة العربية السعودية من جنيف، ومؤمن جعفر، الذي قاد أعمال الخدمات المصرفية الخاصة في الإمارات العربية المتحدة، لمغادرة البنك أيضاً.

وضع يتسم بالمخاطرة 

يواجه هنغاري حقيقة صعبة مفادها أن “كريدي سويس”، حيث عمله السابق، قد تم دمجه منذ ذلك الحين في “يو بي إس”، الذي يسعى بنشاط للاحتفاظ بعملائه في جميع أنحاء المنطقة، مما يجعل من الصعب على هنغاري استعادة عملائه القدامى. وقد قام إقبال خان، أحد قادة قسم إدارة الثروات العالمية في “يو بي إس”، بزيارة قطر عدة مرات للقاء العملاء وتقديم عروض جذابة لهم.

قالت كريستينا وينغ، التي بدأت شركتها في مجال الاستشارات لصالح عائلات المليارديرات عبر شركة “وينغسبان ليجاسي بارتنرز” (Wingspan Legacy Partners) في وضع الأساس للتوسع في الشرق الأوسط قبل ثلاث سنوات: “إقامة العلاقات مع العملاء تبدأ عندما يتوافر مستوى كبير من الثقة، وبالتالي تنطلق التعاملات الحقيقية”.

بالنسبة لبنك (HSBC)، فإن المخاطر التي يواجهها كبيرة، حيث أن نشاط إدارة الثروات يتطلب رأس مال أقل بكثير مقارنة بعمليات الإقراض وإدارة الاكتتاب للشركات، لكنه يوفر تدفقاً ثابتاً من الرسوم التي يدفعها المستثمرون. وقد أشاد المسؤولون التنفيذيون في البنك بقسم إدارة الثروات باعتباره محركاً رئيسياً لنمو الإيرادات منذ بداية العام.

لكن، مثل معظم الأنشطة المصرفية، فإن الحجم هنا مهم.

يتمتع هنغاري بميزة رئيسية مقارنة بسلفه، تتمثل في الدعم الكبير الذي يحظى به من الإدارة العليا في (HSBC) لتعزيز حضور البنك في المنطقة. سيتولى جورج الحداري، الذي يتحدث العربية وقضى نحو نصف مسيرته المهنية التي امتدت لعقدين في الشرق الأوسط، منصب الرئيس التنفيذي في سبتمبر.

وقالت وينغ: “النجاح يعتمد بشكل كبير على بناء علاقات شخصية قوية. عليهم التحلي بالصبر حتى تؤتي هذه العلاقات ثمارها.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *