2025 عام لا يبعث على التفاؤل مناخياً
ها قد استهلينا الشطر الثاني من عقد حاسم يتطلب تقليصاً جذرياً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لنتجنب احتراراً عالمياً يهدد بإلحاق ضرر بكوكبنا، لكن الأفق لا يبدو مبشراً بخير. إن مستويات التلوث الناتجة عن غازات الدفيئة ليست بعيدة عن هدف الانخفاض فحسب، بل إنها بالكاد تسجل تباطؤاً قليلاً مقارنة مع وتيرة تسارعها على مدى العقدين الماضيين. وعلى الرغم من التوسع الكبير في استخدام الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، فإن استهلاك الفحم تجاوز معدلاته القياسية السابقة، ويبدو أن هذا الاتجاه الصعودي سيستمر لسنوات.
في الوقت نفسه، يبدو الدعم السياسي للطاقة النظيفة أضعف عالمياً مما كان عليه منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ في 2015 بعدما جمعت بعد طول انتظار جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على طاولة واحدة. ويبقى هناك بصيص أمل، وإن كان ضعيفاً، بأن يكون هذا التراجع مجرد دورة مؤقتة، وليس تخلياً عالمياً عن التحول الضروري في مجال الطاقة.
إليك خمسة معايير يمكن من خلالها قياس ما إذا كانت الصورة ستتحسن بحلول نهاية 2025 مقارنة مع ما نراه اليوم.
توقعات الطلب على الكهرباء في الصين
سنحصل على لمحة عن الرقم الذي يجوز اعتباره الأهم في تحديد مسار الانبعاثات العالمية خلال الأسابيع المقبلة، عندما يصدر مجلس الكهرباء الصيني، وهو تكتل معني بهذا القطاع، توقعه السنوي لنموّ الطلب على شبكة الكهرباء. لكن التفاؤل يبدو صعباً في ظل المعطيات الحالية.
على عكس مألوف الدول المتقدمة نسبياً، ينمو استهلاك الكهرباء في الصين بوتيرة أسرع من نموّ اقتصادها، حيث يبدو أن الحكومة تستهدف معدل نموّ للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 5% عام 2025.
يُتوقع أن توفر منشآت الطاقة المتجددة والنووية الجديدة حوالي 600 تيراواط/ساعة من الكهرباء الإضافية، لكن بالنظر إلى التوجهات الحالية، فإن هذا المستوى من النموّ الاقتصادي المنشود سيظلّ بحاجة إلى 100 تيراواط/ساعة إضافية من الوقود الأحفوري. هذا الرقم يعادل تقريباً استهلاك ألمانيا السنوي من الفحم لتوليد الكهرباء.
لولا الصين، لكان الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري قد بلغ ذروته منذ عقد. وإن لم تستطع الصين قريباً كبح إدمانها على الفحم، فإن العالم سيواجه مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر.
الخطط المناخية حتى 2035
من الآن وحتى نهاية فبراير، ستتجه أنظار المراقبين المناخيين إلى سجل وثائق غامض مدفون عميقاً في موقع الأمم المتحدة. ونعني بذلك الموعد النهائي لتحديث الدول مساهماتها المحددة وطنياً، وهي خرائط طرق توضح كيفية عزمها تقليل الانبعاثات خلال العقد المقبل. من المفترض أن تكون هذه التحديثات أكثر طموحاً من الجولة السابقة، التي فشلت في الوصول إلى المستويات المطلوبة لتجنب تغير مناخي كارثي. لكن المعطيات الجيوسياسية تشير إلى أن النتائج قد لا تكون بالمستوى المأمول هذه المرة أيضاً.
حتى الآن، قدمت الإمارات العربية المتحدة والبرازيل مساهماتهما المحددة وطنياً. ورغم أنها تبدو واعدة من حيث الرؤية، إلا أن تحقيقها قد يكون أمراً مختلفاً. إذ تظهر الأرقام جريئة على الورق، لكن يصعب تصور تحقيقها على أرض الواقع إن صاحبتها سياسات أقل جرأة.
حين تقدم الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند تحديثاتها، ستتضح الصورة حول كيفية تخطيط الدول التي تمثل حوالي 60% من الانبعاثات العالمية لتقليل بصمتها الكربونية.
جنوب الحدود
من الأحداث المرتقبة التي لم تبصر النور في 2024 كان افتتاح مصنع للمركبات الكهربائية الصينية في المكسيك. فقد بحثت شركات “بي واي دي” (BYD) و”سايك موتور” (SAIC Motor) و”شيري أوتوموبيل” (Chery Automobile) طوال أكثر من 12 شهراً عن مواقع إنتاج مناسبة في البلاد، لكنها لم تعلن إنشاء أي مصنع حتى الآن.
لعلّ التوقيت كان لصالحها، نظراً لتحول قطاعات السيارات الصيني والاقتصاد الصيني بشكل عام إلى مادة سياسية دسمة خلال الانتخابات الأميركية. وقد قال الرئيس المنتخب دونالد ترمب أمام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو إنه سيرحب ببناء المصانع داخل الولايات المتحدة، لكنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 200% على المركبات الصينية المصنوعة في المكسيك، لكن لم يتضح بعد نوع السياسة التي ستتبلور في نهاية المطاف.
مع ذلك، لا يمكن تأجيل القرار إلى الأبد. فعلى الرغم من أن العلامات التجارية الصينية شبه غائبة عن السوق الأميركية، إلا أنها تمثل حالياً نحو واحدة من كل 10 سيارات جديدة تُباع في المكسيك. ويمكن للإعلان عن إنشاء مثل هذا المصنع أن يحدد المسار التجاري والدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين خلال العقد المقبل.
أسواق الكربون تصبح عالمية
من الإنجازات القليلة لقمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 29” التي عُقدت في أذربيجان في نوفمبر، كان وضع اللمسات الأخيرة على “المادة السادسة”، وهي مجموعة معقدة من القواعد تهدف إلى تنظيم الفوضى السائدة في أسواق الكربون. تضم هذه القواعد مجموعة معايير متداخلة تشمل كل شيء: من الضرائب الصارمة وأنظمة تجارة الانبعاثات إلى وعود فارغة بمنع إزالة الغابات.
في أفضل السيناريوهات، سيؤدي ذلك إلى تدفق مبالغ ضخمة إلى الأسواق الناشئة، مخصصة لمشاريع خاضعة لتدقيق صارم، ما سيقلل بصمة الكربون العالمية من خلال بناء محطات للطاقة النظيفة أو زراعة الغابات التي لم تكن لتتواجد لولا المدفوعات المرتبطة بالكربون. أما في أسوأ السيناريوهات، فقد يؤدي ذلك إلى استغلال بعض الجهات لأسواق الكربون الأكثر مصداقية، عبر إغراق السوق بوحدات ائتمان منخفضة الجودة من نظام حوافز إزالة ثاني أكسيد الكربون ترتبط بمشاريع كانت ستُنفذ على أي حال.
يُتوقع أن يتضح المسار الذي ستسلكه الأمور في 2025، خاصة مع سعي مجموعة من المشاريع منخفضة الجودة التي أُنشئت بموجب بروتوكول كيوتو 1997 للانضمام إلى الأنظمة الجديدة للأمم المتحدة.
ومع دخول ضرائب الكربون الحدودية الأوروبية حيز التنفيذ في 2026، ستصبح سوق الكربون الأوروبية عالمية هي الأخرى. ومن شأن تحديد أسعار وحدات الائتمان هذه أن يعطي فكرة عمّا إذا أسهمت المادة 6 في تحسين الوضع أو أنها كانت مجرد محاولة فاشلة.
خمس سنوات من أجل إنقاذ كوكب الأرض
سترسم معالم العنصر الأهم الرابط بين العاملين الأولين على هذه القائمة خلال العام المقبل، خاصة عند دنو نهاية 2025، وأعني بذلك الخطة الخمسية الخامسة عشرة للصين. هذه الخطة ليست وثيقة واحدة، بل مجموعة من مئات الوثائق المتعلقة بالسياسات الداخلية، حيث تسربت بعض التفاصيل تدريجياً قبل أن يأتي موعد إقرارها الشكلي في مارس 2026.
لم تكن السياسات المناخية في النسخة الرابعة عشرة من الخطط الخمسية التي بدأت في 2021 على مستوى وعود الرئيس شي جينبينغ في 2020 بشأن بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول 2030، فمهد ذلك لأداء كارثي في السنوات الماضية، إذ تتحمل الصين مسؤولية كل طن إضافي من الانبعاثات منذ 2019. وإن لم يستغل شي ولاية ترامب لترسيخ قيادة الصين المناخية والدفع قدماً بطموحات أكثر صرامة، فإن الارتفاع الكارثي في درجات الحرارة سيصبح شبه حتمي.