وول ستريت تنهي عاصفة التقلبات بأقوى مكاسب أسبوعية منذ 2023

ضربت التقلبات وول ستريت مجدداً، لتعوض مؤشرات الأسهم خسائرها مسجلة أقوى ارتفاع أسبوعي لها منذ 2023. وجاء هذا الانتعاش مع تراجع ضغوط البيع في سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل والدولار، بعد أيام من الفوضى وسط المخاوف من تخارج المستثمرين الأجانب من الأصول الأميركية.
انتشرت التقلبات في السوق، وسط مخاوف من أن تأثير سياسة الرئيس دونالد ترمب التجارية سريعة التغير لن يؤثر على الاقتصاد العالمي فحسب، بل يهدد أيضاً مكانة الولايات المتحدة باعتبارها الملاذ الآمن في العالم. قفز مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 2% على خلفية تقرير أفاد بأن مسؤولاً في الاحتياطي الفيدرالي أكد استعداد البنك المركزي للمساعدة في استقرار الأسواق عند الحاجة. وانخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاماً، لكنها ظلت مرتفعة بمقدار 45 نقطة أساس عن الجمعة الماضية.
المشاعر تحرك وول ستريت
قال مارك هاكيت من شركة “نايشن وايد” (Nationwide): “ما تزال الأسواق تحركها المشاعر. فهي لا تزال تبحث عن القاع وسط توترات تجارية غبر محسومة، وعدم يقين بشأن الأرباح، وتحديات تحديث بالاقتصاد الكلي. ورغم أن مكاسب هذا الأسبوع مشجعة، إلا أنها لا ينبغي اعتبارها نقطة تحول واضحة”.
السوق لم تشهد هذا القدر من عدم وضوح الرؤية منذ جائحة كورونا، خاصة فيما يتعلق بالتوقعات للنمو الاقتصادي والأرباح، مع إطلاق الصين لتدابير انتقامية وتعليق ترمب لبعض الرسوم بعد ساعات فقط من دخولها حيز التنفيذ.
تطمينات من الاحتياطي الفيدرالي
ظهرت مصطلحات “عدم اليقين” و”المجهول” و”الاضطراب” في أكثر من مناسبة مع بدء ثلاثة من أكبر البنوك الأميركية الكشف عن نتائج أعمالها يوم الجمعة. قال الرئيس التنفيذي لبنك “جيه بي مورغان”، جيمي ديمون، إنه يتوقع “اضطرابات” في سندات الخزانة الأميركية، قد تدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التدخل.
قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن سوزان كولينز في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز إن بنك الاحتياطي الفيدرالي “سيكون مستعداً تماماً” للمساعدة في استقرار الأسواق المالية إذا شهدت الظروف اضطرابات. وأشارت إلى أن الأسواق لا تزال تعمل بشكل جيد في الوقت الحالي، مع عدم وجود مخاوف بشأن السيولة بشكل عام.
قال جيمس سانت أوبين، كبير مسؤولي الاستثمار في “أوشن بارك”: “من المتوقع أن تهدأ التوترات في الوقت الحالي بعد التطمينات الواردة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي” وأضاف: “التقلبات بحد ذاتها ليست مؤشراً إيجابياً. قد تبدو الارتفاعات الحادة خلال اليوم مريحة ظاهرياً، لكن التقلبات الحادة دليل على حالة من عدم اليقين الشامل”.
تقلبات عنيفة تجتاح ول ستريت
وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر “إس آند بي 500” تحرك في نطاق يتجاوز 10% خلال الأسبوع، وهو يوازي التقلبات الحادة التي حدثت خلال ذروة الوباء.
قال آدم تورنكويست من شركة “إل بي إل فاينانشا”ل: “إن مصطلح (قطار الملاهي) ليس مصطلحاً فنياً، ولكنه ربما يكون أفضل لفظ لوصف حركة الأسعار في أسواق الأسهم هذا الأسبوع. ورغم تسجيل بعض التقدم في المؤشرات الفنية مؤخرًا، فإننا ندرك أن حالة عدم اليقين والمخاطر لا تزال مرتفعة، ولكننا نؤكد أنها تأتي تزامناً مع أي قاع في السوق”.
وأشار إلى أن بوادر الاستسلام بدت جلية خلال الأسبوع الماضي، حيث وصلت مؤشرات الزخم والاتساع إلى مستويات تتناسب مع نقاط تحول رئيسية أخرى في أسواق الأسهم. وأضاف تورنكويست أن هذا لا يعني أن الأسهم سترتفع فورًا أو أن فترة التقلبات العالية قد انتهت.
قال كريت توماس، استراتيجي الأسواق العالمية في شركة “تاتش ستون انفستمنتس” (Touchstone Investments): “المشاعر هي المحرك الرئيسي للسوق نظراً لعدم وضوح الرؤية. تعليق الرسوم الجمركية عزز الآمال في التوص لحلول تفاوضية، وأن الإدارة تولي اهتماماً للأسواق. والآن، ننتظر لنرى كيف ستبدو بعض هذه الصفقات التجارية”.
المستثمرون يتجنبون الأصول الأميركية
وعلى الرغم من تعليق ترمب التعريفات الجمركية واسعة النطاق، لا يزال المستثمرون يميلون إلى تجنب الأصول الأميركية لصالح أوروبا وغيرها من الأسواق المتقدمة، وفقًا لأحدث استطلاع “إم إل آي في بالس” (MLIV Pulse).
ومن بين 203 مشاركين في استطلاع للرأي أُجري في الفترة من 9 إلى 11 أبريل، بعد أن أعلن ترمب عن تأجيل الرسوم 90 يوماً على معظم البلدان، يخطط 81% من المشاركين إما للبقاء في الأصول الأميركية أو تقليص استثماراتهم بها.
وقال أكثر من ربع المشاركين في الاستطلاع إنهم يقللون استثماراتهم أكثر مما توقعوا قبل أن يكشف الرئيس عن الرسوم الجمركية العالمية بنسبة تصل إلى 50% في وقت سابق من هذا الشهر.
وأوصى مايكل هارتنت من “بنك أوف أميركا” المستثمرين باستغلال ارتفاعات مؤشر “إس آند بي 500” بالبيع حتى يتدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي وتخفف الولايات المتحدة والصين من حدة الحرب التجارية العالمية.
قال الخبير الاستراتيجي إن الرسوم الجمركية وما نتج عنها من اضطرابات في السوق حوّلا استثنائية الولايات المتحدة إلى “رفض أميركي”. كما أوصى ببيع الأسهم على المكشوف -حتى يصل مؤشر “إس آند بي 500” إلى 4800 نقطة- ونصح بشراء سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين.
قال جيفري بوخبيندر من شركة “إل بي إل فاينانشال”: “هناك احتمال جيد بأننا وصلنا إلى القاع. هناك أدلة كثيرة على تراجع الضغوط البيعية. ولكن بعد الارتفاع الحاد من أدنى مستويات الأسعار، لا يبدو التوازن بين المخاطرة والمكافأة مُقنعاً، خاصةً مع تصاعد الحرب التجارية مع الصين”.
تباين نتائج أعمال البنوك الأميركية
انطلق موسم الإعلان عن نتائج أعمال الربع الأول في الولايات المتحدة يوم الجمعة، حيث أعلنت البنوك الكبرى عن نتائج متباينة.
حققت إدارة تداول الأسهم لدى مصرف “جيه بي مورغان” ربحًا قياسيًا في الربع الأول، لكن الرئيس التنفيذي ديمون اتخذ نبرة حذرة بشأن آفاق الاقتصاد الأميركي. وجاء صافي دخل الفائدة لمصرف “ويلز فارغو” دون التوقعات في الربع الأول. وجاءت إيرادات تداول الأسهم في “مورغان ستانلي” بالربع الأول أعلى من توقعات المحللين.
الأصول الخطرة تعاني وسط اضطراب السندات
يرى أجاي راجادياكشا من “باركليز” أن الأصول الخطرة ستواصل المعاناة حتى تستقر سندات الخزانة الأميركية وتبدأ في التحرك بشكل طبيعي.
في حين تراجعت الضغوط على السندات إلى حد ما يوم الجمعة، شهدت العائدات على الأوراق المالية طويلة الأجل واحدة من أكبر القفزات الأسبوعية منذ ثمانينيات القرن العشرين.
وبدأ تراجع الأسواق بسبب الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة والتي هزّت الأسواق العالمية، ما يُنذر بتوجيه ضربة إضافية للاقتصاد من خلال رفع تكاليف الاقتراض بشكل عام. كما أنه يُلقي بظلال من الشك على مكانة سندات الخزانة كملاذ آمن عالمي، إذ تنخفض قيمتها بالتوازي مع تراجع سوق الأسهم، مما يدفع المستثمرين إلى اللجوء لأصول بديلة مثل الفرنك السويسري والذهب والين الياباني.
توقعات ركود الاقتصاد الأميركي
أبقى العديد من المحللين في وول ستريت على توقعاتهم بحدوث تباطؤ حاد في نمو الاقتصاد الأميركي وحذروا من أن خطر الركود لا يزال مرتفعاً رغم قرار إدارة ترمب هذا الأسبوع بتأجيل فرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من الشركاء التجاريين.
ويتناقض التشاؤم بين خبراء الاقتصاد إلى حد ما مع الإشارة الصادرة عن سوق الأسهم، التي ارتفعت منذ أعلن ترمب يوم الأربعاء تعليق التعريفات “المتبادلة” -لمدة 90 يوما والتي أعلن عنها سابقاً- للعديد من الدول باستثناء الصين التي رفع الرسوم الجمركية على الواردات منها إلى 145%.
في الواقع، حمل يوم الجمعة إشارة جديدة إلى أن المستهلكين كانوا قلقين حتى قبل التحول في السياسة التجارية يوم الأربعاء، مع انخفاض المشاعر وسط ارتفاع توقعات التضخم إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.