وول ستريت تتكبد أعنف هبوط يومي منذ انهيار أغسطس
مرّت مؤشرات الأسهم الأميركية بأسوأ جلسة لها منذ انهيار السوق في 5 أغسطس، ليهبط مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) بأكثر من 2% بعدما ضربت مخاوف النمو والسياسة النقدية أسعار الأصول الخطرة، مثلما حدث قبل شهر.
تماماً كما حدث في أوائل الشهر الماضي، تصدرت شركات التكنولوجيا الكبرى الأسهم المنخفضة، وقاد “إنفيديا كورب” تراجع أسعار أسهم شركات تصنيع الرقائق. لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ هوت أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الطلب العالمي الفاتر. ومرة أخرى، هبط مؤشر التصنيع المراقب عن كثب دون التوقعات. وارتفع “مقياس الخوف” في وول ستريت. تراجعت عوائد سندات الخزانة، وأبقى المتداولون على رهاناتهم بإجراء الاحتياطي الفيدرالي خفض كبير لسعر الفائدة بمقدار نصف نقطة قبل نهاية العام. وارتفعت قيمة الين.
مخاوف الركود
ومع استقرار توقعات التضخم إلى حد ما، تحول الاهتمام إلى صحة أكبر اقتصاد في العالم، إذ يمكن لعلامات الضعف أن تسرع من وتيرة تيسير السياسة النقدية. يتوقع تجار المقايضة أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بأكثر من نقطتين مئويتين كاملتين خلال الـ12 شهراً القادمة، وهو ما سيكون أكبر خفض بعيداً عن انكماش الثمانينيات.
في حين تميل الأسهم للاستفادة من تخفيضات أسعار الفائدة، فإن هذا ليس هو الحال بالضرورة عندما يسارع الاحتياطي الفيدرالي لمنع حدوث تباطؤ أكبر في الولايات المتحدة. قال إيان لينجن وفيل هارتمان من “بي إم أو كابيتال ماركتس” (BMO Capital Markets) إن القلق بشأن الارتفاع الأخير في معدل البطالة سيبقي المتداولين “في حالة تأهب” حتى صدور بيانات كشوف الأجور يوم الجمعة.
وقال جيسون برايد ومايكل رينولدز من “غلينميد”: “رغم أن تقرير الوظائف المنتظر هذا الأسبوع ليس العامل المحدد الوحيد، فمن المرجح أن يكون عاملاً رئيسياً في قرار الاحتياطي الفيدرالي حيال خفض الفائدة 25 نقطة أساس أو 50 نقطة أساس. كما أن الإشارات المتواضعة في تقرير الوظائف لهذا الأسبوع يمكن أن تكون نقطة قرار رئيسية بشأن ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيتخذ نهجًا أكثر حذراً أو جرأة”.
نظرة متفائلة
أمّا كالي كوكس من “ريثولتز ويلث مانجمنت” (Ritholtz Wealth Management) فترى أنه بصرف النظر عن الصورة الكلية، هناك أيضاً حقيقة أننا بصدد دخول ما يُرى في الغالب على أنه “وقت عصيب” من العام بالنسبة للأسهم.
وأشارت كوكس إلى أنه “في حين أنه ليس من الضرورة أن يعيد التاريخ تكرار نفسه، فمن الطبيعي الاعتقاد بأن شهر سبتمبر قد يكون متقلباً بشكل خاص. لكن هذا ليس الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من عقود من بيانات السوق الموسمية. بدلاً من ذلك، يجب أن ينصب اهتمامك على سبب كون هذا التراجع (فرصة للشراء، لأن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل هنا)”.
وأوضحت أنه بين هذه العوامل: نمو الأرباح، واستعداد الاحتياطي الفيدرالي للبدء في تيسير السياسة النقدية على خلفية التضخم القابل للسيطرة، وحقيقة توافر سيولة ضخمة لدى المستثمرين “والتي يمكن أن تعود من جديد إلى الأسهم”.
انخفض مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) إلى مستوى 5,530 نقطة، وتراجع مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 3.1%. وانخفض مؤشر “داو جونز الصناعي” بنسبة 1.5%. وخسر مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة 3.1% من رصيده. وتكبد صندوق “فان إك” المتداول لأسهم شركات تصنيع الرقائق “VanEck Semiconductor ETF” البالغة قيمته 22 مليار دولار أكبر انخفاض منذ مارس 2020 مع تراجع سعر سهم “إنفيديا” بنسبة 9.5%. وهوي سعر سهم “بوينغ” بنسبة 8% بعد تخفيض محللين لتوصيتهم تجاه السهم.
هبطت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار سبع نقاط أساس إلى 3.84%. يقبل عدد قياسي من الشركات الكبرى سوق السندات. ارتفع سعر الين بعد أن أكد محافظ بنك اليابان كازو أويدا أن البنك المركزي سيواصل رفع أسعار الفائدة إذا كان أداء الاقتصاد والأسعار كما هو متوقع.
قوة الاقتصاد الأميركي
يقول الخبير الاستراتيجي في “مورغان ستانلي” الذي توقع تصحيح السوق الشهر الماضي، إن الشركات التي تخلفت عن صعود الأسهم الأميركية يمكن أن تحصل على دفعة إذا قدمت بيانات الوظائف يوم الجمعة دليلاً على قوة الاقتصاد. كتب مايكل ويلسون أن رقم الوظائف الأقوى من المتوقع من المرجح أن يمنح المستثمرين “ثقة أكبر في أن مخاطر النمو قد هدأت”.
قال استراتيجو “جيه بي مورغان” في وقت سابق من هذا الأسبوع إن ارتفاع سوق الأسهم قد يتوقف بالقرب من مستويات قياسية حتى لو بدأ الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة المتوقعة للغاية. وأشار الفريق بقيادة ميسلاف ماتيكا إلى أن أي تيسير السياسة النقدية سيكون ردا على تباطؤ النمو، مما يجعله لخفض بمثابة “رد فعل”.
وكتب ماتيكا في مذكرة: “لم نخرج من الأزمة بعد”، مكرراً تفضيله للقطاعات الدفاعية على خلفية تراجع عوائد السندات. “تبدو مؤشرات المعنويات والتمركز بعيدة كل البعد عن الجاذبية، كما أن حالة عدم اليقين السياسي والجيوسياسي مرتفعة، وتصبح التقلبات الموسمية أكثر صعوبة مجدداً في سبتمبر”.
تقلبات سبتمبر
منذ 1950، تكبد مؤشر “إس آند بي 500” خسائره الشهرية الأكبر في سبتمبر، وفقاً “Stock Trader’s Almanac”. ارتفع مؤشر المشاعر المتناقضة الصادر عن “بنك أوف أميركا كورب” إلى أعلى مستوى له منذ ما يقرب من عامين ونصف الشهر الماضي، ويقترب من الإشارة إلى “بيع” الأسهم الأميركية.
قال سام ستوفال، من “CFRA”: “على مدار السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، تعرض مؤشر (إس آند بي 500) خلال شهري أغسطس وسبتمبر لجرعة مضاعفة من الهبوط. ومع ذلك، ننصح المستثمرين الآن بتوخي الحذر، لأنه خلال سنوات الانتخابات، يمتد هذا الهبوط الموسمي المتواصل إلى سبتمبر وأكتوبر”.
من جهته، قال فيليب سترايل من “مورنينغ ستار ويلث” (Morningstar Wealth): “الدرس الرئيسي المستفاد من الأسابيع القليلة الماضية هو أن أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى لم تثبت أنها دفاعية خلال التراجعات الأخيرة في السوق. على الرغم من عدم وجود أدلة تذكر على وجود تباطؤ في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، إلا أن التقييمات وضعت تطلعات مرتفعة لنتائج الشركات والأداء الكلي”.
أوضح ريتش روس من “إيفركور” (Evercore) أن مؤشر “إس آند بي 500” انخفض 5% على الأقل من أعلى مستوياته في أغسطس / سبتمبر في تسعة من السنوات العشر الماضية.
وأشار روس إلى أن “هذا العام لا ينبغي أن يكون مختلفاً بعد تحول أسعار أواخر أغسطس إلى مقاومة عند أعلى المستويات على الإطلاق”، و”لدى مؤشر (إس آند بي) تحيزاً هبوطياً قوياً لا يدعمه إلا الميل نحو الأسهم الدفاعية والقطاعات المالية (منخفضة التقلب)، أي التي تستفيد من انخفاض أسعار الفائدة والتحركات الأكثر حدة”.
بينما يتأهب المستثمرون لشهر سبتمبر الضعيف تاريخياً، أشار أنتوني ساجليمبيني من “أميربرايس” (Ameriprise) إلى أن الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر هي أقوى فترة ممتدة لثلاثة أشهر (من حيث الأداء) لمؤشر “إس آند بي 500”.
وقال ساجليمبيني: “من وجهة نظرنا، يجب على المستثمرين الاستمرار في التركيز على الاستفادة من التقلبات. من المهم الاعتماد على استراتيجيات متوسط التكلفة بالدولار المختبرة عبر الزمن، وتنويع المحفظة الاستثمارية للتغلب على دفعة محتملة أكثر صعوبة حتى نهاية العام”.
بيانات اقتصادية مرتقبة
وفي بداية أسبوع مزدحم بالبيانات الاقتصادية، أظهر تقرير أن نشاط التصنيع في الولايات المتحدة انكمش في أغسطس للشهر الخامس.
من المتوقع أن يظهر تقرير كشوف الأجور لشهر أغسطس يوم الجمعة المقبل زيادةً في الوظائف بأكبر اقتصاد في العالم بنحو 165 ألف وظيفة، بناءً على متوسط التقديرات في استطلاع بلومبرغ للاقتصاديين.
في حين أنه أعلى من الزيادة المتواضعة البالغة 114 ألف وظيفة في يوليو، فإن متوسط نمو الوظائف على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة سوف يتراجع إلى ما يزيد قليلاً عن 150 ألفاً، وهو الأصغر منذ بداية 2021. ومن المحتمل أن ينخفض معدل البطالة في أغسطس، إلى 4.2% من 4.3%.
وقال نيل دوتا من “رينسانس ماكرو ريسرش”، إنه في حين أن الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ أخيراً في خفض أسعار الفائدة، إلا أنه لا يبدو أن خفضها بمقدار 25 نقطة أساس سيفي بالغرض. في ظل هذا السيناريو، سيستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإعادة سعر الفائدة على الأموال إلى الحياد، وفي هذه العملية، ستبقي السياسة النقدية مقيدة، ما سيبقي آفاق المخاطر السلبية على النمو قائمة.
“من المحتمل أن يؤدي هذا السيناريو المتخبط إلى المخاطرة بزيادات أخرى في معدل البطالة. لذا، إذا لم يخفضوا الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر، فسيتعين عليهم أن يتخذوا هذا القرار في وقت لاحق من هذا العام.
يتوقع استراتيجيو أسعار الفائدة في الولايات المتحدة رد فعل أكبر في السوق إذا جاءت بيانات التوظيف لشهر أغسطس يوم الجمعة أضعف من المتوقع، وفقاً لعدد محدود من التقارير البحثية الأسبوعية المنشورة في عطلة نهاية الأسبوع.
“مع احتمال أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، يجب على المستثمرين التفكير في تمديد آجال استثماراتهم الآن في الدخل الثابت عالي الجودة لتحقيق المكاسب المحتملة”، وفق شركة “برنسيبال أسيت مانجمنت” (Principal Asset Management).