وول ستريت تتراجع بعد موجة صعود بدعم من صفقات الذكاء الاصطناعي

تراجعت مؤشرات الأسهم في “وول ستريت” بعدما أثارت سلسلة من المستويات القياسية دعوات لالتقاط الأنفاس وسط مؤشرات على إنهاك المستثمرين، في حين ارتفعت السندات الأميركية بعدما استقطب مزاد سندات خزانة بقيمة 58 مليار دولار طلباً قوياً.
تحوّلت موجة التفاؤل التي غذّاها الذكاء الاصطناعي إلى مخاوف من مبالغة في الارتفاع، بعد قفزة بلغت 16 تريليون دولار في القيمة السوقية لمؤشر “إس آند بي 500” منذ أدنى مستوياته في أبريل.
وساهمت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى في سحب المؤشر إلى الأسفل، على وقع تقرير أشار إلى أن هوامش الأرباح السحابية لشركة “أوراكل” أدنى من تقديرات كثيرة. كما هبط سهم “تسلا” بأكثر من 4% بعد طرحها نسخاً جديدة من طرازاتها الأكثر مبيعاً، بأسعار تقل عن 40 ألف دولار.
تفاؤل مفرط بين المستثمرين
خلال الأشهر الأخيرة، تزايد تفاؤل المستثمرين إلى حدّ مفرط، إذ بدوا منشغلين بملاحقة المكاسب، أكثر من القلق حيال المخاطر المحتملة، مثل الإغلاق الحكومي الأميركي أو التقييمات المبالغ فيها.
وقال بنك “غولدمان ساكس” إن معنويات العملاء بلغت أعلى مستوياتها منذ ديسمبر، فيما أظهر مؤشر شعور المستثمرين الذي يعدّه “باركليز” اقترابه من مستوى يدل على “التفاؤل المفرط”، بينما عاد مؤشر مشابه من “بلومبرغ إنتليجنس” إلى ما وصفه المحللون بـ”منطقة الإفراط في التفاؤل”.
وقالت أولريكه هوفمان-بورشارد من إدارة الثروات العالمية لدى “يو بي إس”: “لن يكون مفاجئاً أن نشهد فترة من التماسك بعد هذه الموجة القوية من الصعود، لكننا نعتقد أن الأسس الاقتصادية الصلبة ما تزال تدعم استمرار هذا الاتجاه الصعودي”.
أغلق مؤشر “إس آند بي 500” حول مستوى 6,715 نقطة. وتراجع سهم “أوراكل” بنسبة 2.5%، في حين قفز سهم “ديل تكنولوجيز” بنسبة 3.5% بعد رفع الشركة لتقديراتها بدعم من الطلب القوي على الذكاء الاصطناعي. وانخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنقطتين أساس إلى 4.13%، بينما ارتفع الدولار.
تصريحات من الفيدرالي وتحليلات من الأسواق
تفاعل المتعاملون أيضاً مع تصريحات لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، إذ قال المحافظ ستيفن ميران إن توقعاته بتأثير محدود للتعريفات الجمركية على التضخم تعني أن البنك يمكنه الاستمرار في تيسير السياسة النقدية. في المقابل، حذّر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري، من أن أي خفض حاد في أسعار الفائدة قد يعيد إشعال الضغوط التضخمية.
وقال كريس مونتاغو من “سيتي غروب” إن “مخاطر جني الأرباح ارتفعت بسرعة عبر الأسواق، خصوصاً في مؤشر ناسداك، ما قد يعيق أي ارتفاع إضافي”.
أما كريغ جونسون من “بايبر ساندلر” فأبدى تفاؤله رغم ذلك، مشيراً إلى “رياح اقتصادية كلية مواتية تدفع السوق إلى الأعلى”، لكنه أضاف أن “هناك مؤشرات طفيفة على تباين الزخم تستوجب الحذر، خصوصاً مع الأسهم المبالغ في ارتفاعها خلال الأسابيع الأخيرة”.
وأضاف: “مرحلة تماسك قصيرة أو تصحيح طفيف ستكون موضع ترحيب لتوفير فرص أفضل للمخاطرة والعائد”.
وقال مارك نيوتن من “فاندسترات غلوبال أدفايزرز” إن “حالات التشبع الشرائي ليست سبباً وجيهاً لتجنب الأسهم الأميركية، إذ يمكن أن تستمر لفترة طويلة، ولا تمثل بالضرورة مؤشراً سلبياً، لكن من المهم الانتباه وعدم الوقوع في فخ الاطمئنان الزائد”.
تقييمات مرتفعة ومخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي
بالنسبة لكالي كوكس من “ريثولتز ويلث مانجمنت”، فمن الطبيعي أن “تتحرك التقييمات صعوداً، لا سيما بعد موجات البيع الحادة مثل تلك التي شهدناها في أبريل”، مضيفة: “الآن نحتاج إلى أن تواكب الأرباح والبيانات الاقتصادية هذا الارتفاع”.
وأشارت إلى أن “نسب السعر إلى الأرباح التي تقترب من مستويات متطرفة يجب أن تشجع المستثمرين على إعادة موازنة محافظهم”، مضيفة: “لا يزال هناك الكثير من القيمة الخفية، أو الحماية ضد موجات البيع، التي يمكن أن تقي المستثمرين من خيبة أمل محتملة في قطاع الذكاء الاصطناعي”.
ويلفت بعض المحللين في “وول ستريت” إلى أن الارتفاع مزدوج الرقم لأسهم عدة شركات تكنولوجيا كبرى خلال فترة قصيرة قد يشير إلى أن التقييمات انفصلت عن الأساسيات، وأن المستثمرين يشترون بدافع الخوف من تفويت مزيد من المكاسب.
تأتي هذه التحركات وسط تنامي المخاوف من تشكّل فقاعة حول الذكاء الاصطناعي، مع تعهّد الشركات الكبرى بضخ مليارات الدولارات في صفقات مع مجموعة من الشركات المزودة للبنية التحتية لهذا القطاع. ومع استمرار تدفق الأموال، يتزايد القلق من أن ينتهي هذا الاتجاه بانفجار شبيه بما حدث قبل 25 عاماً عقب فقاعة الإنترنت.
وقال لويس نافلييه من “نافلييه أند أسوشيتس” إن التحذيرات من تكرار سيناريو فقاعة الإنترنت “تتكرر باستمرار”، مضيفاً أن “الاختلاف الكبير هذه المرة هو أن اللاعبين اليوم شركات ضخمة بميزانيات هائلة وتدفقات نقدية قائمة”.
وأضاف: “إذا استغرق تحقيق الأرباح وقتاً أطول من المتوقع، فإن بعض مورّدي الأجهزة قد يتكبدون خسائر تشغيلية، ومع ذلك فإن السوق المثقلة بشركات راهنت بالكامل على الذكاء الاصطناعي ستتأثر بشدة على المدى القصير في حال تراجعت توقعات ربحية هذا القطاع”.
ارتياح في سوق السندات
مع ذلك، قال نافلييه إن على المستثمرين ألا يقلقوا من فقاعة سوقية، “طالما أن مجتمع المحللين يواصل رفع تقديرات الأرباح، وأن الاحتياطي الفيدرالي يواصل خفض أسعار الفائدة الرئيسية، يمكننا الاستثمار بثقة في الأسهم ذات التصنيف الممتاز”.
وفي سياق متصل، قال جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لـ”جيه بي مورغان تشيس” إن المصرف ينفق ملياري دولار سنوياً على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويوفّر المبلغ نفسه تقريباً بفضل هذه الاستثمارات.
وأضاف في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ”: “نحن نعلم أن وفورات التكلفة ستصل إلى مليارات الدولارات، وأعتقد أن ما نراه الآن ليس سوى قمة جبل الجليد”، مؤكداً ثقته في الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا.
وقال أيان لينغن وفيل هارتمان من “بي إم أو كابيتال ماركتس”: “يدور الكثير من الحديث حول التقييمات المبالغ فيها في سوق الأسهم، والحاجة إلى تصحيح منطقي إلى الأسفل، والقضية ليست ما إذا كانت الأسعار ارتفعت أكثر من اللازم، بل كيف سيستجيب النظام المالي في حال حدوث تصحيح حاد”.
وأشارا إلى أن “تحركات الأسعار يوم الثلاثاء لم تكن عملية بيع ضخمة، بل تراجعاً في قطاع التكنولوجيا بعد المخاوف المتعلقة بضيق هوامش الأرباح في خدمات الحوسبة السحابية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي”، وأضافا: “لسنا خبراء في التكنولوجيا وسنترك تقييم هذه المخاوف للمتخصصين، أما استنتاجنا الوحيد فهو أن سوق السندات مرتاحة ضمن النطاق السائد، وأن اضطرابات الأسهم وفّرت ذريعة مناسبة للارتفاع”.