وعود مرشحي الرئاسة في الجزائر بين “الممكنة” و”صعبة التحقق”
مع بقاء أيام قلائل على الانتخابات الرئاسية في الجزائر والمقررة في 7 سبتمبر، يتفق المرشحون الثلاثة في حملاتهم الانتخابية على إطلاق وعود اقتصادية ضخمة رغم اختلاف تياراتهم السياسية، في وقت صنّف خبراء اقتصاديون تحدثت “الشرق” معهم هذه الوعود في خانتي “الممكنة” أو “صعبة التحقق”.
يتنافس في السباق الرئاسي الرئيس عبد المجيد تبون الذي تولى الحكم عام 2019 ويحظى بدعم أحزاب كبرى أبرزها “جبهة التحرير الوطني”، و”التجمع الوطني الديمقراطي” و”جبهة المستقبل”، ويوسف أوشيش مرشح “حزب جبهة القوى الاشتراكية” أقدم أحزاب المعارضة، وعبد العالي حساني شريف زعيم “حركة مجتمع السلم” المحسوب على التيار الإسلاموي.
حقائق عن انتخابات الرئاسة الجزائرية
- تجري في 7 سبتمبر 2024
- العدد الإجمالي للناخبين 24.35 مليون
- المرشحون: عبد المجيد تبون (الرئيس الحالي)، ويحظى بدعم أحزاب كبرى أبرزها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل.
- عبد العالي حساني شريف، زعيم حركة مجتمع السلم.
تأتي هذه الإنتخابات فيما تواجه الجزائر تحديات اقتصادية مع توقعات بانخفاض صادراتها من المحروقات بحلول عام 2025، في ظل تراجع أسعار النفط والغاز، مما يعمق الفجوة في الحساب الجاري ويزيد من الضغوط على الحكومة لتعزيز التنويع الاقتصادي وتقليص الاعتماد على العائدات النفطية.
شهدت مداخيل الجزائر من صادرات النفط والغاز انتعاشاً، فقد كانت من أكبر المستفيدين من أثار الحرب الروسية الأوكرانية على أسواق الطاقة العالمية، وبلغت صادرات البلاد من المحروقات 50 مليار دولار سنة 2023 مقارنة بنحو 33 مليار دولار سنة 2019، وفق بيانات وزارة الطاقة الجزائرية.
وشهد اقتصاد الجزائر العام الفائت ارتفاعاً قوياً هو الأعلى منذ عام 2015 في نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث قفز مقارنة بالعام 2022 بواقع 0.5 نقطة مئوية إلى 4.1%، بحسب بيانات بنك الجزائر. جاء ذلك بفضل قطاع المحروقات، رغم التحديات المتمثلة في انخفاض أسعار النفط العالمية. وفي عام 2024، من المتوقع أن تواجه الجزائر انخفاضاً في صادرات المحروقات، ما سيؤدي إلى ضغوط إضافية على القطاع العام والحساب الجاري. وبالتالي، تشير التوقعات إلى تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 2.9% العام الجاري، ليرتفع في العام المقبل إلى 3.7% مع تعافي النفط والإنتاج الزراعي.
من ناحية أخرى، انخفض معدل التضخم على أساس سنوي بنحو الربع ليبلغ 7.18% في العام المنصرم، وتباطأ إلى 5% في الربع الأول من العام الجاري. فيما انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى في ست سنوات إلى 11.8% العام الفائت، وفق بيانات البنك الدولي.
وفي الوقت ذاته، تواصل الجزائر جهودها الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات الاستثمارية، حيث أطلقت الحكومة مبادرات جديدة لدعم القطاعات غير النفطية، بما في ذلك إصلاحات قانونية وتنظيمية تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية والمحلية.
ومع توقعات بانخفاض الإنتاج الزراعي في السنوات المقبلة نتيجة لتغيرات مناخية متوقعة، تبقى استدامة الاقتصاد الجزائري مرهونة بقدرة الحكومة على تنفيذ سياسات اقتصادية مبتكرة تدعم التنوع الاقتصادي، وتقلل من المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.
وعود الرئيس تبون
يعد برنامج الرئيس الحالي بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية، من خلال تحفيز وحماية الاستثمار وخلق فرص عمل، وتعزيز الإنتاج المحلي كبديل للاستيراد، مع رفع الناتج المحلي إلى نحو 400 مليار دولار مقارنة بـ260 مليار دولار نهاية العام الماضي. كما يرغب في رفع الصادرات غير النفطية لتصل قيمتها إلى 15 مليار دولار بحلول 2026، من نحو 7 مليارات في العام الماضي.
القطاع الزراعي كان من بين النقاط التي ركز عليها الرئيس الحالي، إذ تعهد بزيادة إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، والمساحات المزروعة المروية، مع استقطاب المزيد من المشاريع الاستثمارية في قطاعي الزراعة والصناعة.
قطاع الطاقة الأساسي للاقتصاد الجزائري، كان في صلب الحملة الانتخابية للرئيس الحالي، إذ تعهد بتطويره، وإنجاز مشروع أنبوب الغاز الذي يعد الأكبر في أفريقيا، والذي يوصل الغاز النيجيري إلى أوروبا.
يمكن لإنجاز هذا الخط أن يزيد أيضاً من الصادرات الجزائرية إلى أوروبا، والتي تعتبر أكبر مصدر للغاز إلى القارة العجوز. بلغت إيرادات البلاد من تصدير النفط والغاز نحو 50 مليار دولار في العام الماضي، ارتفاعاً من نحو 33 ملياراً في 2019.
عرجت حملة تبون أيضاً على سوق العمل، إذ اعتبر في لقاء مع وسائل إعلام محلية في مارس الماضي، أن الدولة تعمل على ثلاثة محاور لرفع القدرة الشرائية للمواطنين، وهي: خفض التضخم، ورفع الأجور وإقرار منح البطالة، والدفاع عن قيمة الدينار.
ووعد تبون برفع الأجور بنسبة 53% قبل نهاية ولايته الثانية التي يترشح لها، مع تقليص التضخم إلى حدود 4% على أقصى تقدير، والذي يتراوح حالياً ما بين 7 و8% وفق ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عنه.
أقر الرئيس خلال ولايته الحالية، زيادات في الأجور بنسبة 47% طالت 2.8 مليون موظف، وزيادات في منح التقاعد استفاد منها نحو 900 ألف شخص. كذلك أقر منحة للبطالة لأول مرة في تاريخ البلاد تقدر قيمتها بنحو 100 دولار شهرياً، استفاد منها نحو مليوني عاطل من العمل، بحسب بيانات لوزارة العمل الجزائرية. يقدر البنك الدولي أن معدل البطالة في الجزائر بلغ 11.8% في عام 2023.
برنامج المرشح أوشيبش
في المقابل، يعتبر برنامج مرشح حزب “جبهة القوى الاشتراكية” يوسف أوشيش مسألة تكلفة المعيشة قضية ملحة للجزائريين من الفئات الشعبية والمتوسطة، معتبراً أن هذه الفئات بدأت بالاختفاء في السنوات الأخيرة مع الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الاستهلاكية، وتآكل القدرة الشرائية، على الرغم من التدابير المتخذة لدعم الأسر.
كما اعتبر الحزب المعارض، أن التحديات المرتبطة بالتضخم والبطالة والتشوه في توزيع الدخل، لا تزال قائمة، وتحتاج لإصلاحات اقتصادية هيكلية قائمة على تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل، والعمل على استقرار الأسعار.
وعد يوسف أوشيش برفع الحد الأدنى للأجور إلى 40 ألف دينار، وإقرار حد أدنى شامل قيمته 20 ألف دينار يخصص للنساء اللاتي لا يعملن، وذوي الاحتياجات الخاصة، والعاطلين من العمل. كما وعد بتعديل المنحة الجامعية لتتماشى مع الحد الأدنى الشامل، وزيادة الإعانات العائلية إلى 3000 دينار لكل طفل، مع إعادة العمل بالتقاعد المسبق، وزيادة قيمة المساعدة للسكن الريفي إلى مليوني دينار، وتعليق الضريبة على الدخل الإجمالي على الأجور التي تقل عن 50 ألف دينار، مع وضع سقف لأسعار المواد الغذائية الأساسية.
زعيم أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر وعد برفع الصادرات غير النفطية إلى 40 مليار دولار بحلول 2030، وذلك من خلال تشجيع الصناعة المخصصة للتصدير عبر تقديم حوافز ضريبية، بالإضافة إلى تجديد أسطول النقل البحري من خلال شراء سفن جديدة لنقل البضائع وتعزيز النقل الجوي بطائرات الشحن.
كما يعتزم مرشح جبهة القوى الاشتراكية الاستثمار بشكل مكثف في البنية التحتية للطاقة الشمسية، مع إنشاء صندوق يتم تمويله من عائدات النفط والغاز، يخصص للاستثمار الاستراتيجي في مختلف القطاعات الاقتصادية.
أوشيش تعهد بدعم مالي للمشاريع الزراعية ذات النطاق الصناعي، وخاصة المنتجات ذات الطلب العالي، مع تشجيع الزراعة الغذائية في المناطق الريفية، وزيادة المساحات المروية التي تبلغ حالياً 1.43 مليون هكتار، في مسعى لتجنب الاعتماد على مياه الأمطار التي تتقلب مستوياتها.
المرشح شريف
يرى عبد العالي حساني شريف رئيس حزب “حركة مجتمع السلم” أن الجزائر تتمتع ببنى وهياكل قاعدية متوسطة ونامية، ومديونية شبه معدومة، إلا أنها تواجه تحديات بسبب ضعف معدلات النمو، وتدني قيمة الدينار، ما أثر على القدرة الشرائية، وخفض المتوسط العام للأجور. كما أن قطاع النفط يهيمن على الاقتصاد، في ظل ضعف إمكانيات التصدير في القطاعات غير النفطية.
كل هذه الظروف تأتي بالتزامن مع تضخم السوق الموازية، ومحدودية القدرات الإنتاجية وضعف التنافسية، وفق رأيه.
يعد شريف برفع الناتج المحلي إلى حدود 450 مليار دولار، وزيادة الدخل الفردي إلى 9 آلاف دولار سنوياً، مقارنة بـ4960 دولار حالياً، بحسب التصنيف السنوي الذي يجريه البنك الدولي لسنة 2024. كذلك وعد بتقليص معدل البطالة إلى 5% وخفض معدل التضخم الى 3%، ورفع معدل النمو فوق عتبة 7%.
حقائق اقتصادية جزائرية
- نمو الناتج المحلي 2023: 4.1%
- النمو المتوقع 2024: 2.9%
- معدل التضخم: 5% بالربع الأول 2024
- معدل البطالة 2023: 11.8%
- صادرات الطاقة 2023: 50 مليار دولار
وعود محصورة بتحسين المعيشة
يرى أحمد الحيدوسي، أستاذ علوم الاقتصاد في “جامعة البليدة”، في تصريح لـ”الشرق” أن البرامج الانتخابية في شقها الاقتصادي لم تخرج عن سياق تحسين الظروف المعيشية والقدرة الشرائية للجزائريين.
وأوضح أن مرشح “جبهة القوى الاشتراكية” يركز على ضرورة وضع سقف للأسعار، في المقابل يركز عبد المجيد تبون على التحرير التدريجي للأسعار مع توجيه الدعم لمستحقيه من الطبقات الهشة، بينما يعول مرشح “حركة مجتمع السلم” على مقاربة اقتصادية تكافلية لمساعدة الفئات الهشة، مع تخفيف الأعباء عن الخزينة العامة.
من جانبه، رأى أستاذ المالية في “جامعة قاصدي مرباح” سليمان ناصر في تصريح لـ”الشرق” أن وعود المرشحين الاقتصاية المتعلقة برفع الناتج المحلي والأجور، “صعبة التحقيق، وتواجه تحديات توفير الموارد المالية اللازمة لذلك”.
أضاف ناصر أن البرنامج الاقتصادي للرئيس الحالي يعد برفع الناتج المحلي لنحو 400 مليار دولار خلال سنتين، وهذا “صعب، ويتطلب تحقيق معدلات نمو عالية جداً مقارنة بحجم النمو الحالي المقدر بـ4.1%، أو من خلال دمج الاقتصاد الموازي بالاقتصاد الرسمي، والذي يشكل نحو 40%”، مؤكداً أن هذا الأمر “يتطلب سنوات”.
تعويل على قطاع الطاقة
ناصر أشار إلى أن تحقيق هذه الوعود، وخصوصاً المتعلقة بزيادة الأجور، يتطلب توفير موارد مالية إضافية، خصوصاً أن ميزانية الدولة لسنة 2024 قدرت بنحو 113 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق، وبعجز قيمته 45 مليار دولار.
وتساءل: “كيف يمكن تغطية هذه الزيادات؟ وهل يمكن الاعتماد على تحسن مداخيل الجزائر من النفط والغاز في ضوء التغيرات الجيوستراتيجية؟، معتبراً أن “هذا محفوف بمخاطر بسبب تقلب أسعار النفط”.
بدوره لفت الحيدوسي أستاذ العلوم الاقتصادية في “جامعة البليدة” أن زيادة الإنفاق مرتبطة بشكل رئيس بقطاع المحروقات، خاصةً أن البلاد تتوقع ارتفاع الإيرادات خلال السنوات المقبلة عبر رفع إنتاج الغاز إلى 200 مليار مكعب سنوياً مقابل 136 مليار متر مكعب حالياً.
خطط الجزائر لرفع الإنتاج تأتي في إطار جهودها لتعزيز الاستثمار في القطاع، وبالأخص مع شركتي “شيفرون” و”إكسون موبيل”، إضافةً لتوجهها لتوسيع استخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، ما يسمح بتوفير كميات كبيرة من الغاز لتوجيهها نحو التصدير، وفق الحيدوسي.
وضع الحيدوسي وعود المرشحين برفع الناتج المحلي “في خانة الممكن”، نظراً إلى أن البلاد تنتظر دخول 8 آلاف مشروع استثماري مسجل بالوكالة الجزائرية للاستثمار حيز التنفيذ بدءاً من السنة المقبلة، تتركز في قطاعات استراتيجية كالصناعات الميكانيكية، والصيدلانية، والزراعية، وفي مجال الطاقات المتجددة، إضافةً لمشاريع مهيكلة ضخمة في قطاع المناجم والصناعات البتروكيمياوية، أبرزها مشروع غار جبيلات.