هيثم الغيص: لحظة حقيقة أخرى لوكالة الطاقة الدولية

في 7 مارس 2017، خلال مؤتمر “CERAWeek”، خاطب المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية شركات النفط قائلاً: “استثمروا، استثمروا، استثمروا”، مضيفاً: “ندعو لضرورة القيام بالاستثمارات، بدون تأخير. لو كان عليّ أن أؤكد على كلمة رئيسية واحدة هنا، لكانت الاستثمار باستكشاف وتنقيب واستخراج النفط”.
التوافق بين مواقف “أوبك” ووكالة الطاقة الدولية استمر في مقال نُشر بالتزامن مع الاجتماع الوزاري السادس عشر لمنتدى الطاقة الدولي، في 10 أبريل 2018، حيث كتب المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: “بغض النظر عن سياسة المناخ، يظل الاستثمار بالوقت المناسب في إمدادات النفط والغاز حجر الزاوية في أمن الطاقة”.
بحلول مايو 2021، غيّرت وكالة الطاقة الدولية موقفها. ففي معرض إطلاقها لتقريرها “صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050: خريطة طريق لقطاع الطاقة العالمي”، كتبت الوكالة: “ليست هناك حاجة للاستثمار في إمدادات جديدة من الوقود الأحفوري في مسارنا نحو صافي صفر انبعاثات”.
وفي مقابلة مع صحيفة “الغارديان”، في 18 مايو 2021، صرّح المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: “إذا كانت الحكومات جادة بشأن أزمة المناخ، فلن تكون هناك استثمارات جديدة في النفط والغاز والفحم ابتداءً من الآن”.
مع ذلك، اتخذت وكالة الطاقة الدولية منعطفاً إيجابياً هذا الأسبوع. ففي 10 مارس 2025، صرّح المدير التنفيذي للوكالة خلال مؤتمر “CERAWeek”: “أريد أن أوضح… ستكون هناك حاجة للاستثمار، وخاصة لمعالجة تراجع الإنتاج في الحقول الحالية. هناك حاجة ماسة لاستثمارات في قطاعي النفط والغاز.. نقطة على السطر”.
إلى جانب خطر التقلبات الحادة التي قد يسببها هذا التذبذب في المواقف، لابد من التأكيد على نقطة مهمة، تتعلق بنشاط صناعة النفط على المدى الطويل. يحتاج العالم إلى وضوح لا لبس فيه بشأن حقائق مستقبل العرض والطلب. لا ينبغي للوكالات، التي تُدرك المسؤولية المترتبة على تقديم تحليلات للآفاق طويلة الأجل للصناعة، أن تُغير مواقفها أو تخلط بين الرسائل والروايات كل عامين بشأن هذه المسألة، وخاصة تلك التي أُسست لضمان أمن إمدادات النفط.
لطالما أكدت رسائل “أوبك” أن الاستثمارات هي عصب صناعة النفط. ويهدد نقص الاستثمار أمن الطاقة في المستقبل، ويقوّض أساسيات العرض والطلب، ويهدد القدرة على تحمل تكاليف الطاقة. ويعني نقص الاستثمارات معاناة المستهلكين، كما يعني معاناة المنتجين والاقتصاد العالمي.
احتياجات الاستثمار في قطاع النفط كبيرة. تتوقع “أوبك” أن يحتاج قطاع النفط إلى استثمارات تراكمية قدرها 17.4 تريليون دولار بحلول عام 2050. يهدف هذا إلى تلبية الطلب المتزايد، وتعويض انخفاض إنتاج الحقول القائمة، الذي يتطلب في المتوسط إضافة حوالي 5 ملايين برميل يومياً سنوياً للحفاظ على مستويات العرض الإجمالية الحالية.
لهذا السبب، دعت “أوبك” مراراً إلى زيادة الاستثمارات في قطاع النفط. وركّزت جميع إجراءاتنا وأنشطتنا، خاصةً في إطار “إعلان التعاون”، على تهيئة بيئة مواتية للاستثمار. وتتطلب هذه البيئة استقراراً مستداماً في سوق النفط. وكان هذا هو تركيزنا الواضح، ويستند تحليلنا إلى بيانات دقيقة وإلى الواقع.
ونظراً لخطورة قضية الاستثمار على مستقبل صناعات النفط والطاقة، وبالتالي الاقتصاد العالمي، فضلاً عن حقيقة أن صناعة النفط تدعم ملايين الوظائف على مستوى العالم وتشكل مصدراً أساسياً للدخل لملايين الأسر والمجتمعات، كنا نأمل أن يكون جميع أصحاب المصلحة في مجال الطاقة متسقين في رسائلهم حول هذا الموضوع.
سيكشف لنا الزمن التداعيات الكاملة لدعوات وكالة الطاقة الدولية خلال الفترة 2021-2024 لوقف الاستثمار بمشاريع جديدة في قطاع النفط. ونأمل أن تتمكن الوكالة من العودة إلى تحليلاتها المستندة إلى حقائق الطاقة، والتركيز على مهمتها المتمثلة في أمن الطاقة. بذلك، يمكن لوكالة الطاقة الدولية في “أوبك” شريكاً فعلياً.