اخر الاخبار

هل يعيد ترمب تجارب التفجيرات النووية أو حتى سباق تسلح؟

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه أصدر تعليماته لوزارة الدفاع بالبدء في اختبار الأسلحة النووية “على قدم المساواة” مع منافسين مثل روسيا والصين.

ولم يتضح ما إن كان يقصد بذلك تفجير الرؤوس الحربية النووية، وفي هذا انقلاب على عقود من السياسة الأميركية وانتهاك لحظر عالمي قائم بحكم الأمر الواقع، أو أنه كان يقصد توسيع نطاق شيء تفعله الولايات المتحدة فعلاً، وهو اختبار منظومات إيصال الأسلحة، مثل الصواريخ البالستية العابرة للقارات، التي يمكنها حمل رؤوس حربية نووية.

ترمب يأمر بنشر غواصتين نوويتين رداً على تصريحات روسية

إن العودة إلى التجارب النووية الانفجارية ليست فكرة جديدة في فلك ترمب. جاء في تقارير إعلامية أن مسؤولين كبار فكروا في هذه الخطوة خلال ولايته الأولى رئيساً للبلاد.

وفي الصيف الماضي، دفع روبرت أوبراين، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لترمب من عام 2019 إلى عام 2021، علناً نحو أن تستأنف الولايات المتحدة الاختبارات الحية كاملة النطاق “للحفاظ على التفوق التقني والعددي” على مجموع مخزونات روسيا والصين النووية.

لقد صاغ ترمب توجيهه الجديد كرد فعل على برامج اختبارية نفذتها دول أخرى. وجاءت تعليقاته في أعقاب إعلان روسيا عن تجارب ناجحة لصاروخ كروز وطائرة مسيرة تحمل طوربيداً، وكلاهما قادر على حمل رأس حربي نووي ويعمل بالطاقة الذرية. لم يتضمن أي من الاختبارين انفجاراً نووياً.

متى كانت آخر تفجيرات الولايات المتحدة لرؤوس نووية؟

لم تختبر الولايات المتحدة انفجار سلاح نووي منذ عام 1992، عندما أمر الرئيس جورج هيربيرت بوش آنذاك بوقف التجارب. بدلاً من ذلك، يعتمد على التصاميم المجرّبة، والمحاكاة الحاسوبية المتقدمة، وما يسمى بالتجارب ما دون الحرجة التي لا تبلغ حد تفجير رأس حربي.

كان آخر تفجير نووي روسي معروف أيضاً منذ أكثر من 30 عاماً، في عام 1990، بينما كان التفجير الصيني في عام 1996. وهما، إلى جانب الولايات المتحدة، من موقعي اتفاقية دولية تحظر تجارب الأسلحة النووية هي معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي كانت موضع تفاوض في أوائل التسعينيات وفتحت للتوقيع في عام 1996.

أبرز الأسلحة التي استعرضتها الصين في عرض شي جين بينغ العسكري

رغم عدم مصادقة الدول الثلاث على الاتفاقية، ما يعني أنها لم تدخل حيز النفاذ من الناحية التقنية، إلا أنها ما تزال تلتزم بشروطها – كما تفعل الدول المسلحة نووياً مثل الهند وباكستان التي لم توقع على المعاهدة. والدولة الوحيدة المعروفة التي اختبرت تصاميم الرؤوس الحربية النووية هذا القرن هي كوريا الشمالية، التي أحدثت تفجيراً آخر مرة في عام 2017.

هل الاختبارات الحية للأسلحة النووية ضرورية؟

تتطلب الأجهزة النووية دقة في التوقيت ودرجة الحرارة والضغط والمواد. خلال مرحلة تطويرها المبكرة، ساعدت الاختبارات الفيزيائية العلماء على فهم هذه المتغيرات المختلفة، بالإضافة إلى مقدار الضرر الذي يمكن أن تلحقه الأسلحة بالهدف ومستويات الإشعاع والحرارة التي تنتجها.

حصل أول تفجير تجريبي في صحراء نيو مكسيكو عام 1945 كجزء من مشروع مانهاتن. وقد سبق هذا إلقاء الأميركيين للقنابل الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية.

أداء المقاتلات الصينية أمام الهند يدق ناقوس الخطر في آسيا

لعقود بعد ذلك، استخدم مطورون في جميع أنحاء العالم مواقع الاختبار عن بعد لتحديد ما إذا كانت التصميمات الجديدة تعمل ويمكنها تقديم المقدار المتوقع من القوة التفجيرية. بصرف النظر عن توفير البيانات الفنية، فقد اعتبرت العروض التوضيحية أيضاً بمثابة عرض للقوة العسكرية.

أحدث سلاح نووي أميركي هو القنبلة (B61-13) التي تلقى من الجو. يعود تاريخ سلسلة (B61) إلى ستينيات القرن الماضي وقد حُدّثت على مر العقود من خلال اختبارات إضافية. ولكن التطورات التقنية تعني أن الإصدار الأحدث قد طُوّر باستخدام محاكاة حاسوبية وبيانات من اختبارات سابقة، دون انفجار تجريبي حي.

قال داريل جي. كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة، إن العودة إلى اختبارات التفجير النووي على نطاق واسع في الولايات المتحدة ستستغرق عدة سنوات وستكلف مئات الملايين من الدولارات.

ما هي المخاطر التي قد تنجم عن استئناف اختبارات الأسلحة النووية؟

إذا استأنفت الولايات المتحدة نشاط الاختبار، فقد يؤدي ذلك إلى إشعال سباق تسلح نووي آخر – وليس فقط بين القوى العظمى – ما يقوض عقوداً من مبادرات عدم الانتشار. قالت روسيا إنه إذا تحدت الولايات المتحدة الحظر العالمي، فإنها “ستتصرف وفقاً لذلك”.

تأتي تعليقات ترمب الغامضة حول الاختبارات في وقت محفوف بالمخاطر بالنسبة للدبلوماسية النووية كما أنها تتناقض مع دعواته السابقة لنزع السلاح النووي.

مقرر أن تنتهي معاهدة ”ستارت“ الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تحد من أعداد الرؤوس الحربية الاستراتيجية المنشورة، في فبراير. تملك روسيا أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم، بحوالي 4300 رأس حربي منتشر ومخزن، تليها الولايات المتحدة التي يبلغ مخزونها 3700، وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

تأتي الصين في المركز الثالث بفارق كبير، إذ تمتلك 600 رأس حربي، على الرغم من أن المخابرات الأميركية حذرت من أن البلاد توسع ترسانتها بسرعة.

 

من سيستفيد من استئناف تجارب الأسلحة النووية؟

تقول التقييمات السنوية لمديري المختبرات النووية الوطنية الأميركية وقائد القيادة الاستراتيجية الأميركية إن المخزون النووي للبلاد آمن وموثوق بقدرته وفعاليته، ولا يوجد سبب تقني للعودة إلى التجارب المتفجرة.

أدارت الولايات المتحدة وروسيا ما يقرب من 2000 تجربة للأسلحة النووية من الأربعينيات إلى التسعينيات، ولديهما بالفعل كميات هائلة من البيانات للعمل بها، كما قال ويليام ألبرك، وهو زميل بارز مقيم في أوروبا في منتدى المحيط الهادئ.

الصين تكشف عن مسيّرة فائقة السرعة تطير عالياً لنحو يوم كامل

إذا أحيت الولايات المتحدة نشاطها التجريبي، فسيؤدي ذلك إلى “فتح الباب أمام الصين لاستئناف التجارب، وهي الوحيدة من بين الدول الخمس الكبرى التي تحتاج إلى بيانات اختبار جديدة”.

يشير مصطلح الدول الخمس الكبرى إلى الدول المعترف بها رسميا كدول مسلحة نووياً بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية: روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة.

تعترف ثلاث دول أخرى – الهند وباكستان وكوريا الشمالية – بامتلاكها أسلحة نووية؛ ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تملك أسلحة نووية أيضاً لكنها لم تؤكد أو تنفي ترسانتها أبداً.



 

كيف كانت تُختبر الأسلحة النووية في الماضي؟

كانت الاختبارات الأولى في الهواء الطلق، إما بتفجيرها على أبراج فوق الأرض أو إسقاطها من الطائرات. أنتجت هذه الاختبارات الجوية معلومات قيمة عن الأسلحة، مثل حجم “كرة النار” من الغاز مفرط الحرارة وسريع التمدد، وكمية الغبار المشع الناتج عن الانفجار.

لكن كانت هناك مخاطر بيئية وصحية عامة خطيرة، لا سيما مع انتشار الجزيئات المشعة بفعل الرياح والأمطار إلى المناطق المأهولة بالسكان. كان اختبار كاسل برافو في جزيرة بيكيني أتول في جزر مارشال عام 1954 أكبر تفجير تجريبي للولايات المتحدة، وأنتج أكثر من ضعف القوة التفجيرية المتوقعة.

إسرائيل تسعى لريادة تجارة السلاح عالمياً

كما كانت أسوأ كارثة إشعاعية في تاريخ الاختبارات الأميركية، إذ أدى الغبار المشع إلى تلويث منطقة أوسع بكثير مما كان متوقعاً. بلغت المخاوف المتزايدة بشأن السلامة ذروتها في معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية الدولية عام 1963، التي حظرت إجراء التجارب فوق الأرض وتحت الماء. كانت آخر الاختبارات الجوية الأميركية والروسية في عام 1962، بينما آخر اختبارات الصين، التي لم توقّع على هذه المعاهدة، كانت عام 1980.

وقعت الاختبارات تحت الأرض في الغالب عن طريق حفر تجويف عميق تحت السطح وتفجير الرأس الحربي في منتصف ذلك الفراغ لاحتواء الحرارة والضغط والغبار النووي. كما توفر هذه الطريقة مزيداً من السرية، ما يصعّب على الخصوم تحليل الكرة النارية.

برغم أن الاختبار تحت الأرض أكثر أماناً من الاختبار الجوي، إلا أنه ما يزال يحمل خطر تلوث التربة والمياه الجوفية. كما وقعت بعض الحوادث، مثل ما حدث أثناء اختبار بريل الفرنسي في الجزائر عام 1962، عندما انطلقت غازات ساخنة ومواد مشعة من جانب الجبل حيث أجريت التجربة.

ما سبب القلق بشأن الأسلحة التي اختبرتها روسيا حديثاً؟

صاروخ كروز ”بوريفيستنيك” (9M730 Burevestnik) قادر على حمل رأس حربي نووي ويعمل بمفاعل ذري، ويعتمد على تفاعل الانشطار – انقسام الذرات لإطلاق الطاقة – كنواة لمحرك نفاث.

هذا يمنح الصاروخ مدى غير محدود تقريباً. في أكتوبر، قالت روسيا إن ”بوريفيستنيك“ أتمّ اختبار طيران ناجح لمدة 15 ساعة تقريباً وقطع حوالي 14 ألف كيلومتر.

على الرغم من أن الروس صمموا السلاح لتجاوز الدفاعات الجوية والصاروخية، إلا أنه لم يتضح ما إذا كان ”بوريفيستنيك“ أكثر قدرة على ذلك من صواريخ كروز التقليدية، وفقاً لجيفري لويس، خبير الأسلحة النووية في معهد ميدلبري للدراسات الاستراتيجية في كاليفورنيا.

الصين تلجأ إلى إطلاق الصواريخ من البحر سعياً لكسب سباق الفضاء

تملك الولايات المتحدة أقماراً صناعيةً حساسةً في مدار ثابت بالنسبة للأرض تشكل نظام أشعة تحت الحمراء في الفضابوريفيستنيك يمكنه اكتشاف إطلاق الصواريخ في أي مكان على الأرض، بالإضافة إلى الدفاعات الجوية التقليدية المصممة لإسقاط صواريخ كروز.

هذا العام، وجّه ترمب الجيش الأميركي لتطوير ونشر منظومة القبة الذهبية، الذي يهدف إلى دحر أي تهديد جوي ضد البلاد. قال لويس: “هذا في نهاية المطاف هو سرّ غباء سباقات التسلح… لا يوجد أي نصر في النهاية. إنها مجرد عملية بناء أنظمة من جانب واحد، وبناء أنظمة أخرى رداً على ذلك، وهكذا. ينتهي الأمر بالجميع في نفس المكان الذي بدأوا منه، ولكن بتكلفة باهظة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *