اخر الاخبار

هل يعيد الدعم السعودي رسم خارطة الاقتصاد السوري؟

في ظل تعقيدات المشهد السوري، برز الدعم السعودي كعامل محوري قد يسهم في إعادة رسم ملامح الاقتصاد المنهك، ففي أبريل 2025، أعلنت السعودية، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، عن التزامها بدعم جهود سوريا نحو التعافي الاقتصادي.

تزامنت هذه المبادرة مع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية وإجراءات اقتصادية استراتيجية، مثل سداد السعودية وقطر للديون المتأخرة لسوريا لدى البنك الدولي، ما أعاد تأهيل البلاد للحصول على تمويلات دولية ضرورية.




 

رغم هذه الإشارات الإيجابية، تواجه سوريا تحديات قد تقلل فعالية الدعم السعودي، بدءاً من استمرار العقوبات الغربية، وخاصة قانون “قيصر”، وصولاً إلى ضعف المؤسسات المالية. يفتح هذا المشهد الباب أمام تساؤلات مهمة حول قدرة الدعم السعودي على تحقيق تحول فعلي في الاقتصاد السوري، وإمكانيات استثماره على نحو يضمن الاستدامة الاقتصادية.

هذه التساؤلات يتوقع جلاء معظمها خلال زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اليوم السبت إلى دمشق على رأس وفد اقتصادي يضم قادة الأعمال وكبار المستثمرين، في إطار دعم المملكة لاستقرار سوريا وعودة الحياة الاقتصادية، وتنمية الاستثمارات، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ما يوفر فرصاً وظيفية للشعب السوري.

ما هي ملامح الدعم السعودي لسوريا؟

في أبريل 2025، أعلنت السعودية، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، عن التزام مشترك بدعم جهود سوريا في سبيل التعافي الاقتصادي. جاء ذلك خلال مائدة مستديرة رفيعة المستوى في واشنطن، حيث تم التأكيد على ضرورة تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السوري، وإعادة بناء المؤسسات، وتطوير القدرات، ووضع استراتيجية وطنية للتعافي الاقتصادي.

وفي خطوة استراتيجية، تعهدت السعودية وقطر بسداد ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي، والبالغة 15.5 مليون دولار. هذا السداد أزال عقبة رئيسية أمام حصول سوريا على تمويلات جديدة من البنك الدولي، ما يمهد الطريق لإعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية، خاصة في قطاع الكهرباء الذي يعاني من نقص حاد.

إقرأ أيضاً: وزير الخارجية السعودي: لن نترك سوريا وحدها

ثم في مايو 2025، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، من الرياض رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. أدى هذا القرار إلى تحسن فوري في قيمة الليرة السورية وزيادة الاهتمام من المستثمرين الإقليميين والدوليين، مما يعزز فرص التعافي الاقتصادي.

رفع الاتحاد الأوروبي أيضاً العقوبات الاقتصادية عن سوريا في منعطف هام في مسار إعادة دمج الاقتصاد السوري مع الأسواق العالمية. هذا القرار يفتح آفاقاً واسعة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الأوروبية، ويشجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.

وعلى الصعيد الإنساني، أطلقت السعودية جسراً جوياً وبرياً لتقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا، بما في ذلك إرسال شاحنات وقود ومساعدات طبية. هذا الدعم يهدف إلى تخفيف الأزمات الإنسانية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، مما يشكل بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية

أي القطاعات الاقتصادية السورية التي قد تستفيد من الدعم السعودي؟

الطاقة والكهرباء: تُعدّ الطاقة من أبرز القطاعات التي يمكن أن تستفيد من الدعم السعودي. فبعد إعلان السعودية وقطر عن التزامهما بسداد ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي، أصبح الطريق ممهد لاستئناف تمويل مشاريع البنية التحتية، خاصة في قطاع الكهرباء الذي يعاني من نقص حاد.

الزراعة: تمثل الزراعة قطاعاً حيوياً في الاقتصاد السوري، ويُتوقع أن تستفيد من الدعم السعودي من خلال توفير التمويل والتقنيات الحديثة. هذا الدعم يمكن أن يسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي في البلاد.

النقل والبنية التحتية: يمكن أن يستفيد قطاع النقل والبنية التحتية من الدعم السعودي، خاصة إعادة بناء الطرق والمرافق الحيوية التي تضررت خلال سنوات النزاع. هذا الدعم يمكن أن يسهم في تحسين حركة البضائع والأفراد، مما يعزز النشاط الاقتصادي.

المشروعات الصغيرة والمتوسطة: تعد المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الركائز الأساسية للاقتصاد السوري. الدعم السعودي يمكن أن يسهم في توفير التمويل والتدريب لهذه المشاريع، مما يعزز ريادة الأعمال ويوفر فرص عمل جديدة.

السياحة: تضرر القطاع السياحي في سوريا بشكل كبير خلال سنوات النزاع. الدعم السعودي يمكن أن يسهم في إعادة إحياء هذا القطاع من خلال الاستثمار في البنية التحتية السياحية والترويج للوجهات السياحية السورية.

هل يمكن للدعم السعودي تسريع مشاريع إعادة الإعمار في سوريا؟ 

 

يمهد الدعم السعودي الطريق لتمويل مشاريع إعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية، ووقعت الدولة مذكرات تفاهم لاستثمارات بقيمة 7 مليارات دولار مع عدد من الشركات لتطوير أربع توربينات غاز بطاقة 4 آلاف ميغاواط ومحطة طاقة شمسية بطاقة 1000 ميغاواط في سوريا. من المتوقع أن توفر هذه المشاريع أكثر من 50% من احتياجات البلاد من الكهرباء، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويحفز الاستثمار في القطاعات الأخرى.

كما بدأت الشركات التركية، بعد رفع العقوبات الأميركية، في استكشاف فرص الاستثمار في إعادة إعمار سوريا، خاصة في مجالات البناء والنقل والتصنيع. تتوقع هذه الشركات الحصول على حصة تصل إلى ربع سوق إعادة الإعمار السوري، الذي يُقدر بحوالي تريليون دولار، مع التركيز على إنشاء مناطق صناعية آمنة لتعزيز الاستثمار طويل الأجل.

ما أثر الدعم السعودي على الليرة والأسواق المالية السورية؟

أدى إعلان السعودية وقطر عن سداد الديون المتأخرة لسوريا لدى البنك الدولي إلى تحسن طفيف في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. هذا التحسن جاء نتيجة زيادة حجم السيولة النقدية لدى بنك سورية المركزي وإشارات إلى استئناف تدفقات التمويل الدولي، مما دفع المستثمرين المحليين إلى تقليل وتيرة شراء العملات الأجنبية والاحتفاظ بالليرة. ورغم ذلك، فإن استقرار العملة ما زال هشاً ويعتمد إلى حد كبير على استمرار الدعم السعودي، في ظل غياب إصلاحات اقتصادية شاملة.

تخطط سوريا لإعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية في 2 يونيو المقبل، مع بدء التداول بثلاثة أيام أسبوعيًا خلال المرحلة الأولى، في خطوة تهدف إلى تنشيط الاقتصاد وتحريك المعاملات المالية. السوق التي تضم 27 شركة مدرجة تهيمن عليها المؤسسات المصرفية، تبلغ قيمتها السوقية نحو 17.6 تريليون ليرة سورية، وتعمل الحكومة على مراجعة التشريعات المالية لتحديثها بما يتماشى مع المعايير العالمية وتعزيز دور السوق في دعم تمويل التنمية الاقتصادية.

 

يأتي قرار إعادة فتح السوق في ظل تحسن بيئة الأعمال بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، مع عودة سوريا إلى نظام “السويفت” الدولي، مما يسهل عمليات التحويلات البنكية ويشجع المستثمرين المحليين والعرب والأجانب على دخول السوق السورية مجددًا. كما تستقبل البلاد استثمارات كبرى في قطاع الموانئ والبنية التحتية، فيما يلتزم الرئيس السوري بتحسين المناخ الاستثماري وتقديم التسهيلات لجذب رؤوس الأموال للمساهمة في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.

كيف يسهم استئناف الرحلات الجوية الخليجية إلى سوريا في إحياء قطاع السياحة؟

تواصل شركات الطيران الخليجية توسيع عملياتها باتجاه سوريا، مستأنفة الربط الجوي مع دمشق بعد سنوات من العزلة، في خطوة تعكس بوادر انفتاح اقتصادي وفرصاً واعدة لإحياء قطاع السياحة. أحدث هذه الشركات “طيران ناس” و”أديل” السعوديتان و”فلاي دبي” الإماراتية، التي ستستأنف رحلاتها إلى دمشق اعتباراً من الشهر المقبل، إضافة إلى “طيران الجزيرة” الكويتية بانتظار موافقة الجهات الرسمية. هذا الحراك دفع مطاري دمشق وحلب الدوليين إلى استعادة نشاطهما، مع قفزة في الطلب على السفر من الإمارات إلى سوريا وصلت إلى مستويات وصفها العاملون بـ”طفرة غير مسبوقة”.

رغم هذا التفاؤل، يواجه قطاع النقل الجوي السوري تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية لمطاراته، التي تضررت بفعل سنوات النزاع. مع ذلك، تم الإعلان عن خطط لتوسعة مطار دمشق الدولي ورفع سعته الاستيعابية، إلى جانب اتفاق وقعته هيئة الطيران المدني السوري مع منظمة “إيكاو” لتحديث قدرات النقل الجوي في البلاد، وسط آمال بعودة شركات الطيران الغربية بعد رفع العقوبات.

ما هي التحديات التي قد تواجه سوريا في استثمار الدعم السعودي؟

رغم رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، يواجه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة في استثمار الدعم السعودي، تتعلق بالبنية التحتية والبنية المؤسسية والبيئة التنظيمية والقدرة على استيعاب الاستثمارات.

تعد هشاشة البنية التحتية من التحديات الرئيسة التي تواجه الاقتصاد السوري، ولا تزال بعض المناطق السورية خارج سيطرة الحكومة، مما يخلق بيئة غير مستقرة للاستثمار. كما تواجه سوريا صعوبات في تهيئة بيئة قانونية وتنظيمية جاذبة للاستثمارات. رغم إعلان الحكومة الجديدة عن نيتها خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة وتحديث القوانين لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، إلا أن هذه الخطوات لا تزال في مراحلها الأولية، مما يثير قلق المستثمرين بشأن استقرار السياسات الاقتصادية.

إقرأ أيضاً: رفع العقوبات عن سوريا يعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي

كما أن القطاع المصرفي السوري يعاني من تحديات كبيرة، منها ضعف السيولة، وانخفاض الثقة، وغياب الشفافية. هذا الوضع يعيق قدرة النظام المالي على استيعاب الاستثمارات الجديدة وتوجيهها بفعالية، بل إن الاقتصاد السوري يواجه تحديات هيكلية، مثل القطاع العام المتضخم، والنظام الضريبي المعقد، وحركة رؤوس الأموال المقيدة. هذه العوامل تعرقل جذب الاستثمارات وتحد من فعالية الدعم الخارجي.

هذا بخلاف الهجرة الواسعة للكفاءات والعمالة الماهرة خلال سنوات النزاع، ما أدى إلى نقص في الكوادر البشرية المؤهلة. هذا النقص يمثل تحدياً كبيراً في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار والاستفادة من الدعم السعودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *