هل يذكركم شراء البنوك للتأمين ضد الخسائر بعام 2008؟

تواجه بنوك العالم تحدياً كبيراً متعلقاً باحتمال أن تحذو شركات أخرى مثقلة بالديون حذو شركة ”ترايكولور هولدينغز” (Tricolor Holdings) لتجارة السيارات، و”فيرست براندز غروب” (First Brands Group) لتوريد قطع الغيار في إعلانهما الإفلاس، حينها سيتعين على المقرضين أن يكونوا على قدر كافٍ من القوة لتحمل الخسائر دون الإضرار بالاقتصاد برمته.
ونجد تحرك البنك المركزي الأوروبي للحد من ممارسة تقضم رأس مال البنوك المخصص لامتصاص الخسائر أمراً مشجعاً ينبغي على الجهات التنظيمية الأخرى أن تحذو حذوه.
خلافاً لما يصور غالباً، فإن رأس المال ليس احتياطياً للطوارئ لا تستطيع البنوك إقراضه. بل هو تمويل عبر الأسهم من المساهمين، الذين يوافقون على أن يكونوا أول من يتحمل الخسائر مقابل الحصول على حصة من الأرباح. كلما زاد رأس مال البنوك، زادت المخاطر التي يمكنها تحملها دون تعريض ملاءتها المالية أو النظام المالي للخطر.
إفلاس شركة تمويل سيارات يدفع بنك “فيفث ثيرد” الأميركي لفحص ضماناته الائتمانية
يفضل المسؤولون التنفيذيون في البنوك عادةً استخدام رأس مال أقل وديون أكثر، لأن الأخيرة تضخِّم بعض مؤشرات الربحية وتستفيد من الدعم الحكومي. لتحقيق هذه الغاية، أعادوا حديثاً إحياء ممارسة شاعت آخر مرة قبل الأزمة المالية عام 2008: شراء تأمين ضد الخسائر.
لنفترض أن أحد البنوك لديه قروض سيارات بقيمة مليار دولار. بموجب قواعد رأس المال القائم على المخاطر، قد يضطر إلى تمويلها بما لا يقل عن 100 مليون دولار من رأس المال. بدلاً من ذلك، يمكنه إيجاد مستثمر – مثل صندوق استثمار ائتماني متخصص – مستعد لتغطية جزء من أي خسائر، ولنقل أول 15%، وبالتالي تخفيض متطلبات رأس المال إلى أقل من 20 مليون دولار. مقابل توفير هذه الحماية، قد يحقق هذا المستثمر عائداً بنسبة تتجاوز 10%، وفي هذا مكسب للطرفين.
تُعرف هذه الصفقات باسم نقل المخاطر المصطنع، وهي في ازدياد مستمر. تضاعف حجمها السنوي خمس مرات تقريباً منذ عام 2016، وإن كان ذلك من قاعدة صغيرة.
بلغت قيمة الأصول ذات الصلة في ميزانيات البنوك، التي قد تشمل كل شيء من الرهون العقارية إلى قروض الملكية الخاصة – أكثر من 670 مليار دولار في نهاية عام 2024، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ.
لكن المشكلة تكمن في أن هذا التأمين ليس بديلاً كافياً عن رأس المال، فهو يغطي القروض المحددة فقط، وليس جميع الخسائر. وغالباً ما ينتهي قبل تاريخ استحقاق الأصول، ما يعني أنه قد لا يكون متاحاً عند الحاجة. كما أنه غير شفاف، فالصفقات عادةً ما تكون سرية ومخصصة، حتى أن المستثمرين لا يعرفون دائماً من هم المقترضون النهائيون. وهذا يُصعّب على الجهات التنظيمية فهم طبيعة التأمين ومن سيتحمل الخسائر في نهاية المطاف.
الأسوأ من ذلك، أن المخاطر لا تنتقل بالضرورة خارج النظام المصرفي. فعلى الرغم من أن نقل المخاطر المصطنع غالباً ما يكون “ممولاً بالكامل”، أي أن المستثمرين يقدمون مبالغ نقدية مقدماً لتغطية جميع الخسائر المحتملة، إلا أن جزءاً من هذا التمويل يكون مقترضاً من بنوك أخرى.
كما أن نسبة متزايدة من الصفقات لا تكون ممولة بالكامل، ما يزيد من احتمالية عدم قدرة الطرف المقابل على السداد.
في عام 2024، على سبيل المثال، شكلت الصفقات “غير الممولة” مع شركات التأمين ما يقدر بنحو 7.5% من إجمالي الإصدارات، بعد أن كانت معدومة في عام 2016.
في أوروبا، قد تنتشر هذه الصفقات بشكل أكبر قريباً. من شأن القواعد الجديدة المقترحة أن توسع فرص بعض شركات التأمين الكبيرة ذات التصنيف الائتماني العالي والمتعددة الفروع لبيع حماية غير ممولة.
مشاكل الائتمان الخاص ينبغي أن تنذر البنوك الأميركية
تقول شركات التأمين إنها قادرة على تحمل المخاطر نظراً لرأس مالها القوي، واستقرار تمويلها، واستفادتها من التنويع الإضافي. مع ذلك، بالنسبة لأي شخص شهد أزمة 2008، فإن هذا الأمر مألوف بشكل مقلق: فهذا ما كانت تفعله شركة تابعة لشركة التأمين الأمريكية “أمريكان إنترناشونال غروب” (American International Group) ومقرها المملكة المتحدة، إلى أن عجزت عن الإيفاء بضماناتها، مما هدد عدةً من أكبر بنوك العالم، وانتهى الأمر بتدخل حكومي ضخم لإنقاذها.
لقد اعترض البنك المركزي الأوروبي بحق. كما أعرب عن قلقه بشأن الصفقات التركيبية عموماً، ودفع البنوك نحو عمليات التوريق التقليدية القائمة على “البيع الحقيقي”، التي تتيح لها زيادة قدرتها على الإقراض من خلال نقل الأصول إلى المشترين.
هذا أمر مشجع في حد ذاته. لكن ينبغي على البنك المركزي الأوروبي والهيئات التنظيمية في كل مكان النظر في وضع حدود لنقل المخاطر التركيبية قبل أن يتفاقم حجمها ليشكل تهديداً نظامياً.
على الأقل، ينبغي عليهم المطالبة بإفصاحات كافية لتحديد ما يحدث وأين تتركز المخاطر.
في نهاية المطاف، إن رأس المال المتأتي من الأسهم أفضل ضمان لقوة البنوك. والاكتفاء بأقل من ذلك قد يجعل النظام بأكمله أكثر هشاشة. لقد شهد العالم هذا السيناريو من قبل.



