هل يحافظ مؤشر بورصة المغرب على مكاسبه في 2025؟
يُحقق المؤشر الرئيسي لبورصة المغرب منذ بداية العام الجديد أرقاماً قياسية مستمرة، ويُرَجح أن يستمر هذا الأداء مدفوعاً بتوقعات اقتصادية إيجابية في ظل تنفيذ البلاد لمشاريع ضخمة جزءٌ منها لاستضافة كأس العالم بنهاية العقد الحالي، وهو ما يدفع المستثمرين لتعزيز محافظهم في قطاعات واعدة على رأسها البناء والعقار والبنوك.
أنهى مؤشر “مازي” جلسة تداولات يوم الاثنين عند مستوى 15912 نقطة، مُحققاً مكاسب بنحو 7.71% مُقارنةً ببداية العام. وكان المؤشر بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في تداولات الخميس الماضي بتجاوز حاجز 16000 نقطة لأول مرة.
يأتي هذا الزخم في وقت تسجل سوق الأسهم المغربية ندرةً في الطروحات، إذ تستقبل سنوياً اكتتاباً عاماً واحداً، وعلى قلتها فهي تجذب مستثمرين كثر يبدون شهية كبيرة وطلباً متنامياً مقابل عرض محدود، آخرها اكتتاب شركة “CMGP” العاملة بقطاع الزراعة الذي تم تغطيته 37 مرة وكان ثالث أفضل أداء في تاريخ البورصة.
عوامل إيجابية
“الأداء الاستثنائي لمؤشر بورصة الدار البيضاء مرتبطٌ بالزخم الذي أحدثته مشاريع الاستعداد لاستضافة كأس العالم 2030 حيث تعززت ثقة المستثمرين بشكل كبير، إضافة إلى التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار الفائدة ومعدل التضخم”، بحسب نوفل أوراغ، المُحلل الرئيسي بقسم التحليلات والأبحاث بالشركة المتخصصة في البورصة “إم إس إن” (M.S.IN) في حديث لـ”الشرق”.
كان مؤشر “مازي” ارتفع بأكثر من 22% في العام الماضي، مُحققاً أكبر مكاسب سنوية منذ 2016.
تُقدر قيمة المشاريع التي ينفذها القطاعان الحكومي والخاص بحلول نهاية العقد الجاري بأكثر من 100 مليار دولار، بحسب تقرير سابق لبنك “التجاري وفا”، أكبر مُقرض في البلاد. تشمل هذه الاستثمارات المشاريع الضرورية لتأهيل البلاد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم، وتطوير منشآت تحلية مياه البحر لمواجهة الأزمة المائية، ومشاريع إعادة إعمار مناطق زلزال الحوز، وتطوير الطرق السريعة والسكك الحديدية والمطارات.
يوفر الاتجاه الهبوطي في أسعار الفائدة فرصةً للمراجحة لصالح سوق الأوراق المالية لتحقيق عوائد أعلى وهو ما يدعم إقبال مزيد من المستثمرين، بحسب شركة “إم إس إن”. كان بنك المغرب المركزي خفض الفائدة في نهاية العام الماضي إلى 2.5%، بينما يُتوقع أن ينهي التضخم بمتوسط 1%، بعدما كان بلغ أعلى مستوياته في العامين السابقين.
التركيز على 2030
قال أوراغ إن “بداية العام تشهد في العادة وضع استراتيجيات الاستثمار، حيث يلجأ المستثمرون لتعزيز محافظهم. لكن اليوم ليس هناك تركيز على تحقيق المكاسب في العام الحالي فقط بل الأنظار موجهة لعام 2030 خصوصاً مع توقع نمو نشاط الشركات المُدرَجة العاملة في قطاعات البناء والعقار والبنوك وتأثيرها على مجمل قطاعات الاقتصاد”.
تتداول بورصة المغرب أسهم 77 شركة مُدرَجة بقيمة سوقية تتجاوز 80 مليار دولار. وتطمح البلاد لزيادة عدد الشركات إلى أكثر من 300 شركة بحلول عام 2035، بينما تترقب السوق طرح شركات حكومية لقيادة زخم الطروحات من شركات القطاع الخاص.
سمحت المشاريع التي يتم تنفيذها في البلاد استعداداً لكأس العالم للمستثمرين من التوفر على رؤية واضحة وهو عنصر داعم للاستثمار بشكل إضافي. يزدهر القطاع السياحي بشكل لافت مع توافد السياح بشكل قياسي بلغ عددهم العام الماضي 17.4 مليون سائحاً، كما أن القطاع البنكي يترقب دينامية إضافية في ظل الرهان على تمويل المشاريع، وهو القطاع الذي طالما تفوق على الأداء العام للبورصة بفضل نمو أرباحه وتوزيعاته.
عاملٌ آخر يفسر قفزة مؤشر البورصة يتمثل في ضخ 127 مليار درهم (12.6 مليار دولار) في القطاع المالي بنهاية العام الماضي في إطار ضريبة التصالح أقرتها الحكومة، بحسب فريد مزوار، المدير التنفيذي لمكتب التحليل المالي والبورصة “إف إل ماركتس” (FLMarkets)، حيث قال في تصريح لـ”الشرق” إن جزءً من هذا النقد استفادت منه سوق رأس المال.
تصحيح قادم!
بينما يمضي المؤشر في التحليق، يُحذر عدد من المحللين من تصحيح مفاجئ قد يعيده إلى مستواه العادي الذي يتماشى مع نمو أرباح الشركات. وبالنسبة لنوفل أوراغ: “هناك فعلاً مستويات مرتفعة من التقييم حالياً، لأن الأسهم ارتفعت بمستويات أكبر من الأرباح”. وأضاف: “التوجه لعملية تصحيح أمرٌ طبيعي، هذه سُنة في كل شيء. لكن من المرجح أن يبقى مؤشر البورصة في مستوى أعلى مما كان عليه سابقاً”.
يعكس تطور السوق بشكل أساسي زيادة أسعار أسهم قطاعات التطوير العقاري والصحة وخدمات النقل والتعدين والشركات القابضة والكهرباء والبناء منذ النصف الثاني من العام الماضي، بحسب المندوبية السامية للتخطيط في تقرير صدر الاثنين. كما توقع الجهاز الحكومي للإحصاء أن تواصل سيولة سوق الأسهم دورة تناميها خلال السنة الحالية.
يرى مزوار أن حدوث عملية تصحيح يعتمد على ما يحمله المستقبل، لكنه اعتبر “الأمر عادياً لأن تطور السوق ينبني على اتجاهات الارتفاع والانخفاض”.
كان التجاري وفا، أكبر بنك في المغرب أوصى في أكتوبر الماضي عبر مذكرة لوحدته للأبحاث المستثمرين بالتحول إلى أوراق مالية أكثر جاذبية من حيث التقييم وتقديرات المخاطر لما توفره من هامش أمان أكبر في حال حدوث تباطؤ محتمل في السوق نتيجة عملية تصحيح، لكن العام الماضي لم يشهد أي تصحيح مهم رغم ذلك.