هل مسلسل ارتفاع الأسهم الأميركية مثار قلق؟

تبدو الأسهم في الولايات المتحدة كما لو أنها صاعدة بلا توقف، لكن لا ينبغي للمستثمرين أن يتهاونوا، فهناك مؤشرات كثيرة على أن هذا الارتفاع هش أكثر مما يبدو.
لقد شهدنا عاماً مليئاً بالتقلبات في الأسواق، فقد مررنا بحروب جمركية وأخرى تقليدية عسكرية، وبمخاوف بشأن استخدام الدولار كسلاح، وطفرةً في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، زد على ذلك بعض حالات الإفلاس البارزة، أو ما سماها الرئيس التنفيذي لشركة ”جيه بي مورغان تشيس آند كو“ جيمي ديمون ”الصراصير“. لكن برغم الاضطرابات، فإن الأسهم قريبة جداً من أعلى مستوياتها التاريخية.
عمالقة وول ستريت: تراجع وشيك في سوق الأسهم وسط ارتفاع التقييمات
ليس هذا فحسب، فمن منظور طويل الأجل، أصبح منحى ارتفاع الأسهم يشبه القطع المكافئ حدةً. هذه عادةً علامة تحذير لأي مستثمر ذي خبرة في الأسواق قبل عصر العملات المشفرة- الذي لا يخشى فيه من تحركات السوق شبه العمودية من اعتادوا الاحتفاظ بحيازاتهم من العملات المشفرة لدى انخفاضها.
لكن اختيار قمم السوق هو لعبة خرقاء. على النقيض من قيعان السوق، التي عادةً ما تكون دراماتيكية وشكلها حرف (V)، فإن القمم عملية طويلة الأجل تتظاهر مخرجاتها على مدى أشهر عديدة. لكن هذا لا يعني عدم وجود مؤشرات على تشكل قمة، وأن على المستثمرين أن يكونوا أكثر خوفاً من مسلسل الارتفاع -أو على الأقل تشككاً- وأقل جشعاً.
هناك عدة أسباب تدفع إلى ذلك التوجه، ولنبدأ بأمر غير مألوف البتة وهو يتعلق بالتحليلات التقنية. إنها طريقة لتحليل سوق الأسهم ومكوناته لقياس ما إذا كنا نشهد إفراطاً في الشراء وبالتالي تكون السوق أكثر عرضة لتصحيح هبوطي، أو بيع مفرط وربما تكون جاهزةً لانتعاش قوي.
مؤشرات الأسهم الأميركية تتراجع وسط مخاوف من التقييمات المرتفعة
”الانحراف السلبي” هو عندما تخبرنا دراسة تقنية أن الحالة العامة لسوق الأسهم تتدهور حتى مع ارتفاع السعر، وهذا قد يكون نذير شؤم. لقد ارتفع عدد الأسهم في مؤشر ”ستاندرد آند بورز 500“ التي تسجل أدنى مستوى لها خلال عام حتى مع ارتفاع السوق.
في الواقع، وصل هذا الانحراف حداً غير مسبوق. كانت المرات السابقة التي حدث فيها هذا قبل تصحيح مؤشر ”ستاندرد آند بورز 500“ في عام 1998، وقبل وقت قصير من قمة السوق الكبيرة في مارس 2000، عندما انفجرت فقاعة قطاع التقنية.
مع إنفاق شركات الذكاء الاصطناعي ببذخ على مراكز البيانات، الحال ليس كما لو أننا لا يمكن أن نتخيل أننا نقترب من عتبة انهيار تقني آخر، وقد يكون الانخفاض حاداً. لا تخبرك التقييمات متى ستنخفض السوق، لكن يمكنها أن تعطي مؤشراً جيداً عن مدى انخفاضه في النهاية.
وصل متوسط مختلط لكثير من مقاييس تقييم سوق الأسهم الأميركية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في البيانات التي تعود إلى أكثر من 100 عام. إذا كانت السوق يمكن أن تنخفض بنسبة 30% إلى 50% كما حدث في مناسبات أخرى عندما كانت التقييمات مرتفعة بشكل استثنائي، فإن هذا لا يمنح من يستثمر في الأسهم اليوم ثقةً كبيرةً.
كما أصبحت التقييمات مرتفعة بمعنى حقيقي جداً. لقد ارتفع عدد ساعات العمل اللازمة لشراء عقد واحد من مؤشر ”ستاندرد آند بورز 500“، بناءً على متوسط الأرباح، إلى أكثر من 200 ساعة. كان ذلك 140 ساعة فقط عشية الجائحة، ولم يتجاوز 100 ساعة بكثير عند ذروة السوق في عام 2000، التي سبقت انخفاضاً بأكثر من 50% خلال العامين التاليين.
هناك كثير من الناس على استعداد لبيع الأسهم أيضاً. لم يسبق للأسر في الولايات المتحدة أن امتلكت هذا القدر من الأسهم مقارنةً بأصولها المالية. عندما تُفرط الأسر في شراء الأسهم، فإن ذلك يميل إلى دفع التقييمات إلى ما يتجاوز المستويات المستدامة ويؤدي إلى فترة طويلة من العوائد الضعيفة. وهذا سبب آخر يدفع لتحري الأمان في هذه السوق.
تشهد الأسواق موجة تفاؤل حالياً، لكن على المشتري توخي الحذر: قد يبدو كل شيء وردياً في ظاهره، لكن في الخفاء توجد علامات تحذير كافية من أن الأسهم قد تعكس مسارها فجأةً. ويصعب تحديد المحفز النهائي، لكن عند ظهوره، سنعرف كل شيء عنه، فيما تتمتع المحافظ الاستثمارية المؤمنة ضد الخسائر بميزة كبيرة.



