هل تواصل “العظماء السبعة” قيادة مكاسب الأسهم الأميركية؟
بدأت موجة صعود مؤشرات الأسهم الأميركية تفقد قوتها الدافعة.
لسنوات عديدة، اعتمد المستثمرون على أكبر شركات التكنولوجيا لرفع مؤشرات الأسهم استناداً إلى أرباحها القوية والتوقعات بتحقيق المزيد من الأرباح في المستقبل، والتي تغذيها مؤخراً تطور خدمات الذكاء الاصطناعي. ويبدو أن تلك الأيام قد ولت، على الأقل في الوقت الحالي. وهو ما يجبر المستثمرين على التفكير في طرق أخرى لدفع أحدث سوق صاعدة للأسهم مع دخولها عامها الثالث.
أزمة نمو الأرباح
الأزمة هي الأرباح. إذ يتوقع أن تسجل شركات التكنولوجيا العملاقة السبعة -“ألفابت” و”أمازون” و”أبل” و”مبتا” و”مايكروسوفت” و”إنفيديا” و”تسلا”- مجتمعة زيادة في الأرباح بنسبة 18% في 2025 ، منخفضة عن 34% المتوقعة للعام الحالي، وفقًا للبيانات التي جمعتها “بلومبرغ إنتليجنس”. وباستبعاد “إنفيديا”، التي يمكن القول إنها المستفيد الأكبر من هوس الذكاء الاصطناعي في وول ستريت، فمن المتوقع أن تحقق بقية المجموعة زيادة ضئيلة في أرباحها بواقع 3% في 2025.
تُعد زيادة الأرباح بنسبة 18% خبراً جيداً لأي قطاع تقريباً، باستثناء شركات التكنولوجيا الكبرى. وإذا تحقق هذا التقدير، فإن مجموعة الأسهم التي تحلق مرتفعة ستتخلف عن قطاع الرعاية الصحية في نمو أرباح العام بأكمله، كما أنها لن تتفوق كثيراً على قطاعي المواد والصناعات.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يصل نمو أرباح شركات مؤشر “إس آند بي 500” إلى 13% في 2025، ارتفاعاً من 10% هذا العام. وبعبارة أخرى، لم تعد شركات التكنولوجيا العملاقة تحدد وتيرة الشركات الأميركية.
قال جوليان ماكمانوس، مدير المحافظ بشركة “جانوس هندرسون”: “لن تصبح شركات (العظماء السبعة) بالضرورة محرك النمو للسوق كما كان عليه الأمر خلال العام الماضي”.
الابتعاد عن التكنولوجيا
المستثمرون بدأوا في التحرك بالفعل. وفي الأسبوع المنتهي في الرابع من ديسمبر، شهدت مجموعة أسهم التكنولوجيا أكبر استثمارات خارجة في ستة أسابيع بقيمة 1.4 مليار دولار، وفقاً لمذكرة صادرة عن “بنك أوف أميركا” يوم الجمعة نقلاً عن بيانات “إي بي إف آر غلوبال”. واستقلبت الأسهم الصغيرة، التي تخفلت عن السوق الأوسع هذا العام، استثمارات واردة بقيمة 4.6 مليار دولار، مما جعلها عند مستوى قياسي سنوي مرتفع يفوق 30 مليار دولار.
وقال ماكمانوس إنه يترقب مفاجآت صعودية في نمو التدفق النقدي الحر، ويرى بدائل لشركات التكنولوجيا الكبرى في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في الولايات المتحدة، التي أوصى بـ”تقليل الأوزان بشكل كبير” بها. ورشح أسهم منتجي الكهرباء، الذين يستفيدون من مراكز البيانات المتعطشة للطاقة والتي تحظى بشعبية كبيرة، ويرى فرصاً في مجال التكنولوجيا الحيوية وكذلك شركات برمجيات تصميم الرقائق مثل “كادنس ديزاين سيستمز”.
تقييمات مرتفعة
جزء كبير من البحث عن بدائل أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى يتوقف فقط على أسعار أسهمها. هذا الأسبوع فقط، تُتداول أسهم شركات العظماء السبعة عند 41 ضعف الأرباح المتوقعة، وهو أعلى مكرر تقييم منذ أوائل 2022، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ. كمار ارتفع مكرر مؤشر “إس آند بي 500” بأكمله ليصل إلى 23 ضعف الأرباح المتوقعة، وهو أعلى مستوى منذ 2021. لكنه لا يزال تقريباً عند نصف تقييم عمالقة التكنولوجيا.
قال فيل بلانكاتو، الرئيس التنفيذي لشركة “لادنبيرغ تالمان أسيت مانجمنت”: “مجرد وجودك في أسهم الشركات الكبرى، فإنك تتحمل مخاطرة مبالغ فيها”، وأضاف:”هذه الشركات تتداول بتقييمات مرتفعة جداً. بعض الأرقام لبقية مؤشر (إس آند بي 500) لا تبدو سيئة، بل تبدو جيدة. أُفضّل شراء بقية أسهم شركات المؤشر بـ18 مرة (الأرباح الآجلة) بدلاً من المؤشر بأكمله بـ23 أو 24 مرة”.
بلانكاتو ليس الوحيد المتشكك. إذ يرى محترفو وول ستريت مثل مايكل ويلسون، كبير استراتيجيي الأسهم الأميركية في “مورغان ستانلي”، وبريان بيلسكي، كبير استراتيجيي الاستثمار في “بي إم أو كابيتال ماركتس”، أن ارتفاع الأسهم سيواصل التوسع ليشمل قطاعات تتجاوز شركات التكنولوجيا الكبرى، وهو الاتجاه الذي بدأ في النصف الثاني من العام.
كتب استراتيجيو “بنك أوف أميركا” بقيادة سافيتا سوبرامانيان في مذكرة للعملاء هذا الأسبوع: “نشوة أسهم التكنولوجيا الضخمة واضحة في توقعات نمو شركات العظماء السبعة التي تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، رغم توقعات بتباطؤ نمو أرباحها”. وكتب الاستراتيجيون: “مع أن المجموعة تمثل حوالي ثلث وزن مؤشر (إس آند بي 500)، نرى فرصاً أكبر في الأسهم العادية مقارنة بالمؤشر”.
المتفوق الأوحد
ومع ذلك، هذا لا يعني أن جميع أسهم “العظماء السبعة” متساوية. لأن هناك شركة واحدة تتفوق على البقية: “إنفيديا”.
الطلب المستمر على مسرعاتها المستخدمة في حوسبة الذكاء الاصطناعي أدى إلى ارتفاع الأرباح. من المتوقع أن تحقق “إنفيديا” أرباحاً بقيمة 71 مليار دولار من إيرادات تبلغ 129 مليار دولار العام المقبل، بزيادة 49% و52% على التوالي، وفقاً لمتوسط تقديرات المحللين التي جمعتها بلومبرغ. وهذا ما يفسر سبب احتلال السهم سابع أفضل الأسهم أداءً في مؤشر “راسل 1000” (Russell 1000) هذا العام بمكاسب قدرها 193%، والشركة الوحيدة من العظماء السبعة من بين أفضل 50 شركة.
يرجع جزء كبير من نجاح “إنفيديا” إلى إنفاق نظيراتها من الشركات التكنولوجية الضخمة. من المتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق الرأسمالي لشركات “مايكروسوفت” و”ألفابت” و”أمازون” و”ميتا” أكثر من 200 مليار دولار في 2024 لتعزيز القدرة الحاسوبية. كما تعهدوا بإنفاق المزيد بشكل كبير في العام المقبل. يعد هذا أمرًا رائعًا بالنسبة لشركة “إنفيديا”، لكن المستثمرين يتساءلون متى ستؤتي هذه الاستثمارات ثمارها بالنسبة لباقي الشركات.
وقال ماكمانوس من “يانوس هندرسون”: “لن أتفاجأ بتفكك العظماء السبعة”.
جاذبية أسهم التكنولوجيا
وبطبيعة الحال، قللت وول ستريت من تقدير قوة شركات التكنولوجيا الكبرى في الماضي. في بداية 2024، كان المحللون يتوقعون نمو أرباح شركات العظماء السبعة 19%، فيما تتجه المجموعة الآن لتحقيق زيادة بنسبة 34%.
وعلى الرغم من الأرقام، لا تزال أسهم عمالقة التكنولوجيا تحتفظ بجاذبيتها لدى المستثمرين، خاصة إذا تدهور الاقتصاد. ويشبّه سكوت كرونرت، استراتيجي الأسهم الأميركية في “سيتي غروب”، المجموعة بقطاع دفاعي مثل السلع الاستهلاكية الأساسية، التي يحتاج الناس إلى منتجاته بغض النظر عن الظروف الاقتصادية. النقطة المهمة هي أن الشركات الكبرى تظل رهانًا آمنًا في الأوقات التي تتسم بعدم وضوح الرؤية، كما هو الحال الآن.
قال أندرو تشوي، مدير المحفظة في شركة “بارناسوس انفستمنتس” (Parnassus Investments): “إذا كنت ستبيع أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة، إلى أين ستذهب؟”، وأوضح :”هل تريد حقاً المراهنة على الأسهم الحساسة لسعر الفائدة والتي تحتاج إلى أن تسير المعدلات في اتجاه معين؟ هل تريد مطاردة القطاعات التي حققت أداءً جيدًا؟ تظل شركات التكنولوجيا الكبرى هي أفضل وأسهل إجابة لما تريد بغض النظر عن ظروف السوق في نهاية المطاف”.