هل تنجح وزارة الكفاءة الحكومية بقيادة ماسك بتحقيق إصلاحات اقتصادية؟
تم الإعلان مؤخراً عن إنشاء “وزارة الكفاءة الحكومية”، المعروفة اختصاراً بـ”دوج” (DOGE) (هل أدركت التلاعب اللفظي للإشارة إلى العملة الرقمية الشهيرة “دوج كوين”؟). وستُدار هذه الوزارة من قبل الملياردير إيلون ماسك بالتعاون مع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي.
هذه الخطوة تعكس توجه إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب نحو تقليص القيود التنظيمية التي تعيق الاقتصاد الأميركي. وبصرف النظر عن التلاعب بالاسم، إلا أن أهدافها قد تكون جديرة بالدعم الحزبي، شريطة أن تكون التوقعات واقعية.
أول شيء يجب إدراكه هو أن التخلص من كل القوانين أو اللوائح أو اللجان أو الوكالات غير الضرورية ليس أمراً سهلاً. فقد صُمم النظام الأميركي بطريقة تجعل إلغاء أي قانون أو هيئة، عملية قانونية معقدة وشاقة. كذلك، من الصعب فصل أعداد كبيرة من البيروقراطيين، لا سيما أن أجورهم تمثل نسبة صغيرة فقط من الموازنة الفيدرالية. وعليه، فمن المتوقع أن تكون مكاسب تقليص الإجراءات الروتينية محدودة مقارنة بالخسائر.
تحديد الأولويات
لذلك من المهم التركيز على الأولويات. وأحد أبرزها هو الإبقاء على القطاعات الاقتصادية الجديدة دون قيود تنظيمية، وهذا سيكون أسهل من محاولة تخفيف القيود المفروضة على القطاعات الحالية. فعلى سبيل المثال، يتعين على الولايات المتحدة أن تتجنب فرض قيود مرهقة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومع وجود العديد من مشاريع القوانين على مستوى الولايات، ينبغي على الحكومة الفيدرالية اعتماد تشريعات ذات نهج تنظيمي خفيف على الأقل في المراحل الأولى.
بالطبع، لا تتمتع الحكومة الأميركية بسجل جيد في التعامل مع المشكلات الكبرى قبل ظهورها. وبمرور الوقت، قد يصبح من الضروري فرض المزيد من الإجراءات التنظيمية على الذكاء الاصطناعي، خاصة في المجالات التي تتعلق بالأمن القومي. ومع ذلك، في الوقت الراهن، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز الإنتاجية في العديد من القطاعات، بدءاً من البرمجيات وصولاً إلى قطاع الرعاية الصحية.
العملات المشفرة بحاجة لإدارة الكفاءة
العملات المشفرة هي قطاع آخر ناشئ في الاقتصاد، وهنا قد تتطلب الكفاءة مزيداً من التدخل الحكومي بدلاً من تقليله. تحتاج الهيئات التنظيمية مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات ولجنة تداول السلع الآجلة إلى وضع قواعد واضحة وتوقعات تنظيمية محددة لهذا القطاع الذي يعاني حالياً من وضع قانوني غامض. وهذا من شأنه أن يبقي الولايات المتحدة في طليعة الابتكار المالي، ويكسب تأييد ملايين الناخبين الذين يمتلكون أصولاً رقمية. وفي هذه الحالة، يتطلب مفهوم “تقليص القيود” وضع قوانين وتعريفات جديدة.
حركة “نعم في فنائي الخلفي”
يمكن أيضاً تحسين كفاءة الحكومة من خلال تبني حركة “نعم في فنائي الخلفي” (YIMBY)، التي تهدف إلى تسهيل بناء المزيد من المنازل، عبر الحد من القيود التنظيمية الحكومية. هذه المبادرة لا تساهم فقط في تعزيز الاقتصاد، بل يمكن أن تكون فرصة لترمب لتعزيز الشراكة بين الحزبين، خاصة أن العديد من الديمقراطيين يؤيدون أفكار هذه الحركة. كذلك، يمكن توسيع نطاق الحركة ليشمل منح حرية أكبر في بناء مشروعات الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يعزز الطاقة النظيفة ويجذب الناخبين المعتدلين ويساعد في استدامة ثورة الذكاء الاصطناعي.
إصلاح التجارب الطبية
مجال آخر بحاجة إلى إصلاح جذري هو تخفيف القيود على التجارب الطبية. تعيش أميركا حالياً عصراً ذهبياً للاكتشافات الطبية، مع وعود كبيرة تقدمها لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، ولقاحات الملاريا، وأدوية خسارة الوزن “جي إل بي- 1” (GLP-1)، وعلاجات السرطان الجديدة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في دفع عجلة التقدم بشكل أكبر.
إلا أن نظام التجارب السريرية في الولايات المتحدة يمثل عائقاً كبيراً أمام تحويل هذه الاكتشافات إلى علاجات متاحة. فهناك العديد من العقبات، مثل بروتوكولات المستشفيات، وتصميم التجارب، ومتطلبات إدارة الغذاء والدواء، وإجراءات الجامعات ومجالس المراجعة المؤسسية، وحتى قواعد التعامل مع البيانات. ومن الممكن للولايات المتحدة تبني إجراءات موافقة أكثر سرعة وكفاءة دون المساس بالمعايير.
إصلاح هذا النظام يُعد من أكثر المهام تحدياً بين جميع المهام المذكورة، لأنه يتطلب تغييرات جذرية تشمل أنواعاً متعددة من المؤسسات. ومع ذلك، فهو يحمل إمكانات هائلة، إذ يمكن أن يؤدي إلى تطوير عدد أكبر من العلاجات وجعلها متاحة بشكل أسرع، إذا تم تبسيط عملية التجارب السريرية. كما أن هذا الإصلاح قد يلقى صدى إيجابياً لدى كبار السن الأميركيين، الذين يشكلون شريحة تصويتية مؤثرة ويولون اهتماماً كبيراً بالرعاية الصحية. الهدف النهائي هو بناء مجتمع أميركي يتمتع فيه معظم السكان بحياة تمتد حتى سن التسعين.
تحديات وزارة الكفاءة
رغم الحماس الذي يظهره بعض الجمهوريين تجاه فكرة “وزارة الكفاءة الحكومية”، إلا أن هيكلها الإداري يظل غامضاً وغير مُختبر. فهي ليست مرتبطة بأي وزارة أو وكالة حكومية حالية، ولا تمتلك قاعدة دعم شعبي مستدامة، كما تفتقر إلى القدرة على تبادل المصالح السياسية بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه صعوبة في الحفاظ على اهتمام ترمب ودعمه المستمر. ومن غير المؤكد أن مسألة تقليص القيود التنظيمية تحظى بأولوية كبيرة لدى معظم الناخبين.
باختصار، سيتعين على “وزارة الكفاءة الحكومية”، وترمب، اختيار المجالات التي يمكن تحسين كفاءتها بعناية. فكما هو الحال في الاقتصاد، هناك دائماً مفاضلة بين تحقيق الكفاءة والإنصاف في الحكومة.
خلاصة
الإعلان عن “وزارة الكفاءة الحكومية” تحت إدارة إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي يعكس توجه إدارة ترمب لتقليص القيود التنظيمية وتحسين الكفاءة. ومع ذلك، تواجه هذه الوزارة تحديات كبيرة نظراً لتعقيد النظام الأميركي وصعوبة تقليص البيروقراطية. التركيز على القطاعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة يبدو أكثر جدوى، حيث يمكن للحكومة أن تتبنى تشريعات مرنة لدعم الابتكار، مع وضع قواعد واضحة لهذه القطاعات لضمان التطور دون عرقلة.
في مجالات أخرى، مثل الإسكان والطاقة النظيفة والتجارب الطبية، يمكن تحقيق تحسينات كبيرة عبر تخفيف القيود وتسريع العمليات، مما يعزز الاقتصاد ويخدم الفئات المختلفة. ومع ذلك، تبقى الوزارة الجديدة بعيدة عن تحقيق تغييرات جذرية، نظراً لغياب البنية المؤسسية القوية والدعم الشعبي المستدام. لذلك، فإن نجاح “وزارة الكفاءة الحكومية” يعتمد على اختيار أولويات واضحة وتنفيذ تغييرات محددة تحقق التوازن بين الكفاءة والعدالة.