اخر الاخبار

هل تنجح واشنطن في منع اندلاع حرب شاملة بالشرق الأوسط؟

بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق في سماء لبنان لتنفيذ واحدة من أكبر عملياتها ضد “حزب الله”، تلقى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتصالاً من نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، لإبلاغه بالضربة الجوية التي سيُكشف فيما بعد أنها استهدفت الأمين العام للجماعة اللبنانية حسن نصر الله.

إخطار الولايات المتحدة في اللحظات الأخيرة، كما أعلن المسؤولون الأميركيون، كان في سياق التأكيد على عدم تورط الإدارة بالضربة الإسرائيلية، لا استخباراتياً ولا عسكرياً، غير أن هذه الخطوة سلّطت الضوء على اختلاف النهجين بين واشنطن وتل أبيب في التعامل مع “حزب الله” والجبهة الشمالية لإسرائيل.

وقبل يوم واحد فقط، كانت الجهود الأميركية في نيويورك تعكس تفاؤلاً بإمكانية تحقيق وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، يتوج جهود أسبوع لتحركات أميركية في نيويورك لحشد دعم دولي لهذا المسعى.

ووصف مسؤولون في إدارة بايدن البيان الذي أصدرته الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون في أوروبا والشرق الأوسط، الأربعاء، بأنه تطور كبير.

البيان رافقته إحاطة رفيعة المستوى للصحافيين، أشارت إلى استعداد طرفي الصراع لقبول المقترح وحتى العمل على تهيئة الأجواء لاتفاق أكثر ديمومة، لكن الساعات التي أعقبت اغتيال زعيم “حزب الله” والحليف الأبرز لإيران في المنطقة، وضعت الجهود الأميركية لاحتواء التصعيد في الإقليم من جديد في موضع “الشك”.

تأييد سياسة الاغتيالات

في بيان أصدره السبت، لم يُبدِ الرئيس الأميركي جو بايدن أي ندم على اغتيال نصر الله، وأشار إلى أن “حزب الله” مسؤول عن مصرع مئات الأميركيين على مدى عقود من الزمن، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى “تهدئة الصراعات الجارية”، وحث على إبرام الاتفاقات الدبلوماسية التي تعمل عليها إدارته في غزة ولبنان.

لكنه أضاف أنه أمر القوات الأميركية في المنطقة بتعزيز “موقفها الدفاعي” لردع العدوان، والحد من خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً.

وفي حين ترحب واشنطن علناً بسياسة الاغتيالات لقادة “حزب الله”، تصر على استمرار جهودها الدبلوماسية لخفض التصعيد في المنطقة، إلا أن حسين أبيش، كبير الباحثين بمركز الخليج في واشنطن، قال لـ”الشرق”، إن الولايات المتحدة “تشعر بالصدمة تجاه هذه التطورات، رغم أنهم في بعض الحالات الفردية، لا يعارضون تصفية شخص مثل نصر الله، فهم لا يحبونه، لأنه مرتبط بتفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983، كما أنهم لا يحبون شخصيات مثل قاسم سليماني، ولذلك لا يعارضون اغتيالهم، لكنهم بالتأكيد لم يرغبوا في أن تُصعّد إسرائيل الأمور إلى هذا الحد”.

من التبريرات التي تطرق لها بيان الرئيس الأميركي لاغتيال حسن نصر الله، أن “الضربة الإسرائيلية حدثت في سياق أوسع للصراع.. حيث اتخذ زعيم الجماعة المدعومة من إيران القرار المصيري بالتحالف مع حركة “حماس” بعد 7 أكتوبر، وفتح ما أسماه بالجبهة الشمالية” ضد إسرائيل”.

بدورها، كررت نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس ما ورد في بيان بايدن بشأن عدم رغبة الإدارة في “رؤية الصراع في الشرق الأوسط يتصاعد إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً”، مشيرةً إلى الجهود الأميركية لتأمين حل دبلوماسي على “طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية”.

ويرى جيمس جيفري، سفير الولايات المتحدة السابق في أنقرة وبغداد، أن إسرائيل لم تعد “تقبل بسياسة الولايات المتحدة للتهدئة ووقف إطلاق النار التي أثبتت فشلها على مدار 20 عاماً الماضية.. ما تفعله وتقوله إسرائيل لواشنطن: نحن لا نقبل رفضكم الاعتراف بأن القوة العسكرية يمكن أن تحقق النتائج”.

واتفق ديفيد داود، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) في واشنطن، مع جيفري على أن تكثيف إسرائيل الضربات ضد “حزب الله” كان “لإضافة المزيد من الضغط لإجبار الحزب على وقف إطلاق النار، إذ لم يكن هناك سبباً يجبر حزب الله على قبول ذلك. هم اعترفوا في أبريل أن الصراع قد طال أمده، لكنه كان محتملاً. أعتقد أن الفكرة بالنسبة للإسرائيليين كانت جعل الأمر غير محتمل بحيث يكون حزب الله أكثر استعداداً لوقف إطلاق النار في الوقت الحالي”.

المفارقة الأميركية: الحليف يُعقّد الأهداف

قبيل اغتيال إسرائيل لزعيم “حزب الله” حسن نصر الله، كان خلافاً جديداً قد ظهر إلى العلن بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، بعد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي للمقترح الذي أعلنته واشنطن بـ”وقف مؤقت لإطلاق النار” على الجبهة الشمالية، وإصراره على أن إسرائيل ستستمر في “ضرب حزب الله بكل قوتها”، في حين أكد البيت الأبيض أن البيان لم يصدر إلا بعد “مشاورات دقيقة مع إسرائيل”.

ويَعتبر أبيش أن الإدارة الأميركية في “موقف صعب للغاية”، حيث فقدت السيطرة على تصرفات إسرائيل، كما أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر كانت تركز على شيء واحد فقط وهو منع توسع الحرب إلى لبنان، لكنها توسعت بالفعل، وليس لأن “حزب الله” أو إيران يريدان حرباً في لبنان، بل لأن إسرائيل هي من تريد التصعيد.

ويرصد أبيش مفارقة تحاول الإدارة الأميركية موازنتها، وهي “أن السياسة الأميركية تفشل بسبب أفعال حليفها الرئيسي (إسرائيل)، وليس بسبب أعدائها. هذا لا يعني أن تل أبيب أصبحت عدوة للولايات المتحدة، ولا أن واشنطن أصبحت صديقة لإيران أو حزب الله أو الحوثيين، لكنه يعني أن الأهداف الأميركية في المدى القصير تتماشى بشكل غريب مع مصالح أعدائها أكثر من حلفائها، ما يضع إدارة بايدن في موقف صعب للغاية”.

أما بالنسبة للسفير جيفري، فالخطأ الرئيسي يأتي من واشنطن، التي “تواجه مشكلة في استراتيجيتها للتعامل مع الصراع، وليست المشكلة أن إسرائيل لا تستمع لنا. المشكلة هي أن ما نقوله لإسرائيل لا معنى له، ليس فقط لنتنياهو، بل لمعظم الإسرائيليين”.

ونقلت مجلة “بوليتيكو” أن “بايدن شعر بأن بنيامين نتنياهو أهانه هو ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بمراوغاته حول اقتراح وقف إطلاق النار مع حزب الله”.

 

لكن مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، استبعد سياسيون أن تُمارس واشنطن ضغوطاً حقيقية على نتنياهو، في حين وجّهت اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي باستغلال موسم الانتخابات وما يُعرف بـ”مرحلة البطة العرجاء” التي تمر بها إدارة بايدن قبيل مغادرته للمنصب في يناير.

ومن وجهة نظر أبيش، فإن “إدارة بايدن ليست مستعدة لممارسة ضغط كبير على إسرائيل، والإسرائيليون يعرفون أنهم يستطيعون التصرف وفقاً لما يعتبرونه مصلحة ذاتية أو مصلحة سياسية لنتنياهو، أو أي قرار آخر يتخذونه في القدس الغربية أو تل أبيب. هم يعرفون أن إدارة بايدن لن تتدخل ولن تعاقبهم، لذا لا يخبرون الإدارة بما سيقومون به، سواء كان ذلك اغتيال مسؤولين أو تنفيذ عمليات عسكرية أخرى”.

غير أن داود، المتخصص في ملفي “حزب الله” وإسرائيل في FDD، استبعد في حديثه لـ”الشرق”، أن يكون الأمر متعلقاً بـ”فترة الضعف الرئاسية في الولايات المتحدة بقدر ما رأت إسرائيل بعد اغتيال إبراهيم عقيل، وتجاوزها كل الخطوط الحمراء، أن رد حزب الله كان مجرد التهويل من حجم ضرباته التي شنها داخل إسرائيل بخيالات لم تحدث”. مضيفاً: “كان ذلك بمثابة إشارة إلى أن حزب الله ربما لا يمكنه الذهاب إلى أي مدى من التهديدات التي يصدرها. لذلك يمكننا التصعيد، وسيبقون في مستوى محدد”.

واعتبر أن نقطة التحول في الصراع على الحدود كانت فشل هجوم 25 أغسطس لـ”حزب الله”، بعد ضربة استباقية إسرائيلية، إذ كان “الإسرائيليون قبل ذلك قلقين جداً من أن أي تصعيد ضد حزب الله سيؤدي إلى حرب شاملة. لكن فشل ضربة الحزب في 25 أغسطس أظهر أنه لا يمكنه الذهاب إلى أبعد من ذلك، وتبين أنه يمكن دفعه أبعد من دون المخاطرة بحرب شاملة”، بحسب دواد.

استعداد لتصعيد انتقامي

بحسب ما نقلت شبكة CNN عن مسؤول أميركي، تستعد الولايات المتحدة لتصعيد انتقامي محتمل في المنطقة من قبل إيران ووكلائها. وأكد وزير الدفاع لويد أوستن أن الولايات المتحدة عازمة على “منع إيران والمجموعات التابعة لها في المنطقة من استغلال الوضع أو توسيع الصراع”.

كما وجه بايدن في بيانه السبت، أوستن “بتعزيز موقف الدفاع العسكري للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط لمنع العدوان وتقليل خطر نشوب حرب إقليمية أوسع”.

وفي ختام أسبوعه الدبلوماسي المكثف على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، أكد بلينكن أن واشنطن لا تزال تعتقد أن الجمع بين الردع والدبلوماسية معادلة فعالة، وكانت كافية لمنع اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.

ورغم التهديدات التي صدرت من مسؤولين إيرانيين بالرد على اغتيال نصر الله، يتوقع السفير جيفري، الذي عمل سابقاً نائباً لمستشار الأمن القومي الأميركي، أن “ما يعرف بمحور المقاومة، سيكون حذراً للغاية. إذا تحدّت إيران إسرائيل، أعتقد أن تل أبيب ستدمر جزءاً كبيراً من البنية التحتية النووية الإيرانية، وربما مرافق أخرى كثيرة. وتلك هي المخاوف التي يجب على طهران التعامل معها، وليس لديها طريقة لإيقاف إسرائيل عن القيام بذلك”.

ورأى أن إسرائيل والولايات المتحدة والحلفاء في وضع عسكري أقوى بكثير مقارنة بإيران ووكلائها، وهو ما أظهرته تل أبيب، وفق قوله، ليس فقط في الهجوم على نصر الله واغتياله، بل في جميع هجماتها، بما في ذلك الغارة على سوريا التي دمرت المصنع الرئيسي لإنتاج صواريخ “حزب الله”، والهجمات على شبكة اتصالات الجماعة اللبنانية.

وبعد التصعيد الأخير في لبنان، بدا أن إشارات الانفتاح التي أبدتها إيران مع الغرب والولايات المتحدة في مهب الريح.

 

ولا يستبعد أبيش “أن تبحث واشنطن وطهران عن نوع من خفض التصعيد والمفاوضات لتجنب هجوم إسرائيلي مباشر على إيران، ولشراء بعض الوقت. من جهة إيران قد تبحث عن وقت لإحراز تقدم هادئ في الملف النووي، مع تخفيف الضغط الناتج عن العقوبات، وتقليل تهديد الضربة الإسرائيلية، ومن جهة أخرى تسعى الولايات المتحدة لتجنب الانجرار إلى حرب مع إيران حول القضية النووية”.

وبشأن ما إذا كان “حزب الله” يمكن أن يقبل حالياً تحت ضغط الضربات الإسرائيلية باتفاق مؤقت، قال داود: “تتمثل قيمة حزب الله في أنه يُمثل في منظوره المقاومة القوية والقادرة على ردع إسرائيل وهزيمتها وفرض شروطه عليها دائماً. هذا هي السردية التي يتم تقديمها، لكن لا يمكنك الاستمرار في تقديم هذه السرد إذا فرضت إسرائيل هذه الشروط عليك”.

وتابع داود: “إذا وضعتك إسرائيل في الزاوية، وكسرت كلمتك بشكل مؤقت، وأجبرتك على الخضوع عسكرياً، ستكون في وضع حيث كل قيمتك وروايتك المتعلقة بالقدرة على حماية قاعدتك الشعبية قد اختفت، وأعتقد أن هذا سيكون أمراً صعباً جداً ليقبله حزب الله.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *