اخر الاخبار

هل تقصّ حرب ترمب الجمركية أجنحة قطاع الطيران فيما يتعافى؟

يجتمع كبار قادة صناعة الطيران في باريس الأسبوع المقبل على هامش المعرض الجوي الأبرز في القطاع. وفي حين كانت إعلانات صفقات الشراء تخطف الأضواء في الماضي، فإن المحرّك الحقيقي للقيمة هذا العام سيكون تسريع تعافي سلاسل إمداد قطاع الطيران، التي أنهكتها الجائحة، رغم بروز عقبة جديدة تعترض هذا المسار اليوم.

الطلب العالمي على الطائرات يتصاعد. شركات الطيران تسعى إلى توسيع أساطيلها واستبدال الطائرات القديمة الأعلى كلفة تشغيلية بأخرى جديدة، فيما تطمح “إيرباص” و”بوينغ” إلى زيادة وتيرة الإنتاج. لكن العقبة الأساسية التي تعرقل هذا المسار تبقى بطء تعافي سلاسل الإمداد في القطاع، حيث كانت من بين الأكثر تضرراً بفعل جائحة كوفيد-19 والأبطأ في استعادة عافيتها، نظراً لبنيتها الفريدة.

اقرأ أيضاً: ترمب يمهد لفرض رسوم جمركية على الطائرات التجارية والمحركات النفاثة

تهديد الرسوم الجمركية

بالتزامن مع بدء الورش المتخصصة في تصنيع الأجزاء المعقدة في استعادة توازنها والاستعداد للزيادات الكبيرة في الإنتاج التي تعتزم “بوينغ” تنفيذها، يواجه القطاع اليوم اضطرابات جديدة جراء الرسوم الجمركية التي قد تؤدي إلى ارتفاع التكاليف ونقص بعض المواد، مثل المعادن.

لكن ليس منطقياً أن يجد قطاع الطيران العالمي نفسه رهينة لمحاولات الرئيس دونالد ترمب إعادة تشكيل التجارة العالمية. إذ أن صناعة الطيران الأميركية، بما في ذلك قطاع الدفاع، هي النشاط الصناعي الضخم الوحيد الذي يحقق فائضاً تجارياً سنوياً يُقدَّر بنحو 75 مليار دولار.

تهيمن على هذا القطاع شركات أميركية وأوروبية، وهو من بين القطاعات القليلة التي لا تضطلع فيها آسيا، وخصوصاً الصين، بدور كبير. بالتالي، صناعة الطائرات لا تشكّل قضية أمن قومي كما الحال مع صناعة السفن. بل على العكس، تغذّي سلاسل إمداد قطاع الطيران التجاري قطاع الدفاع القوي، ما يجعلها أحد الأصول الداعمة للأمن القومي.

اقرأ أيضاً: “بوينغ” تستأنف شحن طائراتها إلى الصين مع انخفاض التوترات التجارية

فيما تعوّل شركات الطيران ومصنّعو الطائرات والمستثمرون على تسريع وتيرة الإنتاج، يواجه المورّدون رسوماً جمركية قدرها 50% على الصلب والألمنيوم. لقد وجهت رابطة صناعات الطيران الأميركية رسالة إلى وزارة التجارة أدرجت فيها قائمة تضم 27 مادة أساسية، منها الغرافيت والكوبالت والتيتانيوم، قد تصبح نادرة أو باهظة التكلفة إذا أوقفت الصين صادراتها.

وقد أغلقت الوزارة حذيثاً فترة تلقي التعليقات العامة في إطار تحقيق بموجب “البند 232” بشأن واردات طائرات تجارية وقطع الغيار الذي يستهدف الاتحاد الأوروبي. لكن غاية هذا التحقيق ما تزال غامضة، في ظل الفائض التجاري الذي يحققه قطاع الطيران، والحاجة إلى توظيف مزيد من العمال الأميركيين لمواكبة الزيادة المتوقعة في الإنتاج.

أزمات “بوينغ” المتتالية

علاوة على ذلك، قطاعا صناعة الطيران في أميركا الشمالية وأوروبا مترابطتان بشدة. وما محرّك “ليب” (Leap)، واسع الاستخدام في طائرات “إيرباص” و”بوينغ” ذات الممر الواحد إلا خير دليل على ذلك. تصنع هذا المحرّك النفاث شركة “سي إف إم إنترناشونال”، وهو مشروع مشترك ناجح بين “جنرال اليكتريك إيروسبيس” (GE Aerospace) الأميركية و”سافران” (Safran) الفرنسية.

سبق أن خاضت الولايات المتحدة وأوروبا تجربة فرض رسوم جمركية متبادلة على طائرات “بوينغ” و”إيرباص”، في نزاع امتد 17 عاماً منذ 2004. وتوصلتا إلى اتفاق في 2021، وضع حداً لدوّامة الاتهامات المتبادلة بشأن الدعم الحكومي والرسوم العقابية.

صحيح أن “إيرباص” تواصل انتزاع حصص في السوق من فئة الطائرات الكبيرة منذ 2019، لكن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى تقصير “بوينغ”. فقد اضطرت طائراتها الأكثر شعبية، “737 ماكس”، للتوقف في مارس 2019، بعد حادثتي تحطم مميتتين. وفي يناير من العام الماضي، كاد حادث انفصال سدادة باب أثناء رحلة جوية يتحول إلى كارثة، ما دفع إدارة الطيران الفيدرالية إلى فرض سف على إنتاج الطائرة. كما أدى إضراب استمر نحو شهرين في نهاية 2024 إلى شلل شبه تام في خطوط الإنتاج.

كان مورّدو “بوينغ” ما يزالون يرزحون تحت وطأة تداعيات وقف تحليق “737 ماكس”، حين اجتاحت جائحة كوفيد-19 العالم في مارس 2020. وعلى خلاف الإنتاج الضخم للسيارات أو الثلاجات، بالكاد يتجاوز عدد الطائرات التجارية الكبيرة المصنَّعة سنوياً عتبة ألف طائرة. وتضم بعض هذه الطائرات أكثر من مليون قطعة، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي لـ”بوينغ” كيلي أورتبرغ في تصريحات حديثة.

اقرأ أيضاً: هذه إجراءات “بوينغ” لتفادي عيوب التصنيع وتحديات الرسوم الجمركية

مشاكل لدى صانعي محركات الطائرات

هذا النموذج القائم على شبكة من المصنّعين المتخصصين في إنتاج الأجزاء الدقيقة جعل سلاسل إمداد قطاع الطيران شديدة الهشاشة أمام الجائحة. غادر كثير من العمال المتمرّسين القطاع، فيما يستغرق انضمام موردين جدد سنوات، نظراً إلى القواعد الصارمة التي تفرضها إدارة الطيران الإتحادية لترخيص قطع الغيار.

وقد أنشأت شركات تصنيع الطائرات والمورّدون الكبار فرق دعم قدّمت مساعدات تقنية ومالية، بل وحتى عمالية، لتفادي توقف شبكة المصنّعين هذه عن العمل إثر صدمة الطلب وتسرب الكفاءات. ففي عام 2020، هوت عمليات تسليم الطائرات التجارية الكبيرة إلى 723 طائرة، مقارنة بذروة بلغت 1606 طائرة في 2018.

فيما تستمر آثار الجائحة، يسجل أداء الشبكة تحسناً. الموردون الذين كانوا يشكّلون نقطة ضعف بالنسبة إلى “جنرال الكتريك” يلتزمون اليوم بتسليم طلباتهم في 95% من الحالات، أي ضعف معدّل الالتزام المسجَّل في العام الماضي، بحسب ما قال رئيس “جنرال الكتريك” التنفيذي لاري كولب خلال مؤتمر نظّمته مؤسسة “بيرنستين” (Bernstein) في 28 مايو. أضاف: “ليس هناك عائق واحد للعمل، بل ألف عائق، وهي تتغير باستمرار”.

إلى ذلك، واجهت “سافران” و”برات آند ويتني” (Pratt & Whitney)، وحدة محركات الطائرات التابعة لـ”آر تي إكس” (RTX Corp)، إضرابات في المصانع خلال وقت سابق من هذا العام، ما فاقم الضغوط على وتيرة الإنتاج. وما تزال شركات الطيران تعاني تداعيات سحب بعض مكوّنات محركات “GTF” التي تصنّعها “برات”، والتي تتطلب عمليات صيانة طويلة ومكلفة لاستبدالها.

في المقابل، يشتكي المورّدون من ارتفاع التكاليف بفعل الرسوم الجمركية، بحسب ما قاله رئيس “سافران” التنفيذي أوليفييه أندريه خلال مؤتمر عبر الانترنت لمناقشة الأرباح في 25 أبريل. أضاف آنذاك: “بعضهم يطالبنا بتحمّل الكلفة الإضافية بالكامل، بل إن بعضهم يهدّد بوقف التسليمات”.

وقد أدّت المشاكل التي يواجهها مصنّعو المحركات إلى تكدّس 17 طائرة لدى “إيرباص” بانتظار محركات. وقد وصف الرئيس التنفيذي، غيوم فوري، ساخراً هذه الطائرات بالقول إنها “طائرات شراعية”، نظراً لافتقارها للمحركات.

قال فوري خلال مؤتمر عبر الانترنت لمناقشة الأرباح في 30 أبريل: “هذا الوضع سيستمر حتى الصيف، مع احتمال زيادة عدد الطائرات الشراعية بفعل نقص محركات (CFM)”.

تفاؤل رغم المخاوف من الرسوم

المحركات ليست العقبة الوحيدة التي تعترض سلاسل الإمداد. في فبراير، دمّر حريق مصنعاً لإنتاج المثبّتات المستخدمة في صناعة الطيران بولاية بنسلفانيا، تشغّله وحدة “بريسيجن كاستبارتس” (Precision Castparts)، تابعة لـ”بيركشاير هاثاواي”.

كذلك، تعرقل بعض التعقيدات موافقة إدارة الطيران الفيدرالية على مقاعد الدرجة الأولى، ما يؤخر تسليم الطائرات. وفي خطوة استثنائية لتعزيز جودة وموثوقية شحنات هياكل الطائرات، وافقت “بوينغ” على الاستحواذ على شركة “سبيريت إيروسيستمز” (Spirit AeroSystems ) مقابل أكثر من 8 مليارات دولار، تشمل الديون. في المقابل، “إيرباص” في صدد الاستحواذ على الأصول التابعة لـ”سبيريت” التي تزوّدها بأجزاء هياكل الطائرات.

ستقود “بوينغ” الزيادة في الإنتاج لسبب بسيط، وهو أنها أصلاُ تنطلق من مستوى متدنٍ، إذ سلّمت الشركة 348 طائرة فقط العام الماضي مقابل 766 طائرة لـ”إيرباص”. وكانت “بوينغ” تتصدّر سباق التسليمات إلى أن بدأت سلسلة أزماتها في عام 2019.

قال كيفن مايكلز، المدير الإداري في شركة “أيروديناميك أدفايزوري” (AeroDynamic Advisory) إن سلاسل الإمداد تحتاج إلى أن تثق بقدرة “بوينغ” على الحفاظ على وتيرة إنتاج مستقرة، في وقت يسعى أورتبرغ إلى إصلاح ثقافة التصنيع داخل الشركة، وإعادة ترسيخ مكانتها كأكبر مصنّع للطائرات التجارية.

كان أورتبرغ، الذي عينته “بوينغ” في أغسطس، قد صعد من صفوف قطاع المورّدين حتى أصبح الرئيس التنفيذي لشركة “روكويل كولينز” (Rockwell Collins)، المتخصصة في أنظمة قمرات القيادة.

قال مايكلز: “كيلي أوقف تآكل الثقة في (بوينغ). وثمة شعور متنام بالتفاؤل بأن الشركة تسير في الاتجاه الصحيح”.

ويستعد قطاع الطيران، أحد أعمدة الصناعة الأميركية، لانطلاقة إنتاجية جديدة ستعزز صادرات الطائرات الأميركية. ويبقى الأمل ألا تقص حرب ترمب الجمركية جناحيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *