اخر الاخبار

هل تصمد استثمارات بايدن في الطاقة النظيفة أمام سياسات ترمب؟

مع نهاية عام 2024، واجهت عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة صدمة انتخابية جديدة، إذ تعهدت الإدارة المقبلة للرئيس المنتخب دونالد ترمب بالتراجع عن بعض الإنجازات التي حققها الرئيس جو بايدن في خفض الانبعاثات الكربونية. ورغم ذلك، تتميز سوق الطاقة بديناميكياتها الخاصة، فهي لا تتأثر بالسياسات فحسب، بل تخضع أيضاً لعوامل اقتصادية وتكنولوجية وبيئية ودولية.

فيما يلي 5 محاور رئيسية جديرة بالمتابعة خلال العام الأول من ولاية ترمب الثانية:

قانون الحد من التضخم: بين البقاء والاختفاء

بدأ عام 2021 بنقاشات الديمقراطيين حول تخصيص إعانات بتريليونات الدولارات لدعم قضية المناخ. وبعد أربعة أعوام، يواجه الحزب تحدياً جديداً للحفاظ على التشريعات المُصغّرة التي تم تمريرها في النهاية.

في الواقع، هناك ثلاثة عوامل تمنح الديمقراطيين أملاً حذراً.

أولاً، فشل ترمب خلال ولايته الأولى في تحقيق ثلاثة أمور لإلغاء قانون الرعاية الصحية الميسرة، الذي كان بمثابة العدو الأول للحزب الجمهوري. فمن الصعب ببساطة إلغاء المزايا الفيدرالية بمجرد إقرارها. وهذا يقودنا إلى العامل الثاني، حيث تتركز الاستثمارات والوظائف المرتبطة بالطاقة النظيفة، والمدعومة بقانون “الحد من التضخم”، بشكل كبير في الولايات الجمهورية. وثالثاً، تتمتع الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب بهامش ضئيل للغاية.

مع ذلك، فإن بعض التدابير مثل الحوافز الضريبية للسيارات الكهربائية ودعم طاقة الرياح البحرية، تبدو في خطر. وينطبق الأمر نفسه على التشريعات التنظيمية الأكثر صرامة، مثل معايير الكفاءة في استهلاك الوقود.

شهدت الآونة الأخيرة تسارعاً في منح وزارة الطاقة قروضاً مخصصة للتكنولوجيا النظيفة، في خطوة تعكس سعي الإدارة المنتهية ولايتها إلى ترسيخ الاستثمارات في هذا المجال قبل تغير الأوضاع السياسية. وتواجه الشركات الآن حالة من عدم اليقين حول الأجزاء التي ستبقى قيد التنفيذ من قانون “الحد من التضخم” خلال العام أو العامين المقبلين، فضلاً عن احتمال حدوث تغييرات جديدة بعد عامي 2026 و2028. ومع النمو الكبير في الإنفاق على التكنولوجيا النظيفة خلال العامين الماضيين، سيكشف عام 2025 عمَّا إذا كانت الانتخابات الأخيرة مجرد عائق مؤقت أمام الإنفاق الخاص على مبادرات انتقال الطاقة، أم أنها تشكل عائقاً كبيراً يهدد استمراره.

ماسك يضغط على صناعة السيارات الكهربائية

لم يتمكن إيلون ماسك من خفض تكلفة تصنيع السيارات بمقدار 20 ألف دولار كما كان يأمل، لكنه واثق من قدرته على توفير تريليوني دولار من الميزانية الفيدرالية.

هذا السيناريو ينذر بتحديات كبيرة لصناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. فالنمو القوي في المبيعات يتطلب تقديم طرُز بأسعار أقل بكثير، وهو ما كان ماسك يروج له قبل أقل من عامين. بدلاً من ذلك، باتت شركة “تسلا” تعتمد بشكل كبير على وعود ماسك بشأن سيارات الأجرة ذاتية القيادة وعلاقاته الوطيدة مع ترمب الذي يُنظر إليه الآن كـ”قيصر التكاليف”، ما يضع حوافز السيارات الكهربائية في دائرة الخطر.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا الإدراك إلى اندفاع المستهلكين لشراء السيارات الكهربائية في بداية عام 2025 للاستفادة من الحوافز قبل إلغائها. لكن العام ككل قد يشهد تراجعاً في المبيعات مع ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية نتيجة خفض الدعم الفيدرالي، إضافة إلى تأخير تطوير الطرُز الجديدة. ورغم الوعود، لا تزال “تسلا” غائبة عن تقديم الطرُز “الأكثر اقتصادية”، بينما قضت شركات ديترويت عام 2024 وهي تقلص طموحاتها في هذا المجال.

أما بالنسبة لشركة “تسلا”، فإن التحدي الأكبر سيكون الوفاء بتعهد ماسك القديم بإطلاق سيارات الأجرة ذاتية القيادة على الطرق. ورغم إعادة تأكيده لهذا الالتزام خلال حدث الشركة في أكتوبر، والذي لم يحظ بترحيب كبير، إلا أن ماسك أرجأ تنفيذ هذا الوعد لأعوام. وفي الوقت الحالي، يروج ماسك لرؤية جديدة تركز على علاقته المحتملة مع ترمب، والتي قد تكون مفيدة لشركته، على افتراض قدرتهما على تشارك الأضواء.

السياسة مقابل الطاقة المتجددة

في خضم الصراع بين الديمقراطيين الذين يسعون إلى تسريع الانتقال إلى الطاقة المتجددة عبر التشريعات، والجمهوريين الذين يحاولون عرقلته، تبرز عوامل أساسية قد لا تحظى بالاهتمام الكافي. من بينها الإعانات الحكومية التي تلعب دوراً محورياً في دعم الطاقة المتجددة، إلى جانب الطلب المتزايد على الكهرباء كعامل أساسي لا يمكن إغفاله.

رغم أن إلغاء الدعم الفيدرالي الكامل لطاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات قد يبدو غير مرجح، إلا أنه في حال حدوثه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف هذه التقنيات. على سبيل المثال، قد يرتفع متوسط تكلفة الطاقة الشمسية على نطاق الشبكة الكهربائية في الولايات المتحدة عام 2025 من 58 دولاراً إلى 72 دولاراً لكل ميغاواط في الساعة، وفقاً لتقديرات “مورغان ستانلي”. هذه الزيادة قد تدفع المشترين المحتملين للتردد قبل الالتزام بعقود جديدة.

السؤال الأبرز يتعلق بمدى حاجة العملاء للطاقة. مع نهاية العام، كشفت تقارير عديدة عن سباق محموم بين شركات التكنولوجيا الكبرى للحصول على مصادر الكهرباء اللازمة لدعم سباق تطور الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن الطبيعة المتقطعة للطاقة المتجددة تجعلها حلاً غير كامل لتلبية الطلب المستمر على الطاقة في مراكز البيانات. وفي الوقت ذاته، تبقى خيارات الطاقة النووية الجديدة بعيدة المنال لمدة عقد على الأقل، فيما تحتاج محطات الغاز الجديدة التي يتم التعاقد عليها الآن ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام لتدخل الخدمة.

من المتوقع أن تشهد خطط إنشاء محطات الغاز الجديدة تسارعاً كبيراً خلال عام 2025. ورغم ذلك، فإن الحاجة الملحة لتلبية الطلب على الطاقة قد تدفع حتى إدارة ترمب إلى الإقرار بضرورة استمرار التوسع في قدرات الطاقة المتجددة، نظراً لسرعة تطويرها مقارنة بالبدائل. وبالرغم من أن تقليص الدعم الفيدرالي سيبطئ وتيرة التوسع، إلا أن بيانات “بلومبرغ إن إي إف” تشير إلى أن التوقعات بانتهاء الإعفاءات الضريبية قد تعزز الطلب بشكل مفاجئ، مما يجعل 2025 عاماً استثنائياً لمشروعات الطاقة المتجددة الجديدة.

إطلاق العنان للطاقة الكهرومائية

قبل وقت طويل من ظهور الألواح الشمسية أو البطاريات العملاقة، كانت المياه المتدفقة التي تحرك التوربينات هي المصدر الأساسي للطاقة النظيفة. ففي عام 2024، شكلت الطاقة الكهرومائية أكثر من ربع إنتاج الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة، لكنها سجلت أدنى مستوى إنتاج منذ عام 2001، بسبب تأثير الجفاف المستمر.

في أكتوبر، وصلت نسبة المناطق الأميركية التي تعاني من ظروف أكثر جفافاً من المعتاد إلى 88%، وهي أعلى نسبة منذ بدء تسجيل البيانات الأسبوعية في عام 2000. وبما أن هذه الظاهرة مرتبطة بالطقس، فإن التنبؤ بها يُعد أمراً بالغ الصعوبة.

ورغم توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية بزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة 9% خلال عام 2025، إلا أن توقعات مماثلة أُعلنت في نفس الوقت من العام قبل الماضي بشأن عام 2024، الذي شهد في النهاية انخفاضاً في الإنتاج.

عندما يتراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية، يصبح الغاز الطبيعي المصدر البديل الأكثر شيوعاً. ويرجع ذلك جزئياً إلى مرونة الطاقة الكهرومائية التي تماثل مرونة توربينات الغاز في دعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مما يجعلها ليست فقط مصدراً للطاقة النظيفة، بل أيضاً ركيزة أساسية لدعم مصادر أخرى من الطاقة المتجددة.

مع ذلك، قد يكون لتغير المناخ تأثير مدمر على هذا المصدر الحيوي للطاقة النظيفة بشكل خاص. فقد حذرت دراسة خضعت لمراجعة الأقران ونُشرت في نوفمبر من أن إنتاج الطاقة الكهرومائية في غرب الولايات المتحدة، الذي يمثل نحو نصف الإنتاج الوطني، قد ينخفض بنسبة تصل إلى 23% بحلول عام 2050.

إلى جانب الانبعاثات، يهدد مصدر آخر من صنع الإنسان مستقبل هذا القطاع. إذ أشارت إحدى جمعيات الصناعة مؤخراً إلى أن عدداً متزايداً من مشغلي السدود يختارون عدم تجديد تراخيصهم، بسبب الإجراءات البيروقراطية الطويلة التي قد تستغرق عقداً كاملاً. كما أن تحقيق إصلاحات في نظام التراخيص بحلول عام 2025 قد يوفر بعض الحلول لهذا القطاع، على الرغم من أن نهاية عام 2024 لم تحمل أخباراً مشجعة على هذا الصعيد.

الاستثنائية الأميركية

بغض النظر عن الفائز في انتخابات نوفمبر، كان من المتوقع أن يشهد عام 2025 تصاعداً في التوترات الدولية. ومع عودة ترمب، الذي يتميز بشغفه بالرسوم الجمركية ونهجه التجاري مع الحلفاء، فإن هذا الاتجاه سيتسارع وستمتد آثارة إلى انتقال الطاقة.

تتداخل هذه التوترات وعودة ترمب مع قضايا التجارة بشكل مباشر، حيث تهيمن الصين على سلاسل توريد التكنولوجيا النظيفة، بينما تربط الولايات المتحدة جهود إزالة الكربون بإعادة تنشيط القطاع الصناعي. كما أن تصعيد الحرب التجارية مع بكين، بالتزامن مع تقليص الدعم المرتبط بقانون “الحد من التضخم”، من شأنه تعميق الانقسامات بشكل أكثر وضوحاً في مجال انتقال الطاقة.

فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية، من المتوقع أن تظل حصة الولايات المتحدة منها عند مستويات منخفضة نسبياً خلال العام الجديد، في حين تقترب نسبتها في الصين من 50% سنوياً. وقد تساهم الرسوم الجمركية في حماية صناعة السيارات في ديترويت من المنافسة الأجنبية، لكنها قد تدفعها في المقابل نحو فقدان أهميتها على الساحة العالمية.

أما في مجال الطاقة الشمسية، فتتوقع “بلومبرغ إن إي إف” نمواً بنسبة 28% في التركيبات السنوية للألواح الشمسية في الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين مقارنة بالعامين السابقين، إلا أن هذه النسبة تُعتبر متواضعة مقارنة بقفزة قدرها 84% في بقية دول العالم. وإذا قرر الجمهوريون إلغاء الإعفاءات الضريبية المرتبطة بالطاقة الشمسية، فقد تنخفض التوقعات الأميركية إلى 11% فقط.

رغم انسحاب واشنطن الملحوظ من دعم انتقال الطاقة، فإن ذلك لن يتكرر على نطاق عالمي، خاصة في الصين التي تواصل تعزيز قيادتها في التكنولوجيا النظيفة، رغم اعتمادها المستمر على الفحم. ومن الممكن أن يشهد عام 2025 تطوراً مفاجئاً، يتمثل في قيام الجمهوريين بدفع تشريعات لفرض رسوم حدودية على الكربون، ليس بهدف مكافحة تغير المناخ، بل للضغط على الصين (وزيادة الإيرادات). ومن المصادفة أن هناك مشروع قانون بهذا الشأن بالفعل قيد المناقشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *