هل تصبح رواندا وجهة المهاجرين المرحّلين من الولايات المتحدة؟

لم يحتج رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لأكثر من يوم واحد بعد توليه منصبه الصيف الماضي ليطوي صفحة خطة مثيرة للجدل أقرّها سلفه لترحيل طالبي اللجوء في بريطانيا إلى رواندا التي تبعد عن أراضيها بضعة آلاف من الكيلومترات.
طرح المحافظون ما يُسمى “خطة رواندا” في 2022، لكنها لم تسفر إلا عن أربع عمليات ترحيل طوعية، ولم تُفض إلى حملة ترحيل أوسع. قال ستارمر في أول مؤتمر صحفي له من داونينغ ستريت في يوليو إن هذه الخطة “ماتت ودُفنت قبل أن تبدأ”، معتبراً أنها لم تكن أكثر من استعراض دعائي.
اليوم، تتّجه الولايات المتحدة إلى إحياء نسخة من هذا المخطط الذي تخلّت عنه بريطانيا، إذ تسعى إلى ضمّ رواندا إلى قائمة متزايدة من الدول الحليفة، مثل السلفادور والمكسيك، وأخيراً جنوب السودان، التي أبدت استعدادها لاستقبال دفعات ممن تعتزم إدارة الرئيس دونالد ترمب ترحيلهم.
اقرأ أيضاً: المملكة المتحدة تتطلع لإبرام اتفاقية إعادة مهاجرين مع العراق
استهداف أصحاب السوابق
قال وزير خارجية رواندا أوليفييه ندوهونغيريهي خلال مقابلة تلفزيونية هذا الشهر إن بلاده “تجري محادثات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق حول الهجرة”. وفيما رفض متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية تأكيد حصول مثل هذه المحادثات، قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن الولايات المتحدة “تبحث بجهد عن دول أخرى تقبل استقبال هؤلاء الأشخاص… كلما كانت أبعد عن أميركا، كان ذلك أفضل، كي لا يتمكنوا من العودة عبر الحدود”.
لم يحدّد ندوهونغيريهي ما إذا كان الاتفاق المحتمل سيشمل مهاجرين لديهم طلبات لجوء قيد الدراسة، أم أشخاصاً من أصحاب السوابق الجنائية. لكن تصريحات روبيو، الذي وصف من يُعتزم ترحيلهم إلى دول ثالثة بأنهم “من أحقر البشر”، توحي بالاحتمال الثاني.
ليس غير قانوني ولا غير مسبوق ترحيل مهاجرين إلى دول ثالثة عندما تكون إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية صعبةً أو غير آمنة. على سبيل المثال، يُستخدم مركز عمليات الهجرة في القاعدة الأميركية في غوانتانامو في كوبا منذ عقود لاحتجاز مهاجرين غير نظاميين من هايتي وكوبا إلى حين البتّ في طلبات لجوئهم، وهي عملية غالباً ما تسير بوتيرة بطيئة جداً، إلى أن يوافق كثير منهم في النهاية على العودة إلى بلدانهم أو على إعادة توطينهم في دولة ثالثة.
وقد أبرم الرئيس السابق جو بايدن اتفاقاً مع المكسيك في 2023 لإعادة مهاجرين من أربع دول مختلفة عبر الحدود الأميركية المكسيكية. وقد كثّف الرئيس ترمب جهوده لترحيل المهاجرين، ولا سيما من أصحاب السوابق الجنائية.
اقرأ أيضاً: المحكمة العليا تجيز لترمب إنهاء إقامة نصف مليون مهاجر
قلق مناصري حقوق الإنسان
قال محامي الهجرة جاكوب سابوتشنك، المقيم في سان دييغو إن مراكز احتجاز المهاجرين داخل الولايات المتحدة أصبحت مكتظة جداً وعالية الكلفة. وهذا من الأسباب التي دفعت وزارة الخارجية إلى إبرام اتفاقات “نقل” مهاجرين مع عدد أكبر من الدول. تحدث سابوتشنك عن حملة الترحيل الجديدة، قائلاً: “سبق أن طُبّقت هذه الآلية من قبل، لكن ليس بهذا الحجم”.
استقطبت هذه الموجة الجديدة من الترحيلات اهتماماً متزايداً من الرأي العام والمحاكم. في مارس، رحّلت السلطات الأميركية خطأً أباً لثلاثة أطفال من ولاية ماريلاند إلى مركز احتجاز شديد الحراسة في السلفادور، ما أثار موجة احتجاجات طالبت بإعادته. كذلك، علق ثمانية مهاجرين من المكسيك وفيتنام ودول أخرى في جيبوتي، في طريقهم للترحيل إلى جنوب السودان، وفق ما أكّده ترمب في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 22 مايو.
وكان قاضٍ فدرالي اعتبر أن نقل هؤلاء المهاجرين إلى إفريقيا “ينتهك بلا شك” أمراً قضائياً يمنحهم مهلة كافية للطعن في وجهة ترحيلهم. في المقابل، طلب ترمب من المحكمة العليا الأميركية وقف تنفيذ الأمر القضائي.
أثارت إضافة رواندا إلى قائمة الوجهات المحتملة مخاوف عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان. فرغم أن البلد الذي يفتقر إلى منفذ بحري ويقغ في إفريقيا الوسطى ينعم منذ سنوات باستقرار سياسي ونمو اقتصادي، إلا أنه من بين أكثر دول العالم كثافة سكانية، وليس لديه البنية التحتية اللازمة لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين أو المرحَّلين.
قال جيفري سميث، المدير التنفيذي لمنظمة “فانغارد أفريكا” (Vanguard Africa) المناصرة للديمقراطية: “يصدمني أن الحكومة الأميركية، بغضّ النظر عن تجاهلها الحالي لحقوق الإنسان، قد تفكّر في إرسال مهاجرين أو طالبي لجوء إلى بلد مثل رواندا”. وذكّر بأنّ وزارة الخارجية الأميركية كانت قد أصدرت مطلع هذا العام تحذيراً من السفر إلى رواندا، داعية المواطنين الأميركيين إلى توخّي الحذر بسبب خطر اندلاع أعمال عنف مسلّحة.
إلى ذلك، تواجه الكونغو المجاورة غرباً ميليشيا “إم 23” المدعومة من رواندا. فيما تسعى إدارة ترمب للتوصّل إلى اتفاق سلام بين رواندا والكونغو، يرى سميث أن إرسال مهاجرين إلى رواندا في هذه الظروف “أمر غير منطقي على الإطلاق”.
اقرأ أيضاً: جماعات مسلحة مدعومة من رواندا تقترب من مدينة رئيسية في الكونغو
ترحيل مواطن عراقي
يبدو أن الإدارة الأميركية اختبرت رواندا كوجهة للمرحّلين مرة واحدة على الأقل حتى الآن. أفادت تقارير في وقت سابق هذا العام بأن الولايات المتحدة أرسلت مواطناً عراقياً يُدعى عمر عبد الستار أمين إلى رواندا، مقابل مبلغ 100 ألف دولار لتغطية التكاليف.
وكان أمين قد تحوّل إلى قضية رأي عام قبل سنوات، بعدما سعت إدارة ترمب السابقة لترحيله إلى العراق لدى إيقافه عام 2018 في سكرامنتو بولاية كاليفورنيا، للاشتباه في ضلوعه بقتل شرطي عراقي وبكونه قيادياً في تنظيم “داعش”. لكن القضاء الأميركي اعتبر الأدلة غير كافية، إذ أظهرت سجلات هاتفه المحمول أنه كان في تركيا وقت وقوع الجريمة، وأمر بالإفراج عنه عام 2021، غير أن سلطات الهجرة والجمارك أوقفته مباشرة للشروع في إجراءات ترحيله.
كشفت الصحافية المستقلة ماريسا كاباس قبل فترة قصيرة عن برقية صادرة عن وزارة الخارجية بتاريخ 22 أبريل، تُظهر أن أمين نُقل هذا العام من الولايات المتحدة إلى رواندا. وبما أن رواندا لا ترتبط بمعاهدة لتسليم المطلوبين مع العراق، لم يتضح وضع أمين ومكان وجوده بالضبط، حتى لمحاميه في سكرامنتو. ولم يستجب متحدث باسم السفارة الرواندية في واشنطن على طلب التعليق، فيما امتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بأي تصريح.
مكسب للرئيس الرواندي
إن توصّلت الولايات المتحدة ورواندا إلى اتفاق، فسيصب ذلك لمصلحة الرئيس الرواندي بول كاغامي، إذ أنه سيجني مكاسب سياسية داخلية ونفوذاً إضافياً في واشنطن إلى جانب العوائد المالية، وسيساعده ذلك في كبح الانتقادات الموجّهة إلى سجله على صعيد حقوق الإنسان، بحسب لويس مادج، مدير قسم أفريقيا الوسطى في منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
أشار مادج إلى أن الحكومة البريطانية كانت، قبل طرح برنامج الترحيل إلى رواندا، تعبر باستمرار عن قلقها حيال الاعتقالات التعسّفية وغير القانونية في البلاد، فضلاً عن عمليات اغتيال استهدفت معارضين في الخارج. لكن بعد إقرار “خطة رواندا”، تراجعت حكومة بوريس جونسون عن جزء كبير من تلك الانتقادات التي كانت هي نفسها توجهها.
عندما ألغت المملكة المتحدة في نهاية المطاف خطة الترحيل إلى رواندا، عزا ستارمر جزءاً من أسباب قراره إلى كلفتها الباهظة. فقد كلّفت التحضيرات دافعي الضرائب البريطانيين نحو 700 مليون جنيه إسترليني (945 مليون دولار)، ثم أرسلت رواندا في مارس فاتورة إضافية بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني لستارمر لمطالبته بتعويض عن إلغاء الاتفاق.
لقد دعم هذا القرار حكم صدر عن المحكمة العليا البريطانية عام 2023، اعتبر أنّ رواندا ليست “دولة آمنة” لطالبي اللجوء، إذ يواجهون فيها خطراً حقيقياً بالترحيل إلى بلدانهم الأصلية، في ممارسة تُعرف بـ”الإعادة القسرية”. ويُعدّ مبدأ عدم الإعادة القسرية ركناً أساسياً في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، الموقَّعة من الولايات المتحدة.
قالت كاثرين ماهوني، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ المفوضية لم تطّلع حتى الآن على أي مقترح لاتفاق محتمل بين الولايات المتحدة ورواندا، مؤكّدة أن “أي ترتيبات نقل يجب أن تضمن حقّ الوصول إلى إجراءات اللجوء والالتزام بالأصول القانونية”. في المقابل، يبحث ستارمر حالياً في إنشاء “مراكز عودة” في دول ثالثة لم تُحدَّد بعد، بهدف إرسال طالبي اللجوء المرفوضين إليها في الحالات التي يتعذّر فيها ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
لا يُرجح أن يواجه الاتفاق الأميركي المحتمل، أيّاً كان شكله، العقبات نفسها التي أطاحت باتفاق المملكة المتحدة، إذ أن صعوبة الظروف في بلد المقصد قد تكون ميزة لا عيباً بنظر الإدارة الأميركية. قالت ميكيلا رونغ، مؤلفة كتاب عن الرئيس الرواندي: “كان على البريطانيين تصوير رواندا كوجهة آمنة يمكن أن يجد فيها طالبو اللجوء الازدهار، أما واشنطن فستقدّم الأمر بطريقة مختلفة تماماً على ما أعتقد.”