هذه أبرز مكاسب السعودية من استضافة كأس العالم 2034
“الكثير قد يحدث في 11 عاماً”. هكذا علّق أمين عام الاتحاد السعودي لكرة القدم إبراهيم القاسم على إعلان السعودية تسليم ملف ترشحها لاستضافة فعاليات كأس العالم 2034، لتكون المتقدمة الوحيدة، حيث من المقرر أن تصوت “فيفا” على القرار رسمياً غداً الأربعاء.
لم يكن القاسم يبالغ حين تحدث عن الكثرة. أطلقت السعودية خلال الفترة الأخيرة عدداً من المشروعات العملاقة في مناطق مختلفة من البلاد، وهو أمر قد يحولها إلى أكبر سوق بناء في العالم بحلول 2028.
غالبية أمد هذه المشروعات يصل إلى عام 2030، في حين أن استضافة المملكة لفعاليات كأس العالم في 2034 ستشكل امتداداً عملياً للرؤية، نظراً إلى أن التعهدات الواردة في ملف المملكة تزيد عن ما تخطط لتنفيذه في “رؤية 2030”.
هذه التعهدات تمثلت في تشييد 11 ملعباً جديداً من أصل 15 ملعباً مخصصاً لاستضافة المباريات، بالإضافة إلى تخصيص 230 ألف غرفة فندقية تتناسب مع معايير الفيفا في المدن الخمس التي ستستضيف المباريات، وهو ما يعني إضافة نحو 175 ألف غرفة فندقية بحلول 2034.
أبرز المستفيدين
بطبيعة الحال، فإن شركات المقاولات والبناء أبرز المستفيدين من هذه الخطط، إذ يُتوقع أن تصل قيمة المشاريع بكافة القطاعات إلى 181.5 مليار دولار، بحسب تقرير سابق لـ”نايت فرانك”، في وقت تهدف “رؤية 2030” إلى تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية، بحلول نهاية العقد. هذه الأرقام تعني أن السعودية قد تحقق بحلول عام 2030، أكثر مما تعهدت به بحلول 2034.
تُعد البنية العقارية من أبرز الكلف التي يمكن لدولة تحملها خلال استضافة فعاليات عالمية على غرار كأس العالم. ولم تعلن السعودية كلفة تقديرية للمشاريع المخصصة لكأس العالم، في حين اكتفى حماد البلوي، رئيس وحدة ملف ترشح السعودية لاستضافة كأس العالم في حديث لـ”الاقتصادية” بالقول إن الكلفة “مقدور عليها”.
وكمؤشر على كلفة البناء، منحت شركة “القدية للاستثمار” في أكتوبر الماضي، تحالفاً سعودياً إسبانياً يضم شركتي “إف سي سي كونستراكشن” (FCC Construction) الإسبانية و”نسما” السعودية، عقداً بقيمة 4 مليارات ريال لبناء “استاد الأمير محمد بن سلمان” في مشروع القدية على مشارف الرياض، بسعة 46.9 ألف متفرج، والمقرر تسليمه في 2029.
يُفترض أن تُقام المباريات على 15 ملعباً في خمس مدن وهي: الرياض، جدة، الخبر، أبها، نيوم. 8 من هذه الملاعب سينتهي تشييدها أو توسعتها وتطويرها لتتناسب مع معايير “فيفا” في عام 2032، في حين أن الملاعب الأخرى ستجهز قبل انتهاء الرؤية، وذلك وفقاً لملف المملكة.
حجم الاستفادة
رغم أن الكلفة “مقدور عليها” ولكنها مرتفعة في وقت يشهد الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين. ولكن هناك العديد من الفوائد الاقتصادية لاستضافة حدث كهذا. يشير المحلل المالي المعتمد فتحي الجزار إلى أن استفادة السعودية من هذا الحدث تنقسم إلى 3 مراحل.
أول هذه المراحل هي الأعمال التحضيرية لاستضافة كأس العالم، سواء من خلال بناء المنشآت الأساسية أو منشآت التدريب أو غرف الإقامة وغيرها من المشاريع المرتبطة. هذه المرحلة ستخلق زخماً اقتصادياً في المملكة، سيضيف إلى الناتج المحلي للمملكة، وتؤدي إلى دخول استثمارات محلية وأجنبية إلى القطاع، وهو ما ظهر مؤخراً من خلال دخول شركات مصرية وتركية وصينية إلى القطاع، بالإضافة إلى شركات أميركية مثل “بلاك روك”.
أما المرحلة الثانية، فهي استضافة المونديال. فمع دخول السياح والزوار لحضور فعاليات كأس العالم، ستنتعش قطاعات عدة مثل السياحة والفنادق والخدمات والإنفاق الاستهلاكي، ناهيك عن عائدات قطاعي النقل والطيران. وأضاف الجزار أن “عدة قطاعات جديدة ستنشأ نتيجة لزيادة الطلب”، مثل خدمات التأشيرات أو القطاعات اللوجستية الداعمة.
المرحلة الثالثة تتمثل في فترة ما بعد المونديال، وهنا يكمن الامتحان الأبرز للمملكة وفق الجزار. إذ أشار إلى أن “نجاح المملكة في تحويل تجربة الزوار خلال المونديال إلى تجربة شيقة، سيمكّنها من ضمان عودة عدد كبير منهم مجدداً”، لأهداف سياحية أو عملية، أو تحويلهم إلى “مروجين” لها بحيث يقومون بتوصية أصدقائهم ومعارفهم لزيارة السعودية. هذه المرحلة من شأنها أيضاً أن تساهم في نمو القطاع الخاص، وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المملكة، للاستفادة من الزيادة السياحية والسكانية فيها.
القطاع غير النفطي
من جهته، يتوقع الأكاديمي والكاتب الاقتصادي بندر الجعيد أن ترفع استضافة المونديال من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة تتراوح بين 1% و2% خلال عام البطولة، متوقعاً أن تحقق القطاعات غير النفطية وخصوصاً المرتبطة بالحدث، مثل السياحة والترفيه، مساهمة اقتصادية أعلى، مقدراً أن “تدعم البطولة النمو غير النفطي، وخصوصاً الخدمات، بمساهمة إضافية تتجاوز 10% في السنة التي تُقام فيها”.
وأضاف في تصريحات لـ”الشرق” أنه “بناءً على تقديرات سابقة لاستضافة مونديال قطر، التي ساهمت بنحو 20 مليار دولار في الاقتصاد، فإن “المملكة قادرة على تحقيق زيادة أكبر بفضل حجمها الاقتصادي وتنوع قطاعاتها”، مؤكداً أن البطولة ستزيد مليارات الدولارات من الإنفاق الاستهلاكي والسياحي إلى الاقتصاد السعودي.
بدوره، يتوقع عبد الحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية في تصريحه لـ”الشرق” أن حجم اقتصاد المملكة بحلول عام 2034، سيصل إلى تريليوني دولار بدعم من إنفاق الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة من جهة، والقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى، فضلاً عن سياسات تنويع الاقتصاد والقطاعات غير النفطية.
العمري أضاف أن المملكة خلال السنوات القليلة الماضية شهدت العديد من الأحداث والفعاليات الكبيرة، وبدعم رئيسي من قطاعي السياحة والترفيه. وخلص في هذا السياق، إلى أن الفعاليات الكبيرة دائماً ما يكون لها انعكاس إيجابي على الاقتصاد مع زيادة الطلب والإنفاق والضخ المالي في هذه القطاعات.
السياحة
استضافت قطر مونديال 2022. ولكن من الصعب مقارنة الأرقام في قطر بالفعالية المنتظرة في المملكة لعدة أسباب، من بينها اختلاف حجم الاقتصادين والفترة الزمنية الفاصلة بينهما، ولكن هناك بعض المؤشرات التي يمكن أخذها كمعيار للقياس، مثل حجم السياح، أو معدلات الإنفاق.
تشير دراسة أعدها “صندوق النقد الدولي” في فبراير الماضي، إلى أن حوالي مليون شخص سافروا إلى قطر لحضور الفعالية، في حين قدرت نفقات السياحة من قبل الزوار وإيرادات البث المتعلقة بكأس العالم بنحو 2.3 مليار دولار إلى 4.1 مليار دولار. ومن حيث القيمة المضافة الإجمالية، فإن هذا يعادل 1.6 مليار دولار إلى 2.4 مليار دولار.
تلفت الدراسة أيضاً، إلى أن القدرات الفندقية لدى قطر كانت خلال المونديال عند 130 ألف غرفة فندقية، في حين أن السعودية وضعت خطة لتأمين 230 ألف شقة فندقية، ما يعني أنها تتوقع أن يدخل إليها ضعف العدد الذي زار قطر.
سهلت السعودية أخيراً عملية الدخول إليها من خلال أنواع عديدة من التأشيرات من بينها تأشيرات عند الوصول تشمل الكثير من دول العالم، كما أطلقت شركة طيران الرياض، التي من شأنها أن تزيد الانكشاف العالمي على المملكة، من خلال إطلاق مسارات جديدة تربط المملكة بمعظم دول العالم.
يُتوقع أن يزيد قطاع السياحة في السعودية مساهمته السنوية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 836.1 مليار ريال بحلول 2034، أي ما يقرب من 16% من اقتصاد المملكة، بحسب تقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة.
أوضح المجلس في تقرير له أن القطاع سيوظف أكثر من 3.6 مليون شخص في جميع أنحاء المملكة، مع عمل واحد من كل خمسة أشخاص في هذا القطاع خلال 10 سنوات.
هذا الزخم السياحي المتوقع، والذي يُضاف إلى أكثر من 100 مليون سائح أنفقوا في العام الماضي 141 مليار ريال في المملكة، من شأنه أن يقدم دعماً للقطاع غير النفطي الذي يُعتبر ركيزة من ركائز “رؤية 2030”.
سوق العمل
من شأن أي استثمارات في قطاعات محددة أن تساهم في زيادة مستويات التوظيف، فكيف إذا كان هذا القطاع هو البناء والتشييد، والذي يُعتبر أحد أكثر القطاعات توظيفاً.
يتوقع الجعيد أن استضافة بطولة كأس العالم ستخلق “مئات الآلاف من فرص العمل في قطاعات الإنشاءات، السياحة، والضيافة”، متابعاً أن البطولة “يمكنها توفير ما يصل إلى 200 ألف وظيفة مباشرة خلال فترتي التحضير والتنفيذ، بحسب التقديرات”.
وأضاف أن البطولة بمثابة “فرصة لتعزيز الاستثمار للشركات المحلية والأجنبية في قطاعات السياحة والرياضة والترفيه، وفي مشروعات ضخمة مثل نيوم والقدية والدرعية والبحر الأحمر، حيث يتوقع أن يشارك القطاع الخاص في مشاريع تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار، تشمل الخدمات اللوجستية، الفندقية، والنقل”.
في نوفمبر الماضي، خفضت السعودية معدل البطالة المستهدف بين مواطنيها إلى 5% بحلول عام 2030 بدلاً من مستهدفها السابق البالغ 7% ضمن “رؤية المملكة”، حسبما أعلن وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أحمد بن سليمان الراجحي.
ساهمت في هذا التقرير: رهام الشايب [email protected]