نهاية فورة الاكتتابات؟ طروحات الخليج تتراجع وتفقد الزخم

بعد أربعة أعوام من النجاحات الكبيرة، بدأت فورة الطروحات العامة الأولية في الشرق الأوسط تفقد الزخم، في ظل التدقيق في التقييمات، والعودة القوية إلى الطروحات في الولايات المتحدة وآسيا.
تراجع حجم الطروحات في الخليج إلى أدنى مستوى منذ الجائحة خلال الشهور الماضية، إذ أصبح المستثمرون أكثر انتقائية بشكل ملحوظ، وتلاشى ارتفاع أسعار الأسهم في اليوم الأول من التداول في المنطقة، بعدما كان موثوقاً في السابق.
تجلى التغير في المعنويات هذا الأسبوع، إذ ألغت “إي إف إس آي إم” لإدارة المرافق في السعودية خططاً لطرح أولي بقيمة 89 مليون دولار في سوق الأسهم الرئيسية بالمملكة. كما أبطأ صندوق الاستثمارات العامة، الصندوق السيادي السعودي، وتيرة العمل على العديد من الطروحات الأولية المقررة، بحسب ما كشفته “بلومبرغ”. وتتزامن هذه الخطوات مع انخفاض مؤشر السوق المالية السعودية الرئيسي بنحو 12% منذ بداية العام.
مثّلت منطقة الخليج نقطةً مضيئةً نادرة خلال السنوات الماضية، بدعم من عمليات الخصخصة التي تجريها الحكومات، وجهود لتعميق أسواق رأس المال المحلية، إلا أن تراجع أسعار النفط بدأ يخيم على آفاق النمو في الشرق الأوسط، لا سيما في السعودية. وفي الوقت نفسه، ومع تزايد نشاط الطروحات الأولية في أسواق أخرى، فإن المنطقة التي ازدهرت خلال نُدرة الطروحات العالمية، باتت فجأة تواجه منافسة.
فيما يلي أربعة مؤشرات توضح كيف تراجعت الدورة المليئة بالحماس أمام سوق أكثر اتزاناً وحذراً.
تراجع حجم الطروحات الأولية في أسواق الخليج
كان التغير الأشد وضوحاً هذا العام هو الانخفاض الحاد في حجم الطروحات الأولية على مستوى الخليج، إذ انخفضت حصيلة الطروحات في المنطقة بأكثر من النصف، من 13 مليار دولار إلى أقل من 6 مليارات دولار في 2025.
ففي الإمارات، تراجعت الإدراجات بشكل كبير بعدما أدى الأداء الباهت لسهمي “لولو للتجزئة القابضة” و”طلبات” في أول يوم للتداول أواخر العام الماضي إلى توخي المستثمرين مزيداً من الحذر، كما أرجأت “دوبيزل”، منصة الإعلانات المبوبة الإلكترونية التي يقع مقرها في دبي، الطرح الأولي لأسهمها، في حالة نادرة للتراجع عن صفقة في الإمارات. كما شهدت سلطنة عُمان تراجعاً كبيراً في النشاط، بعدما تفوقت على لندن لفترة وجيزة في حجم الطروحات الأولية في 2024.
“تداول” السعودية تدرس 40 طلباً لتنفيذ طروحات أولية مقبلة.. التفاصيل هنا
وفي السعودية، أُلغي طرح أسهم “إي إف إس آي إم” (EFSIM) لعوامل من بينها تراجع الطلب في السوق بشكل عام، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر. مع ذلك، استقرت حصيلة الطروحات الأولية في المملكة مقارنةً بالعام الماضي عند نحو 4 مليارات دولار، ما ساعد المملكة في استعادة لقب أنشط سوق للطروحات في الخليج، إلا أن مُعظم الصفقات كان مصدرها القطاع الخاص، مع إبطاء الحكومة وتيرة عمليات الخصخصة الضخمة.
قال مصطفى جاد، مدير خدمات الاستثمار المصرفية لدى “إي إف جي هيرميس”، إن “الطروحات الحكومية تكون ضخمةً في العادة، ولم تكن السوق مهيأة لهذه الصفقات هذا العام. كان تأجيل الطروحات الضخمة فكرة في غاية الحكمة”. يُذكر أن “إي إف جي هيرميس” من أكبر منظمي الطروحات في الخليج.
تراجع حجم الصفقات في الخليج
اتضح التغير في المعنويات في حجم الصفقات أيضاً، فشهد العام الماضي ثلاثة طروحات أولية بنحو ملياري دولار بعدما سمح الارتفاع الكبير في سجل طلبات الاكتتاب لـ”طلبات” و”لولو” بزيادة حجم الطرح في المراحل الأخيرة من العملية، رغم أن ذلك الحماس لم يمتد إلى التداول. وفي 2025، كانت هناك صفقة وحيدة بقيمة مليار دولار من “طيران ناس”، شركة الخطوط الجوية منخفضة التكلفة، وتجاوزت أربع صفقات فقط مستوى 500 مليون دولار.
أضاف جاد أن المستثمرين اتجهوا إلى الشركات الأصغر حجماً، وأكثر بساطة، وذات بيانات مالية أوضح، مُشيراً إلى أن “أي طرح تتجاوز قيمته 500 مليون دولار تبدأ صعوبته في التزايد. الناس لا يرغبون في التعامل مع الكثير من التعقيد”.
موجة من الطروحات الثانوية
إذا كانت الطروحات الأولية قد تراجعت في الإمارات، فالطروحات الثانوية عوضت الفارق بعدما ناهزت حصيلتها 5 مليارات دولار، متفوقةً على حصيلة الطروحات الأولية للمرة الأولى. وجاء أغلب النشاط من المساهمين المدعومين من حكومة أبوظبي خلال تقليص حصصهم لزيادة الأسهم المتاحة للتداول العام، وتعزيز السيولة، وتحسين الأوزان في المؤشرات.
“سمانا” تعتزم الطرح ببورصة دبي نهاية 2026 بتقييم يفوق 20 مليار درهم.. التفاصيل هنا
حتى قطر، التي غابت بشكل كبير عن فورة الطروحات على مستوى منطقة الخليج، شهدت نشاطاً نادراً في الطروحات الثانوية، عندما أصبح بيع جهاز أبوظبي للاستثمار حصة بعدة ملايين الدولارات في “أُريدُ” هو أكبر حدث في أسواق رأس المال في البلد منذ سنوات.
كان حجم الطروحات الثانوية في السعودية أكثر فتوراً مقارنةً بالعام الماضي، وتصدره بيع الحكومة حصة في “أرامكو السعودية”، شركة النفط العملاقة، مقابل 12 مليار دولار.
تلاشي الارتفاعات في أول يوم من التداول
ظهر تحول حاسم آخر في الأداء، فبعدما أصبح ارتفاع السهم بأكثر من 30% في أول يوم للتداول سمةً مميزة للطروحات في الخليج، بدأت هذه الظاهرة في التراجع أواخر 2024، وتلاشت في 2025. ففي السعودية، تحول متوسط مكاسب الطرح إلى السالب، ومن بين أكبر طروحات أولية في المملكة، يتداول سهمان فقط بأعلى من سعر الطرح. وتراجع السوق واسعة النطاق لم يساعد، إذ كانت الأسهم السعودية من بين الأسوأ أداءً في الأسواق الناشئة هذا العام، بضغط من تراجع أسعار النفط، والمخاوف من أن يؤدي ذلك إلى خفض الإنفاق الحكومي.
اكتتاب “المسار للتعليم” يجتذب طلبات مؤسساتية تفوق 61 مليار ريال في السعودية.. التفاصيل هنا
كذلك، انخفض الطلب على الطروحات في الآونة الأخيرة، فغطت أوامر المؤسسات الاستثمارية اكتتاب “الرمز العقارية”، ومقرها في الرياض، 11 مرة فقط في وقت سابق من الشهر، بفارق كبير عن مستويات التغطية بأرقام ثلاثية التي كانت الوضع المعتاد قبل شهور.
حققت الطروحات الأولية في الإمارات أداءً أفضل، لكن مؤشرات على الإرهاق بدأت تظهر هناك أيضاً، فحتى “أليك القابضة” للإنشاءات المدعومة من الدولة، والتي تمثل ذلك النوع من الصفقات التي تحقق أداءً قوياً عند التداول لأول مرة من الناحية التاريخية، كان أداء سهمها فاتراً في أول يوم للتداول، وارتفع سعره حالياً بمعدل طفيف عند 3%. وكان أداء مؤشري الأسهم الرئيسيين في دبي وأبوظبي جيداً نسبياً بشكل عام، لكن المكاسب الفورية بالأرقام الثنائية لم تعد تتحقق.
ولفت جاد إلى أن ذلك تصحيح مُرحّب به من منظور البعض، وأضاف: “سيتأقلم الجميع مع فكرة أن ليست الطروحات كلها ستحقق ارتفاعاً بما بين 30% و40% في أول يوم للتداول”، واختتم: “نتحول إلى سوق ناضجة”.



