اخر الاخبار

نفط سوريا ما بعد حقبة الأسد.. السيناريوهات والتحديات

تقف سوريا عند مفترق طرق بعد سقوط نظام الأسد. وسط ذلك، يثير قطاع الطاقة الاهتمام بعد أن كانت البلاد يوماً ما مُصدراً صافياً للنفط، فهل يشكل القطاع أحد الركائز الأساسية لإعادة الإعمار، وما هي سيناريوهات استعادته لعافيته؟ 

القطاع مرشح لأن يمثل شريان حياة لجهود بناء الدولة، إذا ما استطاعت سوريا العودة إلى مستويات إنتاجها النفطي قبل اندلاع الحرب في عام 2011، والبالغة نحو 400 ألف برميل يومياً (حتى أن بعض التقارير تشير إلى أنها ناهزت بمرحلة ما نصف مليون برميل يومياً)، إذ قد تحقق عوائد سنوية تناهز 15 مليار دولار بسعر 70 دولاراً لبرميل النفط، وهي في أمس الحاجة الآن إلى تلك الموارد لإعادة إعمار بنيتها التحتية التي تدمرت إبان حرب ضروس، كما يقول محلل قطاع الطاقة المقيم في لندن إحسان الحق. 

تكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف ضخمة لإعادة إعمار سوريا، تتراوح بين 250 و300 مليار دولار.

انخفاض حاد لإنتاج الخام والغاز

بلغ إنتاج سوريا النفطي نحو 400 ألف برميل يومياً في الفترة بين عامي 2008 و2010، لكن بعد نشوب الحرب هوى الإنتاج ليصل إلى حوالي 15 ألف برميل يومياً في 2015، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وفي 2023، بلغ إنتاج سوريا من النفط والسوائل 40 ألف برميل يومياً، وفقاً لتقديرات أوردتها صحيفة الشرق الأوسط. 

أما فيما يخص الغاز، فكانت سوريا تنتج 30 مليون متر مكعب يومياً قبل 2011، لكن الإنتاج انخفض 10 ملايين متر مكعب يومياً، بما يقل عن احتياجات سوريا لتشغيل محطات الكهرباء البالغة 18 مليون متر مكعب يومياً. 

 أنهكت الحرب قطاع النفط والغاز ضمن انهيار الاقتصاد بوجه عام، وحوّلت سوريا إلى مستورد للطاقة. إذ باتت دمشق تعتمد على الاستيراد لتأمين 95% من احتياجاتها النفطية، فبحسب تقديرات رسمية تستورد البلاد نحو 5 ملايين برميل شهرياً، أو ما يزيد على 160 ألف برميل يومياً، بعدما كانت تصدّر 150 ألفاً من الخام يومياً قبل عام 2011، بحسب منصة “الطاقة” المتخصصة في القطاع.

“لكن عودة قطاع النفط والغاز إلى العمل بكامل طاقتهما من جديد سيعتمد كثيراً على مدى دعم الغرب لسوريا، ورفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على النظام السابق، واستقرار الوضع الأمني في البلاد”، على حد قول إحسان الحق.

في غضون ذلك، وسعياً لإعادة تدفق الدم في شرايين الاقتصاد المحلي، دعت وزارة النفط السورية في الحكومة المؤقتة جميع العاملين في قطاعي النفط والغاز إلى الالتحاق بعملهم اعتباراً من الأسبوع الماضي، معلنة أنها ستوفر لهم الحماية الكافية للقيام بعملهم، بحسب بيان نُشر على موقع الوزارة.

تلبية الاحتياجات المحلية بداية الطريق

بالطبع الآمال المعلقة على انتعاش قطاع الطاقة السوري تستهدف التصدير والحصول على العملة الصعبة، لكن بداية الطريق تتمثل في تلبية الاحتياجات المحلية التي تمثل مطلباً ملحاً للإدارة الجديدة. 

كانت سوريا تعتمد خلال العقد الأخير من حكم بشار الأسد على إمدادات النفط الإيرانية بشكل كامل، لكن هذا توقف بعد سقوط النظام. وتواجه الحكومة المؤقتة وضعاً صعباً إذ يجب عليها تعويض الإمدادات الإيرانية في ظل وضع اقتصادي بالغ الصعوبة. 

الحق ينبّه إلى أنه “ليس لدى الإدارة الحالية أي موارد، لكي تسدد مقابل شراء النفط والغاز”. وهو ما أكده قبل أيام رئيس الحكومة المؤقتة محمد بشير، بإعلانه أن احتياطي النقد الأجنبي للبلاد حالياً لا يتجاوز 200 مليون دولار فقط.

يبلغ متوسط طلب سوريا من البترول ما يقرب من 100 ألف برميل نفط مكافئ يومياً، نحو 80% منها من المشتقات لاسيما الديزل أو زيت الغاز، والباقي من البنزين ووقود الطائرات، بناءً على تقرير صادر عن “ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس”.

وتمتلك سوريا مصفاتين كبيرتين للنفط، وهما بانياس التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 120 ألف برميل يومياً، ومصفاة حمص التي تبلغ طاقتها 100 ألف برميل يومياً.

لكن مصفاة بانياس علّقت عملياتها بعد توقفها عن استقبال النفط الخام من إيران والذي كان يشكل الغالبية العظمى من واردات البلاد، حسبما أوردت صحيفة “فايننشال تايمز” نهاية الأسبوع الماضي.

ويقول الحق إنه رغم تضرر المصفاتين إبان الحرب بسبب تعرضهما للقصف، إلا أنهما “قد تتمكنان قريباً من معاودة الإنتاج ولو بقدرة أقل”.

يُرجّح أن تلجأ الحكومة المؤقتة، لتلبية احتياجات تشغيل محطات الكهرباء، إلى الحصول على إمدادات الطاقة من تركيا كمرحلة مبدئية، وبصورة أكبر وعلى المدى المتوسط من قطر، إحدى أكبر الدول المنتجة للغاز المسال عالمياً، وكِلا الدولتين تمتلكان علاقات جيدة مع الإدارة السورية الجديدة. 

“بالفعل تركيا بدأت بإرسال إمدادات نفطية عبر الشاحنات إلى سوريا، وتنتظر البلاد أن تحذو قطر حذوها عبر إرسال شحنات الغاز المسال”، بحسب الحق.

الاتفاق مع “قسد” ضروري

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حالياً على مناطق كبيرة في شرق وشمال شرق البلاد، حيث يتواجد معظم الاحتياطي النفطي، البالغ إجماليه 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. 

كما تضم المنطقة التي تحكمها “قسد” أكبر الحقول في البلاد، بما في ذلك حقل السويدية، الذي كان ينتج ما بين 110 آلاف إلى 116 ألف برميل من النفط يومياً، وحقل الرميلان، الذي كان ينتج 90 ألف برميل يومياً، في الحسكة، فضلاً عن حقول دير الزور، وعلى رأسها حقل العمر النفطي الذي كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، بحسب منصة “الطاقة” المتخصصة. 

لذلك، يرى إحسان الحق أنه لكي تستطيع الإدارة الجديدة إعادة قطاع النفط والغاز إلى سابق عهده؛ فإن ذلك “يتطلب تعاوناً مع قسد”. كما سيحتاج الأمر التوصل لاتفاق مع الحكومة الأميركية لتجميد “قانون قيصر”، الذي يفرض عقوبات شاملة على سوريا، تشمل السلع والخدمات والتقنيات التي تدعم قطاع إنتاج النفط والغاز في البلاد. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *