ميرتس يفوز بفرصة إصلاح ألمانيا وقيادة أوروبا في عصر ترمب

يواجه مستشار المانيا المقبل فريدريش ميرتس قائمة من التحديات الهائلة لتحسين أحوال بلاده، كما يشكل انتخابه فرصة لبلاده للعب دور رئيسي في قيادة أوروبا.
بعد فوزه في انتخابات الأحد، يستعد فريدريش ميرتس لتولي قيادة أكبر اقتصاد في أوروبا، بينما تبدو مظلة الدفاع الأميركية أقل استقراراً من أي وقت مضى منذ تأسيس حلف الناتو، فيما يجري الرئيس الأميركي دونالد ترمب محادثات بشأن أمن القارة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
من المقرر أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في 6 مارس لبحث الانقسامات في العلاقة على امتداد الأطلسي. في ظل الحاجة إلى تريليونات اليورو لدعم أوكرانيا وردع العدوان الروسي، ستكون القوة المالية لألمانيا ضرورية لأي خطة؛ إلا أن ميرتس، زعيم الديمقراطيين المسيحيين، من المؤكد تقريباً غيابه عن ذلك الاجتماع، نظراً لأن مفاوضات تشكيل الائتلاف من المرجح أن تستمر لأسابيع.
قالت ريتشل تاوزندفروند، الزميلة البارزة في “المجلس الألماني للعلاقات الخارجية”: “التحدي هائل، والنتائج ليست قوية بالشكل الكافي”.
تحديات أمام ميرتس في ألمانيا
إعادة تسليح جيش يعتريه الضعف، وإنعاش النمو، وكبح الهجرة لإبقاء أقصى اليمين في نطاق السيطرة، ليست سوى بعض التحديات التي تنتظر ميرتس في ألمانيا، بعد أن حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني أفضل نتيجة انتخابية له على الإطلاق، مما قلص خياراته لتشكيل الحكومة المقبلة.
الزعيم المحافظ على وشك التوجه إلى “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” المهزوم، المنافس التقليدي لليمين الوسط، لتشكيل ما يُعرف بـ”الائتلاف الكبير”، الذي سيسيطر على 328 مقعداً من أصل 630 مقعداً في “البوندستاغ” الجديد.
في سن التاسعة والستين، سيتقلد المحامي والتنفيذي السابق منصباً حكومياً لأول مرة في مسيرته، عندما يتولى المستشارية. هذا الرجل الذي يبلغ طوله ستة أقدام وست بوصات، وهو من مواليد ولاية شمال الراين-وستفاليا، أكثر ولايات ألمانيا اكتظاظاً بالسكان، كان معروفاً بحدة طباعه أكثر من مهاراته الدبلوماسية قبل فوزه في الانتخابات. لكنه سيحتاج إلى حلفاء لينجح في سياسات الائتلاف في برلين، أو في عمليات التفاوض وصنع الصفقات في بروكسل.
قال غونترام وولف، الزميل البارز في مركز الأبحاث ومقره في برلين والذي يُعرف باسم “برويغل” (Bruegel) لتلفزيون “بلومبرغ”: “ألمانيا ليست كبيرة بما يكفي لتكون القائد المطلق لأوروبا بأسرها، وفي الوقت نفسه، مكانتها الاقتصادية والسياسية تجعلها أكثر من مجرد دولة أوروبية عادية، وهذه هي المشكلة التي سيواجهها فريدريش ميرتس. عليه أن يجد الائتلاف المناسب، وأن يعمل مع حلفاء أوروبيين رئيسيين ومع المؤسسات الأوروبية، وأعتقد أنه على دراية بذلك”.
لتعزيز العلاقات في برلين وعواصم أوروبا الأخرى، يمكن لميرتس الاعتماد على خبرة تمتد لربع قرنٍ في السياسة وخارجها، بما في ذلك عمله كنائب في البرلمان الأوروبي. لكن فترة عمله كمحامٍ قد تساعده أكثر في التعامل مع واشنطن.
من المرجح أن تكون العلاقة مع ترمب سمة محددة في منصبه كمستشار لألمانيا.
يزور كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر واشنطن هذا الأسبوع، في محاولة لإقناع الولايات المتحدة بمواصلة دعم أوكرانيا وأوروبا؛ ومن المرجح أن يتبع ميرتس ذلك بسرعة بعد توليه المنصب.
قد تكون تلك الزيارة محرجة؛ إذ إن نائب الرئيس جيه دي فانس وإيلون ماسك، الحليف الرئيسي لترمب، كلاهما دعما خصوم ميرتس اليمينيين خلال الحملة الانتخابية.
استمالة ترمب
كونه داعماً قوياً للتحالف عبر الأطلسي وينتمي إلى حزب يدعم الشركات، فإن الزعيم الألماني المرتقب أكثر استعداداً لاستمالة الرئيس الأميركي مقارنة بسلفه المحتمل من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، أولاف شولتس، الذي عارض علناً انتخاب الرئيس الأميركي.
كما كان ميرتس أكثر تشدداً من شولتس تجاه الصين؛ حيث حذر قادة الأعمال الألمان من الاستثمار هناك، وكانت علاقته أيضاً متوترة مع زميلته في الحزب أنجيلا ميركل، المستشارة السابقة التي اصطدمت أيضاً بترمب. وفي ليلة الأحد، قدم ترمب التهئنة لميرتس.
كتب الرئيس الأميركي على وسائل التواصل الاجتماعي: “سئم شعب ألمانيا من الأجندة عديمة الحس السليم، خاصةً في مجالي الطاقة والهجرة. هذا يوم عظيم لألمانيا، وللولايات المتحدة الأميركية التي يقودها رجل نبيل يُسمى دونالد ج. ترمب”.
مع ذلك، فلا يوجد ما يشير إلى أن هذا الدعم سينعكس بصورة تخفيف موقف ترمب، سواء في مجال الدفاع أو الرسوم الجمركية، في وقت ينفتح فيه البيت الأبيض على روسيا بقيادة بوتين، وتناقش سحب القوات من أوروبا؛ وفي الوقت نفسه، حققت ألمانيا فائض تجارة قياسياً آخر مع الولايات المتحدة، وهو ما يشكل مصدر إزعاج مستمر للرئيس.
ميرتس يدرك كل ذلك؛ فقد أعرب سابقاً عن تفاؤله بإبرام “صفقات” مع ترمب، ووصفه بأنه “متوقع”، لكنه انتقد الرئيس الأميركي مؤخراً بسبب وصفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ”الديكتاتور”.
أولويات ميرتس في أوروبا
قال ميرتس يوم الأحد: “سيكون من أولوياتي المطلقة تقوية أوروبا حتى نحقق الاستقلال عن الولايات المتحدة. لم أظن يوماً أنني سأضطر لقول شيء من هذا القبيل على شاشة التلفزيون”.
نظراً لهذا السياق، فإن تعزيز دفاعات ألمانيا هو المجال الذي يواجه فيه المستشار القادم حاجة ملحة للتحرك؛ ففي المرحلة الأخيرة من الحملة، قال إن الأوروبيين عليهم القبول بأن ترمب ليس ملتزماً بالكامل بالوفاء بتعهداته في إطار حلف الناتو للدفاع عن الحلفاء الأوروبيين في حال تعرضهم لهجوم روسي.
مع تآكل القوة العسكرية لأوروبا بشدة، وفي ظل ازدياد ضائقة السيولة لدى حلفاء ألمانيا في المنطقة، يواجه ميرتس ضغوطاً هائلة لاستغلال انخفاض تكاليف الاقتراض في بلاده، لتمويل جهود القارة نحو إعادة تسليحها.
تخفيف قواعد الاقتراض في ألمانيا
لهذا السبب خفف مؤخراً موقفه من الحفاظ على قواعد الاقتراض الصارمة في ألمانيا، بل أشار أيضاً إلى استعداده للنظر في الاقتراض المشترك للاتحاد الأوروبي؛ حيث قال في الأيام الأخيرة إنه “منفتح لإجراء أي نقاش حول الموارد”.
لتحرير الأموال بشكل أسرع، قد يعلن ميرتس حالة الطوارئ لتجاوز ما يُعرف بـ”قانون الحد من الدين”، والبدء على وجه السرعة في طلب الأسلحة والذخائر سواء لأوكرانيا أو لأوروبا.
تُعد الحالة الأمنية أحد الأسباب التي تدعو إلى التكهن بأن مفاوضات الائتلاف التي تستغرق عادة شهوراً في ألمانيا، قد تسير بوتيرة أسرع هذه المرة؛ إذ قال ميرتس يوم الأحد إنه يرغب في إبرام الاتفاق بحلول عيد الفصح، كما يمكن أن يسبق ذلك إطلاق شولتس، بصفته المستشار المؤقت، تدابير طارئة بدعم من ميرتس.
قال ميرتس ليلة الأحد في مناظرة تلفزيونية مع منافسيه بالانتخابات: “أوروبا تنتظر من ألمانيا أن تتولى دوراً قيادياً أقوى مرة أخرى. علينا أن نظهر أننا قادرون على العمل”.