اخر الاخبار

موجة بيع عنيفة في وول ستريت وسط غموض بشأن خطوة الفيدرالي المقبلة

استؤنفت موجة البيع الكثيفة في وول ستريت، منهية فترة الهدوء التي استمرت أسبوعاً عقب إعادة فتح الحكومة الأميركية، إذ دفعت التصريحات المتشددة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي قبل صدور سيل من البيانات الاقتصادية، المتداولين إلى التخلص من الأصول عالية المخاطر، من أسهم التكنولوجيا إلى العملات المشفرة.

ومع تزايد التفاؤل بانتهاء الإغلاق الحكومي، ظهرت المخاوف بشأن التقييمات، ما دفع إلى عمليات بيع في أسهم عمالقة التكنولوجيا مرتفعة السعر. وفي الخفاء، أشار بعض مراقبي السوق إلى انتقال التداول نحو الأسهم الدفاعية.

وكانت هذه المرة الثالثة خلال أسبوعين التي يتراجع فيها مؤشر “إس آند بي 500” بأكثر من 1%، بعدما حدث ذلك مرة واحدة فقط خلال الأشهر الثلاثة السابقة. وهبطت “بتكوين” دون مستوى 100 ألف دولار، وهي منخفضة بأكثر من 20% منذ أوائل أكتوبر.

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب تشريعاً لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، لكن قد يستغرق الأمر وقتاً حتى تعود البيروقراطية الفيدرالية إلى العمل بشكل كامل. وسيتجاوز تقرير وظائف شهر أكتوبر نشر معدل البطالة، وفق ما قاله كبير المستشارين الاقتصاديين كيفن هاستت لقناة “فوكس نيوز” في برنامج “أميركا نيوز روم”.

احتمالات خفض الفائدة

حالياً، يُسعّر المتداولون احتمالات متساوية تقريباً لخفض الفائدة في ديسمبر. وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الشهر الماضي إن الخفض “ليس نتيجة محتومة”، وإن القرار سيعتمد على البيانات الواردة. وقد يشعر بعض المتداولين بالقلق من أن حذف البيانات الأساسية بسبب الإغلاق قد يعزز الحجج الداعية إلى الإبقاء على أسغار الفائدة من دون تغيير.

وقال ألبرتو موسالم، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، في تصريحات منفصلة، إن على المسؤولين التحرك بحذر بشأن أسعار الفائدة مع بقاء التضخم فوق الهدف، بينما أشارت نظيرته في كليفلاند بيث هاماك إلى ضرورة بقاء السياسة “مقيدة إلى حد ما”. وقال نيل كاشكاري، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مينابوليس، إنه لم يدعم الخفض الأخير، وما يزال غير متأكد بشأن قرار ديسمبر.

اعتبر مات مالي من شركة “ميلر تاباك” إن السوق باهظة الثمن، والأسواق المكلفة تحتاج إلى أسعار فائدة أقل لتبرير التقييمات المرتفعة الحالية”، مضيفاً: “مع احتمال تغيّر الأمور سريعاً بسبب صدور الكثير من البيانات دفعة واحدة، فإن هذا الغموض يزيد من مستوى القلق في السوق”.

وتراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.7%، وهبط “ناسداك 100” بنسبة 2.1%، وانخفض مؤشر الشركات العملاقة بنحو 2.7%. كما خسر مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة 2.8%.

مخاوف البيانات المفقودة تضغط على الأسواق

ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات خمس نقاط أساس إلى 4.12%. وتراجع الدولار وارتفع الذهب.

ومع استئناف تدفق البيانات بشكل تدريجي فقط، يجد المتداولون أنفسهم أمام فراغ معلوماتي مستمر، ما يعني أن تحركات الأسعار قد تُبنى أكثر على المعنويات والتمركزات لا على البيانات الفعلية، وفق فؤاد رزاق زاده من “فوركس دوت كوم”.

وأضاف: “السؤال الآن هو ما إذا كانت موجة التفاؤل الأخيرة في السوق قد استنفدت زخمها”. وأضاف: “بعد موجة صعود قوية منذ أبريل، تبدو أسهم التكنولوجيا مبالغاً في تقييمها ومرهقة، مع غياب محفزات جديدة وتباطؤ البيانات الاقتصادية”.

وخلال الجلسات الأخيرة، قال رزاق زاده إن تحولاً واضحاً حدث في السوق، مع انتقال المتداولين من أسهم عالية النمو إلى القطاعات الدفاعية والقائمة على القيمة.

وتساءل: “هل هذا مؤشر على تراجع شهية المخاطرة، أم أنه مجرد دوران طبيعي في سوق صاعدة صحية؟ الزمن سيحدد ذلك”. وأضاف: “لكن من الجدير ملاحظته أن عمليات البيع الداخلية في قطاع التكنولوجيا ازدادت مؤخراً، وهذا نادراً ما يكون علامة إيجابية. على المتداولين البقاء على أهبة الاستعداد”.

ومع اقتراب موسم الأرباح من نهايته، يرى المستثمرون في ذلك “فرصة جيدة لجني الأرباح”، وفق مايكل أورورك من “جونز تريدينغ”.

أما كريس غريساني من “إم إيه آي كابيتال مانجمنت” فاعتبر أنه “مجرد دوران طبيعي في السوق بعيداً عمّا كان ناجحاً في السابق”، مضيفاً: “ربما يكون أمراً صحياً، رغم أنه مؤلم على المدى القصير”.

وأضاف أنه “ليس مشترياً عند الانخفاض حالياً”، لكنه يراقب “الأسماء المعتادة” للشراء التدريجي إذا تراجع السوق أكثر. وقال: “يجب التركيز هنا على الأساسيات، التي ما تزال قوية، رغم أن السوق مرتفع الثمن”. وأضاف: “عادةً ما تشكّل الأرباح الجيدة وسياسة نقدية مساندة بيئة إيجابية لأسواق الأسهم، لذلك لن أشعر بقلق كبير”.

انتقال  إلى القطاعات المقيمة بشكل معقول

قال بول تيكو من “كالاموس إنفستمنتس”: “حققت الأسهم صعوداً مذهلاً منذ أبريل (من دون توقف)، ومن الممكن أننا نشهد الآن التراجع الذي كان كثيرون يتوقعونه في أكتوبر، لكنه تأخر بسبب الإغلاق الحكومي”.

وأضاف أنه سيستغل أي ضعف في السوق “لبناء مراكز استراتيجية طويلة الأجل”.

ويرى ديفيد ميلر من “كاتاليست فاندز” أن المستثمرين يأخذون بعض الأرباح من أسهم التكنولوجيا العملاقة بعد موجة ارتفاع مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، ويعيدون توجيه الأموال نحو قطاعات مقيمة بشكل معقول مثل الصناعة والخدمات المالية والطاقة والرعاية الصحية.

وفي الوقت نفسه، تجذب الشركات الدورية عالية الجودة اهتماماً أكبر، مع تموضع المستثمرين لبيئة اقتصادية أبطأ ولكن مستقرة، حيث تعد رؤية الأرباح أكثر أهمية من سرديات النمو المفرط، على حد قوله.

وقال ميلر إن “الانتقال خارج التكنولوجيا ربما يكون التطور الأكثر صحة الذي شهدناه طوال العام”. وأضاف: “ما نراه الآن بنّاء، المستثمرون يعيدون اكتشاف أجزاء من السوق طغت عليها ضجة الذكاء الاصطناعي. هذا التوسع يعطي الارتفاع قاعدة أكثر صلابة”.

التشدد في التقييمات يعيد فتح نقاش فقاعة الذكاء الاصطناعي

دفع صعود التكنولوجيا من أدنى مستوياته في عام 2025 القطاع إلى مستويات تقييم قصوى نسبياً، مع تجاوز القطاع لأكثر من انحراف معياري واحد فوق المتوسطات الأخيرة، وفق مايكل كاسبر وناثانيال ويلنهوفر من “بلومبرغ إنتليجنس”.

وأكدا أن “الارتفاع تغذّيه قفزة حادة في الإيرادات لا المضاربات، لكن مع اتساع العلاوات إلى هذا الحد،  ستحتاج العوامل الأساسية إلى مواصلة التسارع لمجرد البقاء في مكانها”.

وأشار مارك مالك من “سيبرت فاينانشال” إلى أن شركات النمو والذكاء الاصطناعي العملاقة قامت بمعظم العمل في الأشهر الأخيرة، وأن توسيع قاعدة المشاركة يعد أمراً صحياً لتحقيق صعود مستدام.

وقال: “السؤال الآن هو ما إذا كان هذا التباين في الأداء يمثل بداية دورة انتقال هيكلية، أم أنه مجرد طبيعة السوق”.

أما كارول شليف من “بي أم أو برايفت ويلث” فقالت: “لا نعتقد أننا في فقاعة ذكاء اصطناعي بعد، إلى حد كبير لأنه عند تشغيل القدرة الإنتاجية، يكون كل جزء منها متراكماً ومكتتباً به أكثر من اللازم”. وأضافت أن “الإنفاق في هذا المجال حتى الآن منضبط إلى حد كبير، وما يزال الوقت مبكراً في قصة الذكاء الاصطناعي”.

ورغم قلق بعض المشاركين في السوق من الطبيعة المتزايدة للإنفاق الممول بالديون، أشارت إلى أن الميزانيات العمومية لشركات الحوسبة السحابية الكبرى ما تزال منخفضة المديونية نسبياً، ولديها مجال لزيادة مصادر تمويلها، بما يشمل الأسهم أو حتى السيولة.

لويس نافيلّيه، المحلل المخضرم في وول ستريت، أشار إلى أن تراجع التكنولوجيا يجعل نتائج “إنفيديا كورب” الأسبوع المقبل أكثر أهمية من أي وقت مضى. وقال إن نظرة مستقبلية قوية من الرئيس التنفيذي جنسن هوانغ ستكون مفتاحاً لإنهاء قوي لعام 2025 في سوق الأسهم.

توقعات بارتفاع تدريجي وسط استمرار التقلبات

قال خبراء استراتيجيون في “جيه بي مورغان تشيس آند كو” إن موقف الحذر بشكل غير متوقع لدى صناديق التحوط في أكتوبر قد يمهد الطريق لارتفاع نهاية العام، مع سعيها إلى اللحاق بالمكاسب وسط تدفق معلومات إيجابية نسبياً.

وأظهرت بيانات فريق نيكولاوس بانيجيرتزوجلو انخفاضاً حاداً في “معامل بيتا” للأسهم الشهر الماضي، ما يشير إلى أن الصناديق أصبحت أكثر عزوفاً عن المخاطر، تزامناً مع زيادة المخاوف بشأن التقييمات المفرطة لأسهم الذكاء الاصطناعي.

وقالت كارول شليف: “نتوقع أن ترتفع الأسواق تدريجياً، وإن كان ذلك وسط استمرار التقلبات”. وأضافت: “يُفترض أن تعود آليات عمل الحكومة قريباً، ورغم أن ذلك يبعث بعض الارتياح للأسواق والاقتصاد، ما يزال هناك قدر كبير من الضبابية، خصوصاً بشأن بيانات التضخم والوظائف المفقودة وكيف كانت هذه الجبهات تتطور”.

خلافات متزايدة داخل الاحتياطي الفيدرالي

في حين أن تعتيم البيانات قد صعّب مهمة الاحتياطي الفيدرالي، إلا أنها لا تزال تتوقع أن يُخفّض المسؤولون أسعار الفائدة الشهر المقبل.

وانخفضت توقعات السوق بخفض آخر للفائدة في ديسمبر من يقين شبه كامل قبل اجتماع الفيدرالي الأخير.

وقال دون ريسميلر من “ستراتيغاس” إن ذلك مهم لأن البيانات الأميركية الأخيرة كانت مثيرة للقلق، لكن غياب التقارير الحكومية الرسمية جعل من الصعب تقييم مدى هذا الضعف.

وأضاف: “انتهى الإغلاق الحكومي، لكن ستستمر الاضطرابات لعدة أشهر”. وتابع: “من المفهوم أن صانعي السياسة النقدية يريدون التحرك بحذر، لكن هذا يترك الباب مفتوحاً لاحتمال استمرار ضعف سوق العمل الأميركية في الربع الرابع”.

ويؤدي التضخم العنيد وضعف سوق العمل المستمر إلى تعميق الانقسام بين مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي حول أفضل مسار لأسعار الفائدة.

وقال كريشنا غوها من  “إيفركور”: “سنميل إلى موقف الإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير في ديسمبر، مع خفض في يناير، إذا اعتقدنا أن تأجيل القرار اجتماعاً واحداً للحصول على بيانات إضافية يمكن أن يحلّ الخلاف، لكننا لا نرى ذلك”. وأضاف: “نعتقد أن الإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير سيخلق مشكلات لباول أكثر مما يحل، ولهذا نفضّل سيناريو ’الخفض المتشدد‘”.

وأشار محللو “بي أم أو كابيتال ماركتس” إيان لينغن وفايل هارتمان وديلاني تشوي، إلى أن مزيداً من الوضوح حول أداء الاقتصاد الحقيقي قد يعزز أيضاً مبرر خفض ربع نقطة إذا أظهرت البيانات الجديدة مزيداً من الضعف في سوق العمل وتراجعاً معتدلاً للتضخم، وكلاهما موضع نقاش نشط.

وقالوا: “رغم أن المستثمرين ينتظرون منذ فترة طويلة استئناف تدفق البيانات، فإن التقارير القادمة ستكون على الأرجح محل تشكيك، بالنظر إلى تأخيرات جمع البيانات وتغيّر الجداول الزمنية”.

بيانات مفقودة وتأخيرات متوقعة بعد إعادة فتح الحكومة

أشار توماس رايان من “كابيتال إيكونوميكس” إلى أن إعادة فتح الحكومة الأميركية لا تعني عودة تدفق البيانات فوراً.

وقال: “البيانات المستندة إلى المسوح، التي لم تُجمع في أكتوبر أثناء توقف التمويل، ستستغرق أسابيع للتجميع والمعالجة والتحقق”. وأضاف: “أما نشر بيانات ميدانية مفقودة، مثل أسعار المستهلك، فهو على الأرجح مهمة مستحيلة”.

وبالنسبة لبيانات نوفمبر، قد يستغرق الأمر وقتاً، وفق كريس فاشيانو من “كومنولث فاينانشال نتوورك”، موضحاً أن فترة جمع البيانات ستكون محدودة بمجرد عودة الموظفين، كما أن عطلة عيد الشكر ستعقّد العملية.

وأضاف: “هذا الغموض يعقد موقف الفيدرالي، الذي لم يكن موحداً أصلاً بعد اجتماعه الأخير بشأن احتمال خفض آخر للفائدة في ديسمبر”.

بالنسبة لسيما شاه من شركة “برينسيبال لإدارة الأصول”، فالأمر واضح: “حافظوا على رباطة جأشكم”.

وأضافت: “في بيئة شحيحة المعلومات، حيث يمكن للرياح المتضادة أن تتحوّل إلى تيارات عاتية، تصبح ردود الأفعال أكثر تضخيماً، وتصبح مرونة المحافظ أهم بكثير من القناعات القوية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *