من سوروس إلى سليم.. أغنى عائلات العالم تراهن على النفط الأميركي

في ظاهرة نادرة الوجود في صناعة النفط الأميركية، اتجهت الشركات التي تدير أصول العائلات الثرية للغاية، بما في ذلك سلالات المليارديرات جورج سوروس وكارلوس سليم، إلى ضخ أموالها في قطاع النفط الصخري.
يُعزى هذا التحول إلى الاستقرار النسبي لعوائد القطاع بعد سنوات من دورات الازدهار والانهيار، ما يجذب الشركات التي تدير الشؤون المالية للمستثمرين من أصحاب الثروات الضخمة. هذه الشركات تساعد في سد الفراغ الذي خلفته صناديق الاستثمار الخاصة، والتي تبيع أصولها في ظل موجة استحواذات بين شركات التنقيب، بينما تتجه نحو الاستثمارات في الطاقة الخضراء. وفقاً لشركة الخدمات المالية “ستيفنز” (Stephens)، فإن مكاتب العائلات تستثمر نحو 15 مليار دولار في قطاع النفط الصخري الأميركي.
قد يكون هذا الدعم ضرورياً لشركات التنقيب للحفاظ على مكانة أميركا كأكبر منتج للنفط في العالم. فبعد سنوات من التوسع الهائل، بدأ نمو إنتاج النفط الصخري يتباطأ بعد أن تم استغلال أفضل المواقع بالفعل. في الوقت نفسه، تشكل الاضطرابات الجيوسياسية وتهديدات التعريفات الجمركية التي يفرضها دونالد ترمب ضغوطاً على أسعار النفط في المدى القصير، بينما يلقي التحول نحو الطاقة النظيفة بظلاله على الطلب المستقبلي.
أهمية التمويل العائلي للقطاع
“العائلات رأت في هذا القطاع فرصة استثمارية مربحة”، بحسب ويلفورد تابور، المدير الإداري في “إتش إف كابيتال” (HF Capital)، وهو المكتب العائلي لسلالة المليارديرات من عائلة هاسلام في ولاية تينيسي. وأضاف خلال مؤتمر في هيوستن الشهر الماضي: “إذا كنت مرتاحاً لهذا الاستثمار، وعائلتي مرتاحة له، فلنمضي قدماً فيه”.
اقرأ أيضاً: نمو إنتاج النفط في أميركا سيتباطأ أكثر من المتوقع في 2025
مات غالاغر، وهو رجل أعمال من الجيل الثالث في قطاع النفط، لم يكن معتاداً على تلقي استفسارات من مكاتب العائلات، لكنه الآن تحدث إلى 70 مكتباً منها.
شركته المتخصصة بإنتاج النفط “غرين لايك إينرجي” “Greenlake Energy”، المدعومة من قبل صندوق الاستثمار الخاص “إن جي بي إينرجي كابيتال” (NGP Energy Capital)، تحصل أيضاً على تمويل من 6 مكاتب عائلية لدعم عملياتها في حوض “بيرميان” بغرب تكساس. هناك 5 مكاتب عائلية أخرى تجري محادثات لتمويل عمليات استحواذ محتملة وخطط حفر طويلة الأجل، في حين أبدت عشرات المكاتب الأخرى اهتماماً بالشركة، إلا أن غالاغر رفض الكشف عن أسماء هذه الشركات.
اهتمام متزايد
بدأت مكاتب العائلات تبرز في مشهد النفط الصخري. فعائلة هاسلام، التي راكمت ثروتها من خلال سلسلة محطات الوقود “بايلوت فلايينغ جيه” (Pilot Flying J) وتمتلك فريق “كليفلاند براونز” لكرة القدم الأميركية، كانت ضمن مجموعة صغيرة من المستثمرين الذين اشتروا شركة إنتاج الغاز الطبيعي “بيور ويست إينرجي” مقابل 1.8 مليار دولار في عام 2023. قادت شركة “إيه جي هيل بارتنرز” (AG Hill Partners)، وهي المكتب العائلي الذي يعود جذوره إلى رجل النفط الشهير إتش إل هانت، هذا التحالف الاستثماري.
اقرأ أيضاً: خافير بلاس: سعر النفط الخطأ معضلة حقيقية لـ”أوبك+”
في السابق، كانت السلالات التي ضخت ثرواتها في قطاع النفط تأتي من عائلات مثل هانت، التي بنت ثروتها في هذا المجال. أما الآن، فتتدفق أموال جديدة من سلالات مثل عائلة هاسلام وعائلة بيرس التي بنت إمبراطورية عقارية في المملكة المتحدة. كما أن مكتب عائلة المستثمر السابق سوروس أضاف أكثر من 30 مليون دولار في أسهم شركات الطاقة خلال الربع الثالث، بما في ذلك “ماغنوليا أويل آند غاز” (Magnolia Oil & Gas) و”هس ميدستريم” (Hess Midstream).
أما شركة إدارة استثمارات كارلوس سليم، أغنى رجل في أميركا اللاتينية، فقد رفعت حصتها مؤخراً في شركة تكرير النفط الأميركية “بي بي إف إينرجي” (PBF Energy)، بالإضافة إلى زيادة استثماراتها في “تايلوس إينرجي” (Talos Energy)، المتخصصة في الإنتاج البحري.
لم يرد ممثلو سليم وسوروس وعائلة هاسلام فوراً على طلبات التعليق. وفي مؤتمر صحفي العام الماضي، تحدث سليم عن استثماره في “بي بي إف” وقطاع النفط، مشيراً إلى أنه يفضل هذا المجال لأنه “يربط بين الإنتاج والتكرير، كما أنه قريب من صناعة البتروكيماويات أيضاً”.
ارتفاع العوائد
من المتوقع أن تمثل مكاتب العائلات 12% من إجمالي تمويل شركات النفط الصخري هذا العام، مقارنة بـ7% فقط قبل بضع سنوات، وفقاً لشركة المحاماة “هاينز بون” (Haynes Boone). ولاحظت “كي كي آر آند كو” (KKR & Co) العام الماضي زيادة شهية العائلات للاستثمار في النفط والغاز.
“شاعت أخبارٌ بأن هناك أموال تُجنى في قطاع النفط”، وفق جيف نيكولز، الرئيس المشارك لمجموعة ممارسات الطاقة في “هاينز بون”. أضاف: “جزء كبير من السوق ابتعد بالفعل عن النفط والغاز، لكنه الآن يعود من جديد، ومكاتب العائلات في طليعة هذه الموجة”.
اقرأ أيضاً: سوق النفط تدخل عام 2025 محاطة بتحديات
كانت نتائج الاستثمار في القطاع مقنعة. على مدار معظم العقد الماضي، سجل مؤشر الطاقة “إس آند بي 500 إينرجي” (S&P 500 Energy) عائداً سلبياً على رأس المال، حيث كانت الشركات تستنزف السيولة لمتابعة خطط نمو باهظة التكلفة. لكن هذا المقياس انتعش ليصل إلى 22% بعد الجائحة، مع خفض الشركات للتكاليف وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ويبلغ العائد الحالي على رأس المال في مؤشر الطاقة 9.6%، متجاوزاً متوسط المؤشر الأوسع البالغ 7.8%. وربما تكون هذه النسبة أعلى حتى بالنسبة للاستثمارات الخاصة.
تخارج صناديق الاستثمار الخاصة
بدأ تخارج صناديق الاستثمار الخاصة والمستثمرين المؤسسيين، مثل “بلاكستون” (Blackstone) و”أبولو غلوبال مانجمنت” (Apollo Global Management)، من قطاع النفط الصخري قبل عدة سنوات، بعدما أدى الارتفاع السريع في الإنتاج إلى انهيار أسعار النفط والغاز، ما تسبب في تراجع أسهم شركات التنقيب. وسرّع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة من هذا التغيير الاستثماري.
اقرأ أيضاً: أرامكو تخفض علاوة سعر بيع النفط السعودي إلى آسيا في ديسمبر
تراجع حجم رأس المال الذي جمعته صناديق الاستثمار الخاصة في قطاع الطاقة، حيث انخفض من متوسط 21 مليار دولار سنوياً خلال الفترة من 2010 إلى 2019 إلى نحو 6 مليارات دولار فقط سنوياً، وفقاً لعرض تقديمي الأسبوع الماضي من قبل “كوانتوم كابيتال غروب” (Quantum Capital Group)، وهو أحد أكبر المستثمرين المتبقين في قطاع النفط الصخري.
تزامن هذا الانخفاض مع تضاعف ثروات العائلات. فمنذ نهاية 2019 وحتى 2024، تضاعف إجمالي صافي ثروة أغنى 500 شخص في العالم تقريباً ليصل إلى 9.7 تريليون دولار، وفقاً لمؤشر “بلومبرغ للمليارديرات”. ويُظهر المؤشر أن ما لا يقل عن خُمس أغنى 500 شخص في العالم لديهم شركات متخصصة في إدارة ثرواتهم الخاصة. في الوقت ذاته، قامت شركات النفط الصخري بتقليص الإنفاق وتحسين الكفاءة، وبدلًا من إعادة استثمار الأرباح في النمو، أصبحت تعيد توزيع الأموال على المستثمرين من خلال توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم.
تحول الاستثمارات العائلية
هذا التحول جعل مكاتب العائلات أكثر ارتياحاً للاستثمار المباشر في قطاع النفط الصخري، حسبما رأى دوغ برييتو، الرئيس التنفيذي لشركة “تايلووتر إي آند بي” (Tailwater E&P)، التابعة لصندوق الاستثمار الخاص “تايلووتر كابيتال” (Tailwater Capital).
وأضاف: “في السابق، كان العديد من العائلات التي تحدثنا معها تقول أنها جربت الاستثمار في 1991 وخسرت أموالها‘”.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني استغناء أميركا عن نفط السعودية؟
تميل مكاتب العائلات إلى ضخ استثمارات أصغر مقارنة بالمستثمرين المؤسسيين، لكنها تتعاون مع بعضها البعض لشراء حصص في الآبار، والمشاركة في إصدارات الديون الخاصة، أو حتى الاستحواذ على شركات منتجة بالكامل. على سبيل المثال، قاد بول لي، الشريك التشغيلي في “تايلووتر كابيتال”، عملية الاستحواذ على شركة التنقيب “فيرداد ريسورسز” (Verdad Resources) في كولورادو عام 2022، بعد أن جمعت “تايلووتر” مجموعة من مكاتب العائلات لجمع أكثر من 900 مليون دولار في رأس المال.
تمثل هذه التحركات أحدث الإشارات على أن مكاتب العائلات مستعدة لتحمل المخاطر التي يتجنبها مستثمرون آخرون. فقد وسّعت نطاق استثماراتها إلى عمليات الاستحواذ، والعقارات، والأصول التي تبيعها صناديق الاستثمار الخاصة. كما دخلت بعض مكاتب العائلات مؤخراً في ملكية شركات عامة ودعت إلى تغييرات داخلها. وبفضل كونها تدير أموال عدد محدود من العملاء، فإن لديها مرونة أكبر من المستثمرين المؤسسيين.
مناطق جديدة للاستثمار
تميل مكاتب العائلات إلى الاحتفاظ باستثماراتها لفترات أطول من صناديق الاستثمار الخاصة، التي تحتاج عادةً إلى تحقيق نمو في غضون 3 إلى 5 سنوات قبل التخارج. ومع نضوج قطاع النفط الصخري وسعي الشركات إلى إطالة عمر احتياطاتها المتضائلة، قد تصبح العائلات الثرية المستثمرين المثاليين في هذا المجال.
اقرأ أيضاً: شركات التكرير الأميركية تخطط لأقل موسم صيانة منذ 2021
بدأت مكاتب العائلات أيضاً في استكشاف مناطق غير تقليدية والاستثمار في حقول نفط تم تجاهلها خلال ذروة توسع النفط الصخري. على سبيل المثال، حصلت شركة “إسبيرانزا كابيتال بارتنرز” (Esperanza Capital Partners) على دعم من “كوكرل إنترستس” (Cockrell Interests)، وهو المكتب الاستثماري لعائلة نفطية يحمل اسمها كلية الهندسة بجامعة تكساس في أوستن. ومنذ عام 2021، نفذ الطرفان عدة عمليات استحواذ في خليج المكسيك، حيث تكون تكاليف الإنتاج أعلى، لكن معدل انخفاض الإنتاج أبطأ مقارنة بآبار النفط الصخري.
قال ويليام غودوين، الشريك الإداري في “إسبيرانزا”، خلال مؤتمر رأس المال الخاص الذي عقدته “الرابطة المستقلة للبترول في أميركا” (Independent Petroleum Association of America) في هيوستن في 23 يناير: “نحن نحب هذا المزيج من الانخفاض البطيء في الإنتاج، مع القدرة على اقتناص الفرص عندما تسنح، ووجود تدفقات نقدية حرة”. وأضاف: “هذا يتناسب تماماً مع مكاتب العائلات التي تبحث عن أصول طويلة الأجل توفر دخلاً مستقراً”.
المخاطر والآفاق المستقبلية
رغم ذلك، لا تزال ثروات شركات النفط الصخري مرتبطة بأسعار النفط والغاز، ما يخلق مخاطر على المستثمرين. يعمل مات غالاغر، رئيس “غرين لايك إينرجي” (Greenlake Energy)، على إعداد مكاتب العائلات الجديدة في القطاع، مقترحاً عليهم استخدام أدوات التحوط ضد تقلبات أسعار النفط لحماية استثماراتهم من الخسائر.
حتى الآن، لا تظهر مؤشرات على تراجع اهتمام مكاتب العائلات بالاستثمار في النفط الصخري. ووفقاً لكيث بيرينز، رئيس قسم الاستثمار في الطاقة لدى “ستيفنز”، فإن الشركة تتعقب نحو 350 مكتباً عائلياً في أميركا، ويستثمر حوالي ربعها في قطاع النفط.
“هذا ليس مجرد طرح نظري أو خطة طويلة الأجل تمتد لعشر سنوات لإقناع العائلات بالاستثمار. إنهم يستثمرون الآن بالفعل”، وفق بيرينز.